تعتبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" شاهداً وعموداً رئيسياً يتكئ عليه اللاجئ الفلسطيني منذ أكثر من 70 عاماً، وفي ظل سياسة إسرائيلية واضحة -للتخلص من حق اللاجئين الفلسطينيين- يبدو أنها تتكئ أيضاً على دول فاعلة في الأمم المتحدة، لا تنفك الوكالة تتعرض بين الحين والآخر لمحاولات تشويه في عملها واستهدافات تكررت كثيراً. آخر ما واجهته وكالة "أونروا" هو تقرير لمنظمة "مراقبة الأمم المتحدة" تقريراً ادّعى أنّ 22 موظفاً في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" يروّجون "للعنف والكراهية" من خلال صفحاتهم الشخصيّة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
هذه المنظّمة التي قالت عنها "أونروا" أنّها تمتلك تاريخاً طويلاً من تعويم مزاعم عارية عن الصحة وتُحرّكها دوافع سياسية، تزامن تحريضها مع حملةٍ "شعواء" يشنّها سفير الاحتلال الصهيوني لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة جلعاد إردان، ويحرّض خاصّةً على السلك التعليمي في الوكالة، إذ طالب في رسالةٍ وجّهها أوائل آب/ أغسطس الجاري إلى الأمين العام للأمم المتحدة بضرورة "تجميد تمويل منشآت وكالة الغوث في غزّة".
هذه المنظمة تحرّض دائماً ضد أونروا" لدوافع سياسية
يقول المستشار الإعلامي لوكالة "أونروا" عدنان أبو حسنة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ المنظمة التي أصدرت تقريرها مُؤخراً وحرّضت على الوكالة هي منظمة غير تابعة للأمم المتحدة، بل منظّمة خاصّة وتقوم دائماً بمُمارسة التحريض المُباشر على وكالة "أونروا" انطلاقاً من دوافع سياسيّة، وليس لأنّ هناك أشياء واقعة لدى الوكالة.
ويُؤكّد أبو حسنة لموقعنا أنّ هذه المنظمة تحدّثت عن مئات الموظفين في حملات التحريض، ولكن هذا غير صحيح على الإطلاق، والـ22 حالة التي قالت إنهم يروّجون للعنف والكراهية من خلال كتابات على "الفيسبوك" ووسائل التواصل الاجتماعي تم فتح تحقيق من جانب "أونروا" بذلك، وإذا وجدت الوكالة أنّه بالفعل هناك عمليات تحريض على الكراهية فستتخذ الإجراءات المُناسِبة.
ويُشدّد أبو حسنة، على أنّه عندما يكون لدى وكالة "أونروا" 28 ألف موظّف وموظّفة داخل أروقة مؤسّساتها المُختلفة والمنتشرة في مناطق العمليات الخمس، وفي المقابل تتحدّث منظمة "مراقبة الأمم المتحدة" عن أعداد بسيطة جداً من الموظفين "يقومون بالتحريض" مقارنةً بالعدد الكلي، أي أنّ لدينا أكثر من 99% من الموظفين يلتزمون بالحياديّة وقوانين الأمم المتحدة.
علامةُ استفهامٍ كبيرةٍ تبرز وسط كل هذا التحريض لدى أي متتبعٍ لمسار الاجتماعات والمناقشات الدوليّة المتعلّقة بالقضية الفلسطينيّة وقضية اللاجئين وما يُقال في أروقتها، أي لماذا الآن؟ وما تأثير هذا التحريض على الممولين للوكالة، خاصّة وأنّ "أونروا" تنوي عقد مؤتمرٍ وصفته في عدة المرّات بـ"الهام جداً" بشأن تمويل مشاريعها وخططها الاستراتيجيّة المستدامة في شهر تشرين الأول / أكتوبر المقبل.
الوكالة صريحة مع المانحين وتقدم تقارير دورية
وحول تأثير ذلك على المانحين أو على مؤتمر المانحين القادم، يُشير أبو حسنة إلى أنّ الوكالة أيضاً صريحة جداً مع كل المانحين والممولين وتقدّم تقارير دوريّة، وتم إرسال رسائل للمانحين بهذا الخصوص، و"أونروا" ترد على كل الادّعاءات وستواصل الرد والتحرّك لتوضيح موقفها لأنّها وكالة تحفظ السلم الإقليمي وهناك تفويض من الأمم المتحدة ودعم وتعاون دولي كبير للوكالة من أجل تطبيق تفويضها لخدمة اللاجئين الفلسطينيين في كافة المناطق إلى أن تُحل قضية اللجوء.
ويؤكد: لدينا رؤية صلبة في وكالة "أونروا" حول كل الإجراءات التي يتم اتخاذها.
وتتعرّض وكالة "أونروا" لهجمةٍ شرسة منذ سنوات عدة، تحت ذرائع وحججٍ كالانحياز ضدّ "إسرائيل" أو "عدم الحياد" في أداء عملها والتسبّب في استدامة "مشكلة اللاجئين".
ويرى نائب رئيس اتحاد الموظفين في وكالة "أونروا" بقطاع غزّة عبد العزيز أبو سويرح، أنّ هذا التحريض المُستمر على وكالة "أونروا" وهي الشاهد الوحيد على قضية اللجوء خطير للغاية ويُؤثّر بشكلٍ مباشر على المانحين.
ويلفت أبو سويرح إلى أنّ حملة التحريض على وكالة "أونروا" بدأت منذ عدّة سنوات وخاصّة من منظمة "مراقبة الأمم المتحدة" المدعومة من منظماتٍ يمينيّةٍ متطرّفة وتبحث على الدوام عن أيّة مُخالفات لوكالة "أونروا" وموظفيها حتى تضغط على المجتمع الدولي والمانحين بهذه المُخالفات، والتقرير الأخير الذي تحدّث عن مُخالفة مبدأ "الحياديّة" فيه الكثير من "التدليس" والمعلومات الخاطئة، حيث اتهم أشخاص لا يعملون أساساً في وكالة "أونروا".
وتساءل أبو سويرح خلال حديثه مع بوابة اللاجئين الفلسطينيين: لماذا يتم تضخيم هذا العدد من الموظفين "المُخالفين" في تقرير المنظمة؟ هذا كله من أجل تضخيم المشكلة أمام المجتمع الدولي، مُؤكداً أنّ الموظفين في "أونروا" يلتزمون بالقواعد والسلوكيات التي تفرضها الأمم المتحدة على كل موظفيها ولها علاقة بالحياديّة، مضيفاً أنّ الهدف واضح من هذه الحملة وهو الضغط على المانحين والدول المانحة لوقف تمويلها لوكالة "أونروا" أو على الأقل تخفيض التمويل بحجّة عدم "الحياديّة"، وللأسف من الممكن أن تتأثّر بعض الدول بهذا التحريض.
كل ما يُشاع في الإعلام حول فصل مدراء مدارس أو موظفين آخرين عارٍ عن الصحّة
وفي هذا الإطار، تولّدت تخوّفات لدى مئات الموظفين من أنّ وكالة "أونروا" قد تستجيب لكل هذه الضغوطات وتُقدم على فصل عدد من الموظفين لذات الحجج، فيما أكَّد مصدر خاص يعمل في وكالة الغوث لبوابة االلاجئين أنّ هناك فعلاً العديد من المراجعات الداخليّة التي تُجريها "أونروا" مع الموظفين، لكنّه شدّد على أنّ كل ما يُشاع في الإعلام حول فصل مدراء مدارس أو موظفين آخرين هو عارٍ عن الصحّة.
وبيّن المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لحساسيّة منصبه، أنّ هناك هجمة شرسة على وكالة "أونروا" من قِبل المنظمات الصهيونيّة الداعمة لـ"إسرائيل" وخاصّة بعد أن أقدمت إدارة الرئيس بايدن على إعادة التمويل المقطوع للوكالة، فجنّ جنونهم، لذلك علينا الحذر في كل خطوة أو كلمة أو الطريقة التي تتناول فيها وسائل الإعلام المختلفة هذه القضية.
"أونروا" اتّخذت مجموعة من إجراءات التوقيف بحق عدد من الموظفين استجابة للتحريض "الإسرائيلي"
لكنّ التجمّع الديمقراطي للعاملين في وكالة "أونروا" أصدر بياناً صباح الخميس 19 أغسطس/ آب، أدان فيه ما وصفه قيام إدارة "أونروا" بمُلاحقاتٍ وإجراءاتٍ بحق موظفيها على خلفية التعبير عن الرأي، وأنّه رصد مؤخراً تصاعد وتيرة ملاحقات إدارة "أونروا" لعدد من موظفيها في المناطق العاملة في داخل وخارج فلسطين على خلفية حريّة الرأي والتعبير.
وبيّن التجمّع في بيانه، أنّ الشؤون القانونيّة لوكالة "أونروا" اتّخذت مجموعة من إجراءات التوقيف بحق عدد من الموظفين استجابة للتحريض "الإسرائيلي"، مُعتبراً أنّ هذه الإجراءات "تجاوز خطير للأهداف التي من أجلها تأسّست أونروا، ومساس بالحقوق والحريات الديمقراطية وتكميم للأفواه، وهي بمثابة تساوق مع الاحتلال وعدوانه المستمر على شعبنا وحقوقه".
يُشار إلى أنّ هذا التحريض على "أونروا" ليس وليد شهر أغسطس، أو يوليو، بل حرّض وزير الخارجيّة الأمريكي أنتوني بلينكن في وقتٍ سابق ضد وكالة "أونروا"، مُتهماً إيّاها بنشر وترويج مواد تعليميّة "مُعادية للسامية"، وفي شهر نيسان/ أبريل اعتمد البرلمان الأوروبي قراراً يُدين الوكالة على خلفية كتبها المدرسيّة والمواد التعليميّة في سابقةٍ خطيرة، كما واصل معهد الأبحاث "الإسرائيلي" IMPACT-SE، تحريضه على المناهج الفلسطينيّة التي تعتمدها "أونروا" في مدارسها، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.