74 عاماً منذ حدوث النكبة الفلسطينية، شكلت خلالها المرأة في فلسطين وثم دول اللجوء جزءاً مهماً من اللوحة النضالية بكافة أشكالها.

وفيما استشهدت واعتقلت ولوحقت وتعرضت للعنف وكانت أم وابنة وأخت وزوجة الأسير والشهيد والمصاب والملاحق في فلسطين، كانت في دول اللجوء خارج البلاد تواجه تحديات مضاعفة، ورغم كل مآسي ما يتعرض له المشردون من أوطانهم وضعت نساء فلسطينيات  في الشتات بصماتهن في صفحة النضال الفلسطيني فكانت هناك الأسيرات والشهيدات والمدافعات بقوة عن الحق الفلسطيني.

بعد أكثر من سبعة عقود على نكبة هذه المارأة التي شهدت مجازر وحروب واستهداف في لبنان جعلها تعيش النكبة مرات متتالية، ما تزال تواجه تحديات أخرى في هذا البلد ليس أبرزها الأوضاع الاقتصادية فهن لعبن دوراً مؤثراً وفاعلاً في مخيمات اللجوء، ويشهد حضورهن تقدماً ملحوظاً في ميدان العمل لمشاركة الرجل الأعباء اليومية والتفكير في بدائل تيسر الأحوال الاجتماعية.

إلا أن حضورهن في مراكز صنع القرار لا يعبر عن حجم دورهن الحقيقي، وهي واحدة من تحديات عدة تحيط بالمرأة الفلسطينية في لبنان وتعيق عملية تطويرها الاجتماعي والنفسي والثقافي.

تنميط المرأة في إطار متخلف رغم تقدمها في المجال العام

"عندما تتجرأ الفتاة بالحديث عن مشكلة اجتماعية سائدة في المجتمع أو تنتقد عمل ما حتى لو كان النقد بناءً، يتم الهجوم عليها بمجرد أنها إمرأة". تجربة عاشتها الناشطة الفلسطينية، ومديرة "مركز نون" في تجمع المعشوق جنوب لبنان، نزهة الروبي.

تقول الروبي لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "الهجوم على المرأة يختلف عن الشاب، مثلا يعلق المهاجمون عن الأمور الشخصية الخاصة بك أكثر من الانتقاد الذي قيل. وهذه مشكلة كبيرة ولو المسألة مشتركة بين الرجل والمرأة فهو أمر عادي، لكن يتم التعامل بشكل جندري وعنصري، فالمرأة الفلسطينية بمجرد أن تكون ناشطة يضعون لها صعوبات أكثر من الشاب ويعتبرونها حلقة أضعف".

المرأة الفلسطينية في لبنان لا تمارس دوراً سياسياً

وتضيف: "واجهت هذه المشكلة كثيراً فانا من عائلة محافظة جداً، ولا زالت هكذا لكن بيدي غيرت واقعي.  حين تعملين مع هذا المجتمع وتطرحي نفسك بطريقة معينة هذا يساهم في تخفيف النظرة النمطية باتجاهك".

التحدي اللافت بالنسبة للروبي هو أن "المرأة الفلسطينية في لبنان لا تتمتع بدور في الوسط السياسي، وإن وجد فتنفيذه المهني ضئيل جداً".

وتوضح: "ذات مرة تواصلت مع إحدى اللجان الشعبية وسألت هل هناك إمرأة ضمن اللجنة، وقد تم التأكيد على وجودها. سألت عن دورها فكان الرد أنه اجتماعي إن حصل خلاف عائلي بين رجل وزوجته في المخيم ممكن أن تتدخل لتصلح بينهما. أما اجتماعياً فالذي تفعله المرأة الفلسطينية التي تعيش خارج المخيم أكثر بكثير من الذي تفعله المرأة داخل المخيم، والسبب هو بالتأكيد العادات والتقاليد ونظرة المجتمع الذكوري السلطوي".

على الصعيد الاقتصادي، ترى الروبي أن "المرأة الفلسطينية لا تتأثر بالتحديات الاقتصادية الراهنة، بالعكس تحسن دورها كثيراً فهي استطاعت أن تنخرط في ميدان العمل، خاصة مهنة بيع الملابس أونلاين، قامت بتفعيلها بشكل كبير داخل المخيمات بسبب الوضع الاقتصادي".

وتدعو "كل فتاة لأن تتخذ قرار خوض غمار العمل بأقرب وقت، لأن اليوم المرأة المنتجة هي فتاة مستقلة تستطيع تقديم الكثير في منزلها ولعائلتها، وهي مساهمة ومنتجة وهذا يعطيها ثقة زائدة بينها وبين أهلها".

التحدي الأكبر بالنسبة للمعلمة الفلسطينية مهى مرة يختلف عن الناشطة الروبي، فهي تراه في "ظاهرة الزواج غير المدروس وهو الذي يؤدي إلى الطلاق غالباً ولدينا حالات كثيرة منها في المخيمات في لبنان".

وتضيف لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "المرأة التي لديها أطفال تعاني كثيراً في المحاكم في ما يتعلق بحضانة أولادها بينها وبين طليقها، بالتالي هذا يؤثر بشكل كبير على نفسية الأطفال بالدرجة الأولى، ولدينا نماذج كثيرة منها في روضات الأطفال في المخيمات".

تحديات اقتصادية

الأمر يختلف بالنسبة للمعلمة وفاء الحاج، فهي ترى أن "أبرز ما تعانيه المرأة الفلسطينية هو الوضع الاقتصادي الراهن حالياً، وتداعياته كالغلاء الفادح وقطع التيار الكهربائي والعيش في ظلام دامس، إضافة لغلاء الطبابة والدواء، بالتالي هذه الظروف  تشكل أعباءً كبيرة عليها لناحية التفكير في سبل تدبير المنزل وتيسيير الحال".

الشكاوى ذاتها عبرت عنها اللاجئة الفلسطينية بدرية عوض لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، قائلة: "العيشة عنا بالمخيم يرثى لها، لا كهرباء ولا مياه وثمن اشتراك الكهرباء قيمته كبيرة جداً، ومع التقنين والغلاء الفادح وقلة فرص العمل، بتنا نختصر من قوت يومنا كي نيسر حالنا، فالمصروف بات أكبر من ثمن مدخولنا".

وتطالب عوض "باسم الفلسطينين جميعاً، والفلسطينيات بخاصة، نريد من يلتفت لنا ولمخيماتنا. نريد من المعنيين والمؤسسات أن تدعمنا وتؤمن احتياجاتنا، فأبسط أنواع الطعام أصبحت تكلف مالاً كثيراً، حتى الخضروات واللحم والسمك والدجاج انحرمنا منهم".

بعد أن كانت المناضلة .. صارت تواجه العنف الأسري

في عقود سابقة خرجت من المخيمات الفلسطينية في لبنان نساء سجلن اسماءهن بجدارة في قوائم الأبطال كالشهيدة دلال المغربي والأسيرة المحررة كفاح عفيفي، ولكن للأسف تغيرت الحال اليوم مع ما أفرزه تهميش المخيمات من قبل السلطة الفلسطينية و ضغط القوانين اللبنانية المجحفة الممارسة على اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد، وصارت تحديات اللاجئة الفلسطينية ليست سياسية فقط أو معيشية بل اجتماعية .

"تحديات عدة تواجهها المرأة الفلسطينية في مخيمات لبنان تعيق حركتها وتطلعاتها وانخراطها في المجتمع النسوي"، تقول عضو اللجنة الأهلية في مخيم مارالياس، غادة عثمان ضاهر، لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، "فالمرأة الفلسطينية التي تعيش في المخيم تعتبر من بيئة مختلفة بحسب تفكير الرجل وعقليته المعقدة. كما هناك نساء معنفات كثيراً ومقموعات ومبعدات عن الساحة الاجتماعية في المخيمات".

مشاركتهن السياسية صارت محدودة حتى في المظاهرات

وتتابع ضاهر: "على سبيل المثال في مخيم مار الياس حين يكون هناك مظاهرات أو اعتصامات نادراً ما تشارك  النساء، وإن وجدت تكون المشاركة خجولة. أما باقي المخيمات في المرحلة الراهنة أصبحنا نرى نساء تنخرط في المجتمع الفلسطيني في ميدان المخيمات لأن الحاجة أصبحت ملحة لأن يكون هناك دور فعال للمرأة، ولكن يجب أن يكون العدد اكثر، فالمرأة لا ينقصها شيء فهي تقدر على ما يقدر عليه الرجل".

اليوم، استشهدت الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة وهي تنقل جرائم الاحتلال للعالم بعد نحو 25 عاماً من عمل دؤوب ومتواصل قضتها في إيصال صوت الحق الفلسطيني وتعرية جرائم الاحتلال، وشيرين حفيدة وابنة وأخت  نساء فلسطينيات على امتداد فلسطين ودول اللجوء يمتلكن كفاءات عالية جداً وأثبتن جدارتهن وقدرتهن على المواجهة والصبر، ومنهن لاجئات فلسطينيات في لبنان وغيرها من دول الشتات، فمن المسؤول عن تحجيم دور المرأة في مخيمات الفلسطينيين بلبنان؟

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد