تطرقت صحيفة “روسيسكايا غازيتا” إلى التحولات التي تطرأ في الآونة الأخيرة على الأمين العام لحلف الناتو، مذكِّرة بأنه كان من أشد المتحمسين لمعاقبة روسيا.
جاء في مقال الصحيفة:
تطرأ في الآونة الأخيرة على الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتينبيرغ تحولات هائلة. فمن أحد أكثر المتحمسين لفكرة معاقبة روسيا بسبب عقوقها، بدأ يتحول إلى أمين عام محب للسلام، يناقش علنا ضرورة إقامة تعاون بناء مع موسكو. ولهذا التطور الحثيث يوجد تفسير منطقي.
ففي يوم 22 أغسطس/آب الجاري، أثار رئيس وزراء التشيك بوغوسلاف سوبوتكا ضجة كبيرة بين النخبة السياسية في أوروبا، عندما أعلن خلال اجتماع سفراء ورؤساء الممثليات الدبلوماسية في براغ عن ضرورة إنشاء قوات مسلحة أوروبية لحماية الحدود الخارجية للاتحاد، “لأننا على المدى البعيد لن نتمكن من الاستغناء عن الجيش الأوروبي”؛ مشيرا بصورة خاصة إلى توقعه تقدما ملموسا في هذا المجال خلال الخريف المقبل، بما في ذلك اتخاذ دول الاتحاد قرارا مناسبا في هذا الشأن.
ويعدُّ سوبوتكا أول زعيم أوروبي يدعم رئيس المفوضية الأوروبية جان– كلود يونكر، الذي سبق أن أعلن عن ضرورة إنشاء جيش أوروبي ليس لغرض الهجوم، بل لمساعدة الاتحاد الأوروبي في تنفيذ مهماته العالمية، حين قال: “نحن بحاجة إلى سياسة خارجية أوروبية عامة، سياسة أمنية ودفاعية عامة لأوروبا بهدف إنشاء جيش أوروبي موحد، لنتمكن من القيام بدورنا في العالم”.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ستولتينبيرغ بالذات انتقد مرارا الأفكار المماثلة لساسة أوروبا، حيث أعلن بوضوح أن الناتو يعارض ازدواجية البنى الدفاعية للاتحاد الأوروبي والحلف. وإن انزعاج ستولتينبيرغ من فكرة إنشاء جيش أوروبي موحد ليس عفويا. لأنه إذا ما تم فعلا إنشاء هذا الجيش فسيطرح السؤال نفسه، ما حاجة أوروبا إلى الناتو؟
وشيء آخر: تزداد شعبية فكرة إنشاء جيش أوروبي موحد في العواصم الأوروبية. والحديث يدور ليس فقط عن الرغبة في الاحتفاظ بالمليارات المخصصة للنفقات الدفاعية. إذ لم يعد بإمكان الأوروبيين كتم غضبهم من أن الولايات المتحدة تستخدم الناتو على المكشوف كقيود لأوروبا. فما أن يبادر أحد في أوروبا إلى الحديث عن أي شيء لا يعجب البيت الأبيض، حتى تبدأ واشنطن بتذكير الأوروبيين بمن هو السيد الفعلي في أوروبا، لافتة إلى قواعد الناتو المنتشرة فيها، التي هي عمليا قواعد عسكرية أمريكية. كما تذكرهم بالأسلحة النووية الأمريكية المنتشرة في بلدان الاتحاد الأوروبي لحماية “الحلفاء في الناتو”.
ولكن، هل أوروبا بحاجة إلى هذه “المظلة النووية” الأمريكية؟ إن الحديث عن إنشاء جيش أوروبي موحد، يشير إلى أن الأوروبيين يجيبون على هذا السؤال سلبا. وهذا ما تدركه واشنطن، ويدركونه كذلك في مقر الناتو في بروكسل.
كما يجب ألا ننسى التصريحات العدوانية للناتو ضد روسيا. ولكنَّ قلة قليلة من الناس في أوروبا ترغب في محاربة روسيا، لأن العديد من الأوروبيين يتذكرون جيدا من تاريخهم إلامَ تؤدي هذه الحروب في كل مرة. أما الأمريكيون فقد تعودوا على استخدام أراضي الغير كمسرح للعمليات الحربية، وما عليهم سوى قصفها والعودة إلى ديارهم، وعلى أوروبا تحمل النفقات.
ويبدو أن ستولتينبيرغ ليس سياسيا غبيا، فقد أثبت مرات عديدة أن باستطاعته تحوير تصريحاته بسرعة. ومن الواضح أن الوقت قد حان له لكي يثبت من جديد مهارته في التحول من ذئب هائج إلى حمل وديع.
فقد صرح لموقع “Onet” الإلكتروني البولندي بأن “هدف استراتيجيتنا الدفاعية ليس إثارة النزاع مع روسيا. ونحن سنبذل الجهود لاحقا من أجل إقامة علاقات تعاون بناءة معها”. وبحسب رأيه، ليس بين الدفاع القوي والحوار السياسي أي تعارض، لأنهما يكملان بعضهما بعضا.
أما بالنسبة إلى مجلس روسيا–الناتو، فقال: “نحن منفتحون لحوار محدد مع روسيا على مراحل، لتجنب عدم الفهم وزيادة الشفافية والقدرة على توقع الإجراءات. كما أن هناك خط الاتصال العسكري، وهذه القنوات سوف نستخدمها لطرح المسائل الملحة بالنسبة لنا كافة”.
ولكن هل سيثقون في العواصم الأوروبية بصدق الأمين العام للناتو، وخاصة أنهم لا يعانون من فقدان الذاكرة ويذكرون جيدا كيف هدد ستولتينبيرغ باسم الناتو قبل بضعة أشهر بمعاقبة روسيا؟ بمعنى آخر ليست أوروبا بحاجة إلى مثل هذا الأمين العام العدواني. ولا يستبعد أن يكون ستولتينبيرغ قد أدرك ولو بصورة متأخرة جدا أن الولايات المتحدة ليست كل الناتو. (روسيا اليوم)
صحيفة رأي اليوم