لطالما تربع ملف السلم الأمني والأهلي في المخيمات الفلسطينية في لبنان على أجندات المستويين الرسمي والفصائلي الفلسطينيين، في ظل صعوبات جمّة تكتنف الاحتفاظ بالأمن الداخلي للمخيمات وسط حالة الانقسام السياسي المستمرة منذ نحو خمسة عاماً بين الحركتين الأبرز على الساحة الفلسطينية فتح وحماس.
حوادث معينة وتصريحات من طرف أو آخر، هددت بين الفينة والأخرى حالة الهدوء السياسي والأمني، لكن سرعان ما كان صل القادة الفلسطينيون في لبنان إلى صيغة توافق وتآلف، لا بد منها في بلد حاضن محقون بالمشاحنات السياسية الداخلية أصلاً، والموقف من الوجود الفلسطيني فيه محل جدل وخلاف بين الأحزاب المتناحرة.
وما حدث مؤخراً، في مخيم برج الشمالي للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان من انفجار مستودع تابع لحركة حماس أدى لاستشهاد الفلسطيني حمزة شاهين، لحقه من حالة توتر في المخيم والمخيمات الفلسطينية عقب قيام عناصر من الأمن الوطني بحسب حركة حماس بإطلاق النار على المشيعيين ما أسفر عن سقوط 3 ضحايا فلسطينيين محسوبين على حماس... كل ذلك خلق حالة من التوتر الأمني والشحن المتبادل بين الحركتين (فتح وحماس) كاد أن يودي فعلاً بالوضع الأمني في مخيم برج الشمالي، وينتقل إلى مخيمات أخرى.
لكن، وعلى ما يبدو فإن القادة السياسيين للحركتين في لبنان أدركوا مدى خطورة اندلاع فتيل فتنة سياسية فلسطينية في بلد يتموضع هو بذاته على شفا الانهيار السياسي والاقتصادي.
وقد فعلوا خيراً بأن استطاعوا احتواء الموقف ومنع جر المخيمات الفلسطينية بلبنان إلى أتون نزاع لن يخدم مطلقاً سوى أعداء الشعب الفلسطيني.
فتح امتنعت عن التصريح فيما يتعلق بالانفجار ومتأكدة من عدم تورط الأمن الوطني بإطلاق النار
يقول المتحدث الإعلامي باسم حركة فتح في جنوب لبنان، محمد البقاعي: إنّ قيادة حركة فتح، قد أبدت حرصاً كبيراً على أمن واستقرار المخيمات، تمثلت بوقوفها إلى جانب الشعب الفسلطيني على أرض الحدث في مخيم برج الشمالي ليلة الانفجار، ومن ثمّ رفضها الدخول في التجاذبات السياسيّة وتبادل الاتهامات حول مسألة إطلاق النار، بحسب تعبيره.
ويضيف لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، أنّ فتح لعبت دوراً إيجابياً فيما يخصّ التنسيق مع القوى والفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى الامتناع عن التصريح فيما يتعلق بالانفجار، خاصة أنّه وقع في مكان خاص بحركة حماس، فيما كانت فتح أول المشاركين في التعزية والمشاركة في الجنازة.
ويتابع: "عقب ما جرى من إطلاق نار على المشيعين، أظهرنا قدراً كبيراً من المسؤولية، فرفضنا جرّ المخيمات الفلسطينية إلى أتون حرب فلسطينية فلسطينية، وخاطبنا أبناءنا بضرروة التمسك بالوحدة ومنع الفتنة، أو هدر أيّ دم فلسطيني".
يؤكد البقاعي أنّ قيادة حركة فتح، موقنة بأنّ عناصر قوى الأمن الوطني الفلسطيني ليس لها علاقة لا من قريب أو بعيد بحادث إطلاق النار علة المشيعين، وتنتظر تحقيقات الأجهزة الأمنيّة اللبنانية لكشف ملابسات الحادث.
ويشير البقاعي إلى أنّ أطرافاً فلسطينية خرجت بتصريحات حرضت على الفتنة وكادت أن تجرّ المخيمات إلى ما لا يحمد عقباه، إلا أنّ حركته لن تقبل اختطاف المخيمات أو جرّها إلى مربع الفتنة، إذ "إنّ حرصنا على المخيمات كحرصنا على قضيتنا وشعبنا" بحسب قوله.
حماس مؤمنة بالمسار القضائي اللبناني و "غلبت المصلحة العامة الوطنية"
من جهته عضو الدائرة السياسية لحركة حماس جهاد طه يقول: إن قيادة حركته وعلى الرغم من "الجريمة التي أعقبت حادث الانفجار بحقّ المشيعين"، قد تعاملت مع الأمر بكلّ مسؤولية، مغلبة المصلحة العامة الوطنيّة الفلسطينيّة، ومصلحة الشعب الفلسطيني داخل المخيمات والتجمعات، وأداً للفتنة ووأداً للاقتتال الداخلي.
