تعتبر مسألة الحفاظ على المخيّمات الفلسطينيّة هامة للغاية، خاصّة لتعزيز صمود اللاجئين فيها كأحد أشكال المقاومة الأساسية، لا سيما وأنّ هذه المُخيّمات تعتبر شاهداً رئيسياً على نكبة الشعب الفلسطيني التي تعرّض لها على يد العصابات الصهيونيّة في العام 1948.
لاجئون فلسطينيون يستذكرون في تقريرٍ أعدّه "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، مرحلة تأسيس المُخيّمات الفلسطينيّة التي أنشئت إبان نكبة عام 48 لإيواء اللاجئين فيها إلى حين العودة إلى بلداتهم وقراهم التي هجّروا منها بقوّة السلاح.
يقول اللاجئ الفلسطيني من قرية المغار المهجرة محمد حمد: لقد لجأنا إلى قطاع غزة، وحينها العائلة الوحيدة التي استقبلتنا هي عائلة المصدَّر، ففتحوا لنا بيوتهم ووفروا لنا الطعام والماء.
من قرى المجدل والمغار وزرنوقة وبشيت وعاقر في الجنوب الفلسطيني قدِم اللاجئون إلى قطاع غزة
ويذكر اللاجئ الفلسطينيي الذي هجر قريته طفلاً صغيراً أنّ مُخيّمي البريج والمغازي في مدينة غزة كانا عبارة عن معسكرات للجيش البريطاني، وكان فيهما مجموعة من الأكشاك العائدة إلى أيام الاحتلال البريطاني لفلسطين، وفي حينه رحّب بهم أصحاب الأرض وفتحوا لهم الأكشاك ليسكنوا فيها، خاصّة في وقت لم يملك فيه اللاجئون الفلسطينيون شيئاً في ذلك الوقت إبان النكبة.
من قرى المجدل والمغار وزرنوقة وبشيت وعاقر،وغيرها في الجنوب الفلسطيني قدِم اللاجئون إلى مُخيّمات المحافظة الوسطى في قطاع غزّة، وجاءت الأمم المتحدة وبدأت بتوزيع مساعدات مثل الخيم والبطانيات والمواد الغذائية، ومن ثم بدأت بتوظيف الناس من أجل العمل، فمثلاً كانوا يعملون في مشروع بسيناء المصرية من أجل كسب المال ليعمروا بيوتاً يقطنوها في المخيمات.
أمّا اللاجئة الفلسطينيّة من بئر السبع فاطمة أبو معيلق والبالغة من العمر 76 عاماً وتقطن حالياً في مُخيّم المغازي، قالت إنّ بعض اللاجئين قدموا إلى أقربائهم في قطاع غزّة مثل حالتها، ومنهم من ذهب إلى مصر.
مخيم المغازي كان في بدايته عبارة عن أكشاك منذ أيام الاحتلال البريطاني
وتلفت أبو معيلق إلى أنّ اللاجئين في بداية قدومهم إلى القطاع لجؤوا للعيش عند أقربائهم، ومنهم قسم آخر بنى له مساكن تحت الشجر وهنا وهناك إلى أنّ تم تأسيس المُخيّمات لإيوائهم. عندما انتقلت فاطمة إلى مُخيّم المغازي كان مبنياً من الأكشاك المرتبة بطريقةٍ معينة، إذ كانت تُبنى أربعة غرف مقابل أربعة غرف، مُشيرةً إلى أنّ أغلب سكّان المُخيّم لجؤوا من قرى ومدن برير والمجدل واسدود، وفي وقتٍ لاحق من بئر السبع.
وفي هذا الإطار، يقول يونس أبو شوارب، وهو لاجئ فلسطيني من قرية ياصور قضاء يافا إلى مُخيّم المغازي: إنّ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" جلبت اللاجئين إلى المُخيّمات حيث كانت معسكرات انجليزية في السابق، وتم توزيع اللاجئين على الخيام، ومن ثم على بيوتٍ من الأسبست والقرميد والزفتة والجريد، فيما استذكر أبو شوارب شكل هذه الخيام والبيوت قائلاً: كان لونها أسود، أتذكره جيداً عندما كنت صغيراً، البيوت كانت قديمة جداً ورديئة وفي وقتٍ لاحق أصبح اللاجئ يعمّر بيته بيده إلى وصلنا إلى الوضع الحالي.
مخيمات ما تزال تعاني التهميش
وفي وقتٍ سابق، أكَّد رئيس مركز دراسات اللاجئين الفلسطينيين كمال الكحلوت في مقابلةٍ مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" على ضرورة "أن ننتبه إلى تعزيز المخيمات جعلها بيئة جاذبة وبيئة يستقر فيها أبناؤها".
وبحسب الكحلوت من مخيّم جباليا شمال قطاع غزّة، فإنّ المخيم لازال يعاني من التهميش، ويُعاني من الفقر وضعف الخدمات الصحية والبنية التحتية، وكلها عوامل تؤدي إلى خروج اللاجئين منه نتيجة الضغوط النفسيّة.
ووضعنا الكحلوت في صورة بداية نشأة المخيمات وتوسعها، منذ أنّ هُجّر 57% من تعداد السكان الفلسطينيين إبان النكبة، أي حوالي 850 ألف فلسطيني، وتضخّم عددهم إلى أكثر من 9 ملايين لاجئ في فلسطين والشتات، حيث أوضح أنّ أغلب اللاجئين في قطاع غزّة، قدموا من مناطق يافا إلى الجنوب، وبشكل أساسي يافا اسدود مناطق عسقلان بشكل خاص، ومحيط بئر السبع، ووضِعت لهم خيام ليسكنوا فيها بداية، في وقت لم تكن وكالة "أونروا" قد تشكلّت بعد، حينها كانت الظروف الصحية والبيئية في تلك الخيام قاسية للغاية واستمرت حتى الخمسينيات من القرن الماضي ولم يتحقق حلم العودة طبقاً لقرارات الأمم المتحدة التي لم تنفذ.
ويقول كحلوت لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ عملية تحسين ظروف اللاجئين بدأت، من خلال إقامة أكواخ، وبعد ذلك انتقلوا للمباني الثابتة. ويشير من موقع معايشته لمخيّم جباليا في مرحلة بداياته، إلى أنّ المخيّمات لم تكن تلبي الاحتياجات الإنسانية الخاصة باللاجئين، والتي اعتادوا عليها كمواطنين يعيشون في قراهم ومنازلهم ومستقرون في أراضيهم قبل النكبة، ولكن حاولوا تحسين ظروفهم بجهودهم الذاتية.
ويعتبر رئيس مركز دراسات اللاجئين الفلسطينيين، أنّ "وكالة "أونروا" ساهمت إلى حد ما في تحسين المخيّمات، ولكن عملياً الوكالة لم تغطي كافة الاحتياجات الإنسانية للاجئين، وفق قوله.
وتحدث الكحلوت، عن توزيع اللاجئين في قطاع غزّة إلى ثماني مخيّمات، حيث كان التوزيع فيه شيء من العشوائية، لكن مع شيء من الترتيب، حسبما أضاف، موضحاً أن أهل القرية الواحدة كانوا بالعادة يركزوهم في بلوكات معينة، كمخيم جباليا على سبيل المثال، حيث صار يسمّى جزء من البلوك 6 بـ "بلوك اليافاوية" ويقيم فيه جزء كبير من أهل يافا المحتلّة، في حين كانت منطقة ثانية معروفة بـ "بلوك المجادلة" وهي في بلوك 4 وبلوك 5. وكان الهدف من تجميع أبناء كل منطقة، في محيط واحد لتسهيل التعامل معهم من خلال المخاتير.