مع بدء العام الدراسي في المدارس والجامعات بلبنان تطل أزمة جديدة برأسها على اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، واعتماد الجامعات نظام الـ "فريش دولار"، وهو نسبة معينة من الأقساط تدفع بالدولار حصراً، والنسبة المتبقية بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف يختلف بين جامعة وأخرى.
لا يتوقف الأمر هنا، إنما تضاف إلى أقساط الجامعة مصاريف إضافية لم تكن في الحسبان كأسعار القرطاسية المرتفعة والتي صارت أقرب إلى الخيال وفق وصف الطلاب، وتكاليف المواصلات والمصروف الشخصي للطالب، وغيرها الكثير من المتطلبات الدراسية.
والحال هذه، صار مستقبل الطالب الفلسطيني على المحك، إما أن يستقبل العام الدراسي وسط قلق شديد من عدم إمكانية سداد الأقساط، أو أن ينقطع عن مقاعد الدراسة واللجوء إلى العمل الحر إن كان لا يزال متوفراً في لبنان، في وقت صارت يومية العامل المياوم مهما كانت جنسيته لا تتعدى دولاراً أمريكياً واحداً.
رغم الحسومات.. عجز عن الدفع
"أزمة أقساط الجامعات أحدثت ضياعاً كبيراً لدينا كطلاب، منذ قرار رفع التسعيرة ودفع قسم منها بالدولار وأنا لا أعلم إذا سأكمل دراستي أم لا"، تقول الطالبة الفلسطينية فاديا زيدان لبوابة اللاجئين الفلسطينيين.
تضيف زيدان: إن غالبية الطلاب الفلسطينيين في لبنان لديهم حسم جامعي بنسبة 50% من جهات سياسية معينة، لكن المشكلة في الـ 50% الأخرى التي لا تشعرك بوجود الحسم أساساً لأن المبالغ المتبقية قيمتها كبيرة جداً.
تتابع زيدان: أن قيمة الـ credit الواحدة في تخصص المختبر الذي تدرسه قيمتها 170 دولاراً و25% منها ستدفع بنظام الفريش دولار. بالتالي إذا أرادت أخذ 14 أو 16 credit عليها أن تدفع 75% من أقساط الفصل بالليرة اللبنانية على سعر صرف 6 آلاف ليرة لبنانية وهنا تقع المصيبة على الطلاب وعائلاتهم بحسب وصفها حيث يعتبر هذا المبلغ كبيراً ولو كان بسعر صرف أقل بكثير من سعر صرف السوق السوداء، لأن معظم العاملين في لبنان يتقاضون أجورهم بالليرة اللبنانية.
"القصة لا تقف عند هذه التكلفة، بل يوجد كلفة المواصلات. الناس القريبة تذهب إلى الجامعة مشياً على الأقدام، لكن بقية الطلاب التي تسكن بعيداً عن الحرم الجامعي ماذا تفعل؟" بحسب زيدان، التي تؤكد أن المصروف اليومي مكلف لأن الأسعار مرتفعة جداً، فلا يخلو الأمر من بعض الاحتياجات للجامعة كاللباس والكتب والقرطاسية وهذه جميعها مصاريف إضافية مكلفة.
الشابة زيدان ليست الوحيدة المهددة بانقطاع مسيرتها التعليمية بعد رفع تسعيرة الأقساط الجامعية، هي واحدة من مئات الطلاب الفلسطينيين واللبنانيين الذين أعجزتهم أحوالهم المادية عن سداد أقساط الجامعة للعام الدراسي الجديد بفعل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان منذ ثلاث سنوات.
انقطعت عن الدراسة لارتفاع المصاريف... أختي التي تدرس التمريض أولى مني
يوسف قاسم شاب فلسطيني انقطع عن دراسته الجامعية في تخصص المختبر بجامعة الجنان بمدينة صيدا جنوبي لبنان، والسبب هو "الفريش دولار".
يقول قاسم لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "جامعة الجنان لا تقبل منحاً من أحد في تخصصي التمريض والمختبر. أنا كطالب مختبر مجبر على دفع 400$ بالفصل الواحد بالإضافة إلى بقية الأقساط الأخرى بالليرة اللبنانية. لذا أختي التي تدرس التمريض أولى مني أن تدرس".
ويؤكد أن الأقساط صارت غالية جداً خاصة في الجامعات، مشيراً إلى أنه مجبر على دفع 11 مليون ليرة لبنانية في السنة تكلفة الدراسة، وهو مبلغ كبير لشاب مسؤول عن عائلته أو يريد أن يؤمن مستقبله.
المسؤول عن مساعدة الطلاب الفلسطينيين في لبنان بنظر الشاب قاسم هو الفصائل الفلسطينية جميعها ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" والمؤسسات والجمعيات، معتبراً أن الطالب الفلسطيني بحاجة الجميع في هذه الضائقة الصعبة، وحسم الـ 50% بات لا يكفي، "والناس عاجزة عن دفع المبلغ المتبقي، لذا من واجبهم تجاهنا كشباب لاجئين دعمنا مادياً لاستكمال تعليمنا".
ضائقة نفسية ومادية
"الواحد صار لازم يشتغل أكتر من شي ليقدر يجيب قرطاسية لأولاده"، هكذا ينتقد اللاجئ الفلسطيني صلاح صلاح الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الأب لتأمين مستلزمات أولاده، رغم أنه منتسب لإحدى الفصائل الفلسطينية براتب جيد، لكن الخنقة المعيشية طالت الجميع على حد قوله.
يؤكد صلاح أن "الوضع صعب على الجميع مهما كانت قيمة مدخول أي إنسان يبقى عاجزاً عن أن يؤمن مصاريف أولاده، مصروف الطالب على المدرسة أصبح 50 ألف، الأب الذي لديه ٤ أولاد لديه مصروف يومي 200 ألف ليرة لبنانية ناهيك عن القرطاسية والتزامات كثيرة والوضع متعب للجميع".
"أولاد المخيم صاروا يعملون في الخردة لأن الولد يرى تعب أبيه كي يعطيه مصروفه، هنا الموضوع أصبح نفسياً وبات الطالب يلجأ لشيء لا يريده. ابني يطلب أن يعمل، لكن أنا أرفض حتى ينتهي من دراسته"، بحسب صلاح.
مساعدة "أونروا"
المتطلبات الاقتصادية للعام الدراسي الجديد في المدراس والجامعات لا تزال تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل اللاجئين الفلسطينيين رغم إعلان وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" نيتها توزيع الأدوات القرطاسية لجميع الطلاب من الصف الأول إلى الثاني عشر.
تؤكد المتحدثة باسم "أونروا" في لبنان، هدى السمرