في هذا التقرير نستعرض مشروعًا قدّمه أربعةٌ من المهندسين المعماريين الفلسطينيين في برنامج جائزة حيفا الدولي، حيث حصل فريق المهندسين على المرتبة الأولى في المسابقة الدولية لتصميم وإعادة إعمار ميناء بيروت المدمر، جراء انفجار هزّه في الرابع من آب / أغسطس 2020.
وحمل المشروع الفائز من بين 13 مشروعاً على الصعيد العالمي رؤيةً جديدةً لبيروت تحت عنوان "بيروت المنتجة ما بعد الانفجار".
وضم الفريق الفلسطيني المهندسين المعماريين آلاء أبو عوض وميس بني عودة وديالا اندونيا ومجد المالكي وجميعهم من خريجي قسم الهندسة المعمارية في جامعة بيرزيت.
موقع بوّابة اللاجئين قابل المهندسة آلاء أبو عوض ، وأطلعتنا على تفاصيل مشروعهم منذ البداية إلى حينِ الفوز.
تقول آلاء: إنَّ فريقهم مكوّنٌ من أربعة مهندسين معماريين تخرّجوا منذ سبع سنوات من جامعة بيرزيت في رام الله/فلسطين، كلّ مهندس متمرّسٌ في عمله، وقد عملوا لمدّة ثلاث سنوات كمساعدي بحث و تدريس في الجامعة، ومن هنا انطلقت أولى خطواتهم كفريقٍ واحد، حيث أعدّوا مجموعةً من المشاريع، واشتركوا في مسابقات عدة.
أربعة أشهر من العمل المتواصل لم تكن كافية
تضيف، في نهاية شهر كانون الأوّل/ديسمبر لعام 2020 شارك فريق الهندسة المعماريّة في مسابقة Pheonix-2021 وهي جزء من برنامج جائزة حيفا الدولي الذي تنظمه IDAR-Jerusalem-، والتي تهدف إلى معالجة مساحات المخاطر في مناطق مختلفة من العالم كمحاولة لاستحضار تدخلات معمارية وحضرية مبتكرة لبحث إمكانيات إعادة إعمار هذه المناطق المنكوبة.
أربعة أشهر من العمل المتواصل بين أعضاء الفريق، ساندهم في ذلك معلومات وصلتهم من نقابة المهندسين، لكنّها ليست كافية لإتمام المشروع بحسب آلاء، ما اضطرهم إلى الاعتماد على الخرائط الجوية.
انفجار ٤ آب في بيروت خلّف كارثة بيئيةً وإنسانيةً ضخمة، فقد تشرّد 300 ألف شخصٍ من بيوتهم ومات أكثر من 200 شخص إضافة إلى آلاف الجرحى، وهو ما استوقف فريق المهندسين، ودفعهم للعمل على تغيير ميناء بيروت من صناعيٍّ فقط إلى واجهة بحريةٍ يستفيد منها أهالي المنطقة المنكوبة.
توضح آلاء أن النقطة المفصليّة لمشروعهم كانت تدور في فلك هذا السؤال: "هل هذا الميناء سيبقى ميناءً صناعيّاً يستقبل الواردات والصادرات فحسب ويبقى منفصلًا عن المدينة وغير متجانس مع النسيج العمراني الموجود حالياً، خصوصاً أن هناك 300 ألف شخص بحاجة إلى سكن آني و عاجل، أم يجب أن تكون دائرة الاصلاح أوسع وأشمل؟!"
تضيف آلاء لموقعنا: بالاضافة لدراستنا قمنا بفهم الشارع اللبناني وتكوينه المجتمعي عن طريق بحثنا في السوشيال ميديا والنظر الى رد فعل الناس للمشاريع المقترحة للميناء كمتحف تذكاري يجسد المأساة، فوجدنا أن غالبية التعليقات و المناشدات كانت تدعو بإعادة إعمار البيوت المدمرة و عودة الناس المهجّرة إلى بيوتها كحاجة أساسية وملحة في الوقت الحالي، كذلك كانت دعوات توفير ظروف معيشية أفضل للبنانيين تأخذ حيّزاً كبيراً في التعليقات،لا سيّما أن الفساد السياسي والماديّ متأصّل في كلّ نواحي الحياة في لبنان".
إعادة استخدام المواد التي خلفها الانفجار
مشروع جامعة بيرزيت الفائز سعى إلى إعادة بناء المدينة من خلال خلق حلقة من الإنتاج المعرفي والمادي مستندة على بقايا الانفجار لتكون بمثابة تذكار يومي ودائم يوثق ما حدث.
وتعمل هذه الحلقة بحسب آلاء ضمن نظام ذاتي مستدام ينتج باستمرارية خلال فترة إعادة بناء المدينة، مرتكزاً على إنتاج المواد والمعرفةالمهنية المكتسبة كمدخلات أساسية في تشغيل هذه الدورة، وبالتالي، تصبح المعرفة المجتمعية المهنية ركناً أساسياً للمدينة تخلق فرص عمل وإبداع جديدة مبنية على إعادة استخدام المواد الإنشائية التي خلفها الانفجار، بحيث تعتمد على المعرفة المحلية لتضمن استمرارية هذه الحلقة وتعزيز الاقتصاد المحلي.
وقد تم تحديد منطقة الانفجار والصوامع كنقطة محورية ومركزية للمدينة الجديدة من خلال تعزيز وتدعيم الصوامع بهيكل وظيفي وإنشائي يعمل كجزء من الفضاء العام والسوق المحلية (سوق الصوامع)، بالإضافة إلى إنشاء مدرج كبير يحوي وظائف وأنشطة مختلفة تقف على مركز الانفجار، ما يجعل حقيقة ذكرى الانفجار جزءاً من الحياة اليومية للمواطنين.
وعن فكرة إبقاء الصوامع التي حمت الواجهة الغربيّة لبيروت، تقول آلاء إنها ليست فقط لتخليد الذكرى رغم أنّه من المهم عدم طمس التاريخ،بل ستصبح جزءاً من حياة اللبنانيين اليومية، فهذه الصوامع ستحوّل نقطة الانفجار إلى نقطة إنتاج.
وأوضحت آلاء، أنّ هدف المشروع هو خلق حلقة وتشكيلها في إطار التعليم والإنتاج المادي والمعرفي المستدام تعليم مهني وزراعي لإعادة إحياء بيروت بنفسه، كذلك يمكن الاستفادة منه لتنمية مدن أخرى.
مشروع ليس بهدف الإعمار فقط بل تشغيل اليد العاملة
هذه الحلقة تشكل ديناميكية وتخلق فرص أعمال وتعليم تنمو كالعجلة وتتطور على أساس مستقل أي من شأنها أن تدعَم سياسة الإكتفاءالذاتي والاستقلالية المستقبلية.
وقد تم وضع الدراسة على أساس خلق أيدي عاملة قادرة أن تنتج في وحدات إنتاجية موضوعة في ميناء بيروت وذلك من خلال المواد الموجودةوإعادة استخدامها في عدة نواحي كإعادة بناء البيوت وأعمال إنتاجية متنوعة اعتماد نظريات علمية في إطار الانتاجية وإعادة التدوير.
وتصف آلاء فكرة خلق حلقة تشغل نفسها بنفسها بالأمر العظيم الذي يجب بذل جهود في تناوله والعمل به، فإن طبّق هذا المشروع ستشهد بيروت نظاما متكاملًا من الإنتاج والتعلّم والحياة والمعيشة.
التجانس بين فريق المهندسين، أزال العقبات التي فرضها الحجر الصحيّ جراء فايروس كورونا، فمتابعة المشروع وبحثه ونقاشه وصولاً إلى تسليمه من خلف الشاشات وعدم زيارة مكان المشروع"بيروت" مثّل تحديًّا كبيرا أمام فريق المهندسين، ومع ذلك نجح الفريق وفاز بالمسابقة.
هذه المسابقة وفق القيّمين عليها تساهم في منح فرصة للطلبة والمهنيين العرب والفلسطينيين للالتقاء وتبادل خبراتهم في مجال العمارة والتراث الثقافي، وحشد الجهود المتفرقة في توثيق الأعمال الميدانية أو العمارة والتراث الثقافي.