مئات من البيوت المصنوعة من الطوب الاسمنتي، مسقفة بألواح الزينكو، تتموضع شمال غربي المملكة الأردنية، بعيدة فقط بضع كيلو مترات عن آثار مدينة جرش الأردنية الرومانية، تشكل مع سكانها مخيم جرش للاجئين الفلسطينيين.
يقطن في مخيم جرش البالغة مساحته، 850 دونماً، أي أقلّ من كيلو متر مربع واحد، ما بين 40 إلى 50 ألف لاجئ فلسطيني، وفق إحصائيات أهلية.
وكالة أونروا من جهتها تتحدث عن إحصائيات أقل ّمن ذلك بكثير وتقول: إنّ الأعداد المسجلة لديها تبلغ 24 ألف لاجئ.
يطلق على المخيم، لقب "مخيم غزة"، والسبب في ذلك، أنّ غالبية سكان المخيم هم من الذين هاجروا قطاع غزة عام 1967، ولجؤوا إلى الأردن وتحديدًا منطقة جرش الأردنية، فيما كان عددهم حينها 11 ألف لاجئ فلسطيني.
عُمُر المخيم من عُمرِ سكانه
خليل محمد أبو راشد أحد سكان المخيم، لجأ إلى الأردن بعد أن غزت العصابات الصهيونية بلدته بئر السبع.
عمر أبو راشد من عمر المخيم، البالغ 72 عامًا، يتحدث واصفًا مخيمه، بالصغير والفقير للغاية.
يستذكر أبور راشد مراحل تطور مخيم جرش: "بدأ المخيم، عبارة عن مجموعة خيم متناثرة، ما لبثت أن تطورت إلى بيوت من الإسبست، ومع تقدم الزمن انعدمت البيوت تلك لتتحول إلى غرف من الطوب غير منظمة، فيما لا تزيد سعة المنزل عن غرفتين ومطبخ".
علاقة المخيم بجواره
يقول محمد جعفر، وهو أحد وجهاء مخيم جرش: إنّ سكان المخيم هم من عدّة مدن وبلدات فلسطينية، لجؤوا إلى الأراضي الأردنية بسبب تداعيات نكسة حزيران عام 1967، ولا تزال العائلات منذ اللجوء وحتى اليوم في المخيم.
وتابع: "يقطن غالبية أهالي جرش، أرض المخيم أو أطرافه، الذين قد يصل عددهم - أي سكان جوار المخيم من الفلسطينيين - الـ 20 ألفًا".
وأوضح جعفر، أنّ "العلاقات بين المخيم وجيرانه من الأردنيين، مبنية على الاحترام المتبادل والقانون هو سيّد الموقف، وعلى الجميع على حدّ سواء".
أوضاع معيشية صعبة
يعلق الناشط بالعمل الخيري والإنساني، محمد أحمد القيّم، حول الأوضاع الاقتصادية لسكان مخيم جرش، فيصف الوضع بالبائس للغاية.
يضيف القيم: إنّ العمل في مؤسسات الدولة الأردنية ممنوعة على أبناء مخيم جرش، وبالتالي فإنّ غالبية سكان المخيم، يعتمدون للحصول على قوت رزقهم على الأعمال الخاصة، مثل المهن الصناعية أو الزراعية منها، ونسب قليلة منهم من يعمل في مؤسسات خاصة، أو لدى مؤسسات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا".
ولأن عدد سكان المخيم كبير، فإنّ البطالة منتشرة بين أبنائه، ومن أسباب ذلك، الركود الاقتصادي الحاصل في المملكة الأردنية، وأنّ أولوية العمل هي للأردنيين، مع وجود منافسة من العمالة الأجنبية كذلك، فيما السبب الثاني، هو ارتفاع عدد أفراد الأسرة الأردنية الواحدة ليصل متوسطه إلى 7 – 8 أفراد، فيما قد يبلغ كذلك الـ 13 فردًا، فيما لا يعمل لدى هذه الأسرة سوى شخص أو شخصين لا أكثر، بحسب القيّم.
بسبب ارتفاع نسب البطالة بين أهالي المخيم، فإنّ معدلات الفقر كذلك مرتفعة، إذ إنّ مصدر دخل الأسرة الواحدة يكون بالاعتماد على فرد واحد من أفراد الأسرة، فيما تلك الأسرة بحاجة إلى شخصين على الأقل، وسط تدني في الرواتب، إذ يتقاضى غالبية سكان المخيم أجورًا متوسطة أو ما دون المتوسطة، والقليل منهم من يتلقى راتبًا جيدًا.
بدون رقم وطني
يعلّق محمد جعفر، على ذلك، بالقول: إنّ اللاجئين الفلسطينيين، يمتهنون جميع المهن، فمنهم الطبيب والمهندس والمدرس والعامل، إلّا أنّ معظم هذه المهن ممنوعة ومغلقة على أبناء المخيم، كونهم لا يحملون رقمًا وطنيًا.
يضيف جعفر بأن "امتناع الأردن عن إعطاء بعض اللاجئين الفلسطينيين للرقم الوطني، يعود لأسباب سياسية، وفكّ الإرتباط ما بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1988، أي زمن رئاسة الراحل ياسر عرفات".
العائلة الواحدة تضمّ عدّة عائلات
وفيما يخصّ ارتفاع نسب سكان المخيم، في ظلّ حياة لا تتجاوز الكيلو متر الواحد، يقول الناشط محمد القيم: إنه "يعيش ضمن الـ 100 متر مربع الواحد، في كثير من الأحيان أكثر من عائلة، إذ يتزوج الأبناء ويعيشون مع أهلهم داخل منزل العائلة، هذا الأمر يسبب مشاكل عدة، عائلية وعشائرية، وعلى صعيد التعليم والصحة، كلّ هذا يتبع ضيق المكان وتأثيراته على الوضع المالي والسكاني والسلوكي".
يتابع القيم: "الحكومة الأردنية من جهتها كانت تقدّم أحياناً بعض التسهيلات، فتتقدّم خطوة إلى الأمام لتعود لاحقًا وتتراجع خطوتين إلى الوراء، ما يعكس غياب الثوابت في التعامل الحكومي مع خدمات المخيم واحتياجاته، أما عن خدمات وكالة الغوث فهي تتراجع بشكل تدريجي ملحوظ".
ويضيف أن القطاع الخاص، لا يقدّم شيئاً للمخيم إلا بما ندر، والمؤسسات الخيرية والدول الداعمة، تكاد تكون محدودة وغير متناسبة مع احتياجات المخيم".
أمّا فيما يتعلق بمشاكل المخيم، وما يعانيه سكانه:
1- الإثباتات الشخصية:
قدمت الحكومة الأردنية، مؤخرًا بعض التسهيلات، لاستحصال أهالي مخيم جرش عليها، إلّا أنّ لها إجراءات حكومية معقدة للغاية.
2- جواز السفر:
رسوم جواز السفر، يكلّف الأردنيين الـ 20 دينارًا، أما أبناء مخيم جرش، فالرسوم تتجاوز الـ 200 دينار، ما يبرز تضييقًا على اللاجئين. هذا المبلغ يعني حاجة اللاجئ الفلسطيني، إلى راتب شهر كامل كي يحصل على جواز سفر مؤقت، وسط أحوال مادية صعبة.
3- تصريح عمل:
أقرّت السلطات الأردنية، على حاجة اللاجئين من أبناء مخيم جرش، الاستحصال على تصريح عمل من أجل السماح لهم بالعمل، وإلّا فإنّ المؤسسة التي تقوم بتعيينه سوف تعاقب. وبذلك ألزمت كثر من المؤسسات موظفيها من أبناء المخيم، الحصول على جواز سفر أو تهديدهم بالاستغناء عن خدماتهم.
ساهمت الحراكات في صفوف اللاجئين، إلى إلغاء الحكومة الأردنية لذلك القرار، لكنّها وضعت شرطًا عوّضت ذاك التخلي، وهو أن يكون جواز السفر هو الوثيقة الرئيسية للحصول على تصريح العمل، وبذلك أصبح اللاجئ ملزمًا أن يجدد جواز سفره، كل سنتين أو خمس، وذلك وفقًا للرسوم التي يدفعها، من أجل الحصول على تصريح عمل. ما يعني أن يكلّف اللاجئ دفوعات تصل إلى 300 دينار بين رسوم تجديد ومعاملات إدارية.
4- مشكلة النظافة:
عدد سكان المخيم الكبير، يقابله عدد عمال نظافة قليل جدًا، وهي مسألة تشرف عليها وكالة الغوث الدولية، إلّا أنّ خدمات الوكالة سيئة جدًا في هذا القطاع خاصة في فصل الصيف، وظاهرة انتشار النفايات متفشية في طرقات المخيم، ما ينعكس سلبًا على الوضع الصحي والنفسي لسكان المخيم.
5- الوضع الصحي:
يتواجد في المخيم عيادات في المخيم، تتبع وكالة أونروا، هي صغيرة ومحدودة، وتستقبل أعدادًا محدودة جدًا من المرضى. فيما يتواجد كذلك عيادات خاصة، ولكنها بحاجة لدعم مادي كبير.
القطاع الحكومي الطبي الأردني، مكلف للغاية للاجئين الفلسطينيين من أبناء المخيم، على عكس الأردنيين، إذ إنّ الخدمات شبه مجانية لهم. وعلى سبيل المثال؛ قد تكلّف الولادة الطبيعية لسكان المخيم 120 دينارًا في المستشفيات الحكومية، فيما لا تكلّف الأردني سوى القليل القليل، أما في المستشفيات الخاصة فقد تكلّفه 600 دينار، ما يعني تكاليف راتب 3 أشهر تقريبًا.
6- قضية التملك:
لصغر مساحة المخيم، لجأ بعض سكانه للسكن خارجه، لكنّ الحكومة تضع شروطًا صعبة للغاية ومعقدة للتملك، وعليه يعمد اللاجئون إلى تسجيل منازلهم بأسماء زوجاتهم إن كانت تحمل الرقم الوطني أو بأسماء أصدقائهم الثقاة منهم، ولكنّ ذلك يسبب عددًا من المشاكل خاصة في حال الوفاة ومسائل الميراث وغيرها.
حاجيات المخيم عديدة
هذا وأشار خليل أبو راشد، إلى أنّ المخيم بحاجة إلى مساعدات عديدة ومتنوعة، بسبب تدهور أوضاع أبنائه، وحدّد إيّاها، بين "المواد العينية، والنقدية، ومساعدات فيما يخصّ الرعاية الصحيّة والعمليات المستعصية".
وتابع: "كذلك بعض بيوت المخيم بحاجة إلى ترميم وصيانة، وعمال خدمات ونظافة، وللأسف المخيم فقير ومعدوم مثله مثل باقي المخيمات الفلسطينية بل أشد سوءًا".