كثيرة هي الطقوس المرتبطة بالأعياد، ولا تزال الناس تمارسها بشكل كبير في دلالة على أصالتها في المجتمعات.
"هدايا العيد" هي واحدة من العادات الأساسية التي يمارسها المسلمون في عيدي الفطر السعيد والأضحى المبارك، لا سيما الفلسطينيين أينما حلو في الوطن أو في الشتات.
وتتجلّى العادة، بأخذ هدية لأي شخص يتم زيارته خلال العيد، كالزجاج، الشوكولاتة، القهوة، والحلويات وغيرها. وهي تدل على المحبة للشخص الذي تتم زيارته، وكرم الشخص الزائر.
إلا أنّ هذه العادة، كغيرها من سائر أمور الحياة اليومية، تأثرت بالأوضاع الاقتصادية المزرية التي يشهدها لبنان منذ عام ونصف، بفعل انهيار الليرة اللبنانية أمام سعر صرف الدولار الأمريكي. وهو الذي انعكس على ارتفاع أسعار السلع بشكل جنوني ناهز الخمسة أضعاف، ما أدى إلى تقليص عادة شراء هدايا العيد بشكل كبير.
عادة تنتهي شيئاً فشيئاً
في حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" تعتبر اللاجئة الفلسطينية، ابنة مخيم عين الحلوة، نعمة حجازي أن "عادة تبادل الهدايا في العيد لا تموت، ولكن بسبب هذا الغلاء فإنها تنتهي شيئاً فشيئاً"، متساءلة: "من ليس لديه القدرة المادية من أين يأتي بهذه الأغراض أو المال الذي يستلزم لشراءها".
وترى حجازي أنه "يوجد غلاء وقلة أعمال أي ينبغي وجود أعذار. في السابق كنا نأخذ كيلو البن بـ ١٢ ألف، أما الآن أصبح بـ 100 ألف، فلم نعد نستطيع شراء أي شيء ولا حتى الحلويات".
وتؤكد أن "هذه العادة تأثرت كثيراً بالأوضاع المعيشية، فالنفسيات أرهقت والناس باتت عاجزة عن شراء ثياب جديدة لأولادها، فالأب بلا عمل ومن لديه عدد كبير من الأولاد من أين سيأتون بالمال".
بدورها، تقول الحاجة أم طالب كنعان من مخيم عين الحلوة: "الوضع سيء جداً فكنا نزور الأشخاص ونأخذ معنا كيلو قهوة كانت بحدود ٢٥ ألف ليرة، والآن أصبحت بحدود ١٠٠ ألف بعد أن أصبح الوضع الاقتصادي صعب جداً".
وتشدد على أن "عادة شراء الهدايا باتت صعبة جداً بالنسبة لها، فهي كانت تشتري القهوة والشوكولاتة والزجاج، إلا أن جميعهم باتت أسعارهم باهظة الثمن حالياً بخاصة أنها تفاقمت 5 أضعاف".
الأزمة ضربت المشتريي والبائع
عادة شراء هدايا لم تنعكس سلباً على الزبائن فحسب، إنما تأثر بها أصحاب المحال التجارية الذين يبيعون هذه الهدايا، لدرجة أن دكاكينهم باتت خالية من البضائع خوفاً عليها من الفساد من جراء عدم شراءها من جهة، وانقطاع الكهرباء لفترات طويلة من جهة أخرى .
"الأسعار تبدلت 180% فالذي كان سعره 5 آلاف بات اليوم يباع أقلها ب 50 ألف"، بهذه الكلمات يصف الشاب أحمد سرحان حركة البيع والشراء في محل الشوكولاته الذي يعمل به في مخيم عين الحلوة.
"الشوكولاتة كانت من أساسيات العيد ولكن الآن اختلف الوضع وأصبحت الناس تشتري الأشياء الضرورية"
في حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، يقول سرحان: "في هذه الأيام أغلب المحلات مقفلة، ففي السابق كانت هذه المحلات في مثل هذه الأيام مفتوحة وحركة الناس خفت، ليست مثل السنوات الماضية، فمن كان يشتري ٤ كيلو أخد العيد السابق ٢ كيلو. ولكن هذا العيد لاحظنا أن أغلب بيعنا أصبح بنصف كيلو ووقية، ولا أظن أنهم سيشتروا هدايا للآخرون بل سيكتفون بشراء الحلو لبيوتهم إن زارهم أحد".
ويوضح سرحان أن "الشوكولاتة كانت من أساسيات العيد ولكن الآن اختلف الوضع وأصبحت الناس تشتري الأشياء الضرورية، فهناك أمور أخرى أهم من الشوكولاتة ولم تعد الناس تطبق هذه العادة بسبب الظروف الاقتصادية وهي تتقلص مع كل عيد يمر في هذه الأحوال".
الأيام تزداد سوءاً
كامل حسين المعروف بـ "أبو رخوصة" في مخيم عين الحلوة، نسبة لرخص أسعار الزجاج وأثاث المنزل في محله، ما جعله لسنوات طويلة يسهر لمنتصف الليل قبل 15 يوماً من حلول العيد لبيع الزبائن في محله. أما اليوم ومع تدهور الأحوال الاقتصادية بالكاد يشتري منه زبونين أو ثلاثة في اليوم رغم حلول عيد الأضحى المبارك.
في حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" يقول حسين: "كنت أبيع القطعة بخمسمئة ليرة ولكن بسبب الأوضاع الاقتصادية فإننا جميعاً تضررنا. على سبيل المثال في السابق كنت أبيع دزينة كبايات الشراب كلها بـ 3 آلاف ليرة، فكان الشخص يأخذ ٤ أو ٥ هدايا في العيد لا تتخطى ٢٠ الف، أما الآن فالدزينة تصل إلى ٢٣ ألف كسعر جملتة عليي".
ويضيف: "كل يوم يمر هو أسوأ من ما قبله، فالدولار يرتفع بسعر جنوني، لذا يجب أن يذيعوا في الجوامع أن لا أحد يزور أحد فلا أحد".
من ناحيته، يعتبر فؤاد أبو جاموس صاحب محمصة لبيع المكسرات في مخيم عين الحلوة أن "كل شيء تغير مع بداية 2020، حيث كان يبيع قلوبات وكل أنواع الهدايا والشوكولاتة، أما الآن فالكيلو أصبح يتخطى الـ 100 ألف ليرة لبنانية، مما انعكس سلباً على حركة البيع، وقل الربح".
ويتابع: "في السابق كان الناس يشترون ٤ و٥ كيلو أما الآن اصبحت الشراءات بـ ٢٠ و ٣٠ ألف كونها متعبة جداً ولا تستطيع الشراء بهكذا مبالغ".
شاهد التقرير :