يتحدث طه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين عن محاولات الحركة بأن يكون تشييع الفلسطيني "حمزة شاهين" – وهو من كوادرها قضى في الانفجار بمخبم برج الشمالي – جامعاً ووطنياً، وأن هدف الحركة من المشهد "بأن يبرهن على أنّ الشعب الفلسطيني ملتفٌ حول مشروع المقاومة، عقب المصاب الأليم الذي حلّ بها" حسب تعبيره.
يضيف القياديّ في حركة حماس، أنّ حركته مؤمنة بالمسار القضائيّ اللبناني، وهو الذي استلم ملف إطلاق النار، وفتح تحقيقاً فيه، وهي في انتظار أن يصل الأمر في نهايته إلى تقديم المجرمين الفاعلين إلى العدالة ومحاكمتهم، وإنزال أشدّ العقوبات في حقهم.
ويؤكد طه أن الدم الفلسطيني ليس دماً رخيصاً و"لن نقبل في أيّ لحظة من اللحظات من أن نستدرج إلى مربع الفتنة الداخليّة، وبناء على ذلك، خاطبنا كلّ الفصائل الوطنية والإسلامية وكلّ القوى والأحزاب اللبنانية لضرورة تحمّل مسؤولياتها من أجل كشف ملابسات هذه الجريمة".
وأشار إلى أنّ حركة حماس على تواصل مع الجهات اللبنانيّة الرسميّة والأمنيّة والوطنيّة من أجل مواجهة كلّ المشاريع التي تستهدف الساحتين اللبنانيّة والفلسطينيّة، وحمايتها من أيّ مشاريع مشبوهة تتسلل هنا وهناك من أجل العبث بأمنها واستقرارها، على حد قوله.
لعل حالة ضبط النفس هذه، هي الخيار الوحيد المطلوب لتجنيب اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية في لبنان مأساة أخرى، تكون أدواتها هذه المرة فلسطينية خالصة، إذ لا يحملُ الوضع الاقتصادي والمعيشي البائس الذي وصلوا إليه في الشهور الأخيرة، مزيداً من حالة الهدر والانهيار الذي قد تكبدهم اياه الفصائل المتناوعة سياسياً، في مشهد لن يخدم سوى الاحتلال الصهيوني ومشروعه المتمثل في منع صمود مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
الاحتلال الإسرائيلي المستفيد الأول من أي أجواء سلبية تصيب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
هذه النقطة يؤكد عليها، أمين سرّ الحقوقيين الفلسطينيين في لبنان، سهيل الناطور بالقول: إنّ "يّ أجواء سلبيّة تصيب مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يكون المستفيد الأول والنهائي من ذلك العدوّ الإسرائيلي.
يضيف الناطور لبوابة اللاجئين الفلسطينيين:إنّ استفادة العدوّ الإسرائيليّ من ذلك، تكون على شاكلة أنّ خسائر الأحداث الأمنية ستكون فلسطينية بامتياز، وأنّها ستؤثر بشكل مباشر على علاقاته الداخليّة، ما سيجعل من حياة اللاجئين الفلسطينيين جحيمًا.
يرى الناطور أيضاً أنّ أيّ توتر أمني في المخيمات سيؤثر بشكل كبير على البلد المضيف، وبدل من أن تتطور العلاقات، ستنعكس سلباً، ليس فقط على اللاجئين بل كذلك على لبنان، الذي لا يستطيع تحمّل أيّ عبء إضافي في ظلّ الأوضاع التي يمرّ بها، من أمراض وفقر وانهيار مالي.
ويتابع الحقوقي الفلسطيني: أن ثاني المستفيدين، هم حلفاء إسرائيل الذين لا يريدون للاجئين الفلسطينيين أن يبقوا أحد العناوين الرئيسية للقضيّة الفلسطينية – حيث هناك دول تريد أن تتخلى عن التزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني- ومنهم الأمريكيون الذين يمارسون ضغوطًا على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" لنزع الشرعيّة عنها، والضغط عليها مالياً لوقف عملها وإنهاء دورها، لإنهاء حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
ويرى الناطور أن تجنب الأزمات يحصل عبر توحيد الموقف الفلسطيني بالمفهوم السياسي، بكلّ أطيافه المشاركة، فالفلسطينيون مستهدفون جميعًا دون تفرقة، وبذلك تكون الخطى المشتركة سبباً في حماية المخيمات سواء على الصعيد الأمني والاقتصادي، السياسي أو الاجتماعي.
ويضيف: إن هذا الأمر برز، في الحدث الأخير في مخيم برج الشمالي، فعلى الرغم من التصريحات والانفعالات التي خرجت في بداية الحدث، جراء المواقف المتناقضة، إلّا أنّ العقلاء تداركوا الموقف.
ويعتبر الناطور أن الفلسطينيين في لبنان يمكنهم تجاوز الأزمات الأمنيّة عبر تقديم نموذج حضاري في العلاقة بالجوار، "بأن لا ننقل الخلافات فيما بيننا للخارج، هذا الخطّ كان متبعًا من قبل كلّ الفصائل والقيادات والمؤسسات الفلسطينيّة، ويظهر أنّ القيادة متماسكة، ولكن يجب استكمالها وعدم توقفها عند نقطة هنا أو هناك."