جميعُ الطلاب الفلسطينيين بلبنان ممن كانوا قبل ثلاثة أعوامٍ في المرحلة الابتدائية، قدّموا العام امتحانات الشهادة المتوسطة الرسميّةٍ، رغم أنّهم لم يتابعوا دراستهم وجاهياً خلال السنتين الماضيتين، بل فقط خلف الشاشات ولمن استطاع إليها سبيلا، بسبب الحجر وانتشار جائحة "كورونا".
فهل كان الجميع جاهزين للاختبار الرسمي، الامتحانات كشفت هذا والنتائج لطلاب مدارس وكاللة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بحسب مراقبين غير مرضية بل كارثيّة.
فقد أصدرت وزارة التربية والتعليم العالي الامتحانات الرسمية للدورة الاولى - 2022 للشهادة المتوسطة (البريفيه)، وبلغت نسبة النجاح في الدورة الأولى من الشهادة المتوسطة حوالي 80% في مدارس لبنان، فيما بلغت النسبة العامة لمدارس الاونروا في لبنان ٤٩،٢٩ %.
نتيجة خلفت سخطاً وقلقاً في أوساط الفلسطينيين في لبنان الذين اعتادوا أن يحصّل طلاب مدارس "أونروا" معدلات أعلى في السنوات الماضية، وجعلت الكثير منهم يذهبون للوم الوكالة وسياساتها تجاه الطلاب واللاجئين الفلسطينيين عموماً ووضعها في خانة المسؤولية عن هذا التدهور الذي أصاب العملية التعليمية وأوصل إلى هذه المعدلات لطلاب مدارسها.
وكالة "أونروا" بدورها ما تزال تدرس الأرقام وهي بصدد نشر موقف من هذه الاتهامات للوكالة بالتقصير والأرقام الحقيقية لمعدلات الطلاب في مدارسها بحسب ما أكدت الناطقة باسم الوكالة في لبنان هدى السمرا.
وبانتظار موقف "أونروا" خرجت الكثير من التحليلات والمواقف من قبل اللاجئين الفلسطينيين ولجان أهالي الطلاب واللجان الأهلية في المخيمات، وجميعها تشير بأصابع الاتهام لإدارة الوكالة بالتقصير وعدم خط منهج عملي ناجع للعملية التربوية في مدارسها.
أسباب تدهور العملية التعليمية
بحسب مسؤول الإعلام في اللجان الشعبية للمخيمات الفلسطينية بلبنان أبو محمود اسماعيل، فإن الترفيع الآلي المعتمد في مدارس "أونروا" والذي أدى إلى ترفيع عدد كبير من الطلاب دون المستوى، واكتظاظ الصفوف بحيث يصل عدد الطلاب في بعض الصفوف الى خمسين طالباً، كذلك اعتماد التعليم النظري في حين أن التعليم التطبيقي مغيب كلياً رغم وجود مختبرات في مدارس الوكالة.
يضيف اساعيل أن من أسباب التراجع أيضاً هو أسلوب التدريس حيث لم يحصل أي تطور ملحوظ منذ القرن الماضي مع عدم مواكبة التطور العلمي، "وهذا يتطلب ابتداء ادخال التعليم الرقمي، إضافة الى عدم متابعة اسلوب التدريس ومستوى التلاميذ."
وعليه يحمّل أبو اسماعيل إدارة التعليم في وكالة "أونروا" كامل المسؤولية، مطالباً إياها بالشروع فورا في إيجاد الحلول العلمية "والبداية تكون بوقف الترفيع الآلي، والالتزام بالمعايير العلمية لعدد الصف بحيث لا يتجاوز عدد طلاب الصف الواحد ثلاثين تلميذاً، وإدخال التعليم التطبيقي والرقمي في العملية التعليمية، وتعيين مشرف اجتماعي- تربوي مختص لكل مدرسة".
ودعا أيضاً إلى فتح المدارس فوراً لطلبة "البريفية" وتكثيف الدراسة لإعدادهم للدورة الثانية من الامتحانات.
وكانت الوكالة خلال العامين الماضيين قد أغلقت مدارسها واعتمدت التعليم عن بعد بسبب جائحة "كورونا"، فيما كانت تعصف بالمخيمات الفلسطينية بلبنان آثار الأزمة الاقتصادية في البلاد، ما حمّل الطلاب والأهالي مسؤوليات مضاعفة في ظل انقطاع الكهرباء وعدم توفر الانترنت بشكل دائم رغم أن الوكالة وزعت منذ عامين أجهزة هواتف ذكية للطلاب من أجل متابعة الدراسة عن بعد.
وهو طريقة بحد ذاتها كانت جديدة على الطلاب ولم يستطع جميعهم التعامل معها بالشكل المطلوب مع "غياب خطة تعليمية ناجعة من قبل قسم التعليم في الوكالة" بحسب لجان أهالي الطلاب.
تقول آلاء عساف وهي عضو لجان الأهالي في إحدى مدارس "أونروا" بمخيم برج البراجنة: إن الوكالة بسياستها التعليمية الجديدة التي طُبّقت هذا العام شتت الطلاب أكثر وأبعدتهم عن بوصلة النجاح، فقد كان الحضور مقتصرًا على أسبوعين فقط بالشهر مع عدد ساعات مقلّصة، والدخول بالعام الدراسي جاء بوقت متأخر، في ظل غياب المعلمين أوّل العام الدراسي.
تضيف: أنه لم يكن هناك انتظام في المنهاج التعليمي، ومراعاة لظروف الطلاب وأهاليهم ومشاكل كثيرة حدثت وما زالت تحدث، لذا فهي تناشد إدارة "أونروا" من أجل زيادة سبل التواصل بين الأهل والإدارة، والعودة إلى الكتاب المدرسي، كذلك كتابة التلخيص على الدفاتر لتنظيم الدراسة وفي حال وجود دعم إضافي للكتاب يتم توزيعه على شكل كتاب مصور (booklet) وليس أوراقًا، والتخلص النهائي من التعليم المدمج (وجاهي وعن بعد)
مشاكل كثيرة تعاني منها الدائرة التعليمية في الاونروا يجب أن تعالج وفق سلام، عن طريق إقامة دورات تثقيفية متطورة بالمناهج وطرق التعليم المتطورة لكل المعلمين والمعلمات وتعليمهم طريقة الإلقاء والتلقي للطلاب والطالبات عن قرب بدورات دائمة ومستمرة، بحسب اللاجئة الفلسطينية سلام أنيس.
غياب التخطيط من قبل المجتمع الفلسطيني نفسه
ولكن تضيف أنيس أن هذه الأزمة كانت بسهولة أن يتخطاها الشعب الفلسطيني الذي أثبت على مرّ السنين أنّ سلاحه العلم ولا غِنى عن سلاحه الذي سيرسم مستقبله ويفرض وجوده، وذلك عبر وضع خطط طوارئ لمساعدة الطلاب، وتخصيص مراكز تقوية للطلاب وكان من الممكن أن يكون العمل مجّانًا عبر مساعدة المتخرجين الجدد للطلاب، "فالعشرات من شبابنا قادر على تدريس ومساعدة ابناء شعبنا دون مقابل، لكن للأسف كل منهم يفكر بنفسه ومصالحه فقط!"
وتشير سلام إلى أنّ "هناك سنتين تعلّم عن بعد، وهذه السنة عدد كبيرٌ من الاهل عوّل على الترفيع من قبل وزير التربية اللبناني، ودليل ذلك أن صفاً في مدرسة متوسطة يضم ما يقارب ٢٥ تلميذًا تقريبا 11 منهم لم يتقدموا للامتحانات النهائية، هذا إضافة لمن كان يقدم ورقة بيضاء، لأنه لم يستعد للامتحان على أمل منهم أن يتم إنجاح جميع الطلاب دون امتحانات، بسبب الأزمات التي تصف بالبلاد.
وتضيف: "هناك عدد كبير من الطلاب لم يدرسوا والأهل لم يتابعوا، طبعا هذا ليس دفاعًا عن الاونروا، لكن تحميل كامل المسؤولية للمؤسسة ظلم وابتعاد عن تحديد مكمن الخلل وبالتالي العلاج"
وتؤكّد سلام أنّها ضد سياسة الترفيع الآلي كتربويين، لكن اكثر من يتمسك به هم اولياء امور الطلاب الذين يحجّون للمدارس وقت توزيع الشهادات لتنجيح اولادهم، وفي النهاية تقوم المؤسسات والأهالي على مجموعات "الواتس اب" بانتقاد هذه السياسة وقت الفشل في الامتحانات الرسمية، بينما هم يطالبون بها في الصفوف ما قبل الرسمي ومتوقعين ان اولادهم سينجحون، هذا اسمه سذاجة وقلة وعي ولا مسوؤلية من قبل اولياءامور الطلاب، بحسب وصفها.
إضافةً إلى ما سبق تبيّن سلام، أنّ العديد من الطلاب الفلسطينيين رسبوا نتيجة إهمال الأهل والأصدقاء والأقارب والرعاية الأسرية، فالتفكك الأسري منتشر بشكل كبير ويؤثر سلباً على الحالة النفسية للطالب، كذلك الغلاء المعيشي، والحالة الاجتماعية وعدم توفّر كهرباء او انترنت، وأيضًاهناك عائلات مهمشة في المجتمع الفلسطيني لا غذاء ولا دواء واحيانا يتعرض الطالب للتنمر لوضعه الاجتماعي.
اللاجئة الفلسطينية فاتنة عرّابي وهي من لجنة أهالي إحدى مدارس "أونروا" حصلت ابنتها على تقرير جيد جداً في الامتحانات المتوسطة الرسمية ، وتعزو فاتنة هذا النجاح إلى تعب السنين السابقة والى متابعة ابنتها بكافة الطرق وإسنادها لتخطّي الصعاب التي واجهتها في سنين التعطيل القسريّ عن المدرسة، لكن رغم تفوّق ابنتها أشارت إلى أنّ هذا لا يعني أن جميع النتائج هكذا، "للأسف نتائج البريفيه في مدارس الأونروا كانت متدنية جدًا وهذا يطرح علامة استفهام منالمسؤول عن هذا التراجع، الجميع مسؤول، وتقع المسؤولية بالدرجة الاولى على السياسة التي اتبعتها الأونروا مع الطلاب... سياسة الاونلاين لم تكن مدروسة قطّ.. كانت تحتاج الى متابعة وعناية اكثر، هناك تقصير من الطلاب وأيضًا تهميش في الملف التعليمي."
وتضيف عرّابي، "كلامي ليس عن عبث، بل على العكس النتيجة التي حصل عليها طلابنا وضّحت هذه الأزمة، لذلك من الضروري جدًا وبحاجة ماسة الى خطة سريعة لانقاذ طلابنا في الدورة القادمة، يجب أن تفتح أبواب مدارسنا وتتكثّف حصص الدعم لتخطّي العجز الذي وقعنا فيه نحن شعب متعلّم ومستقبلنا هو العلم وطموحنا لا ينتهي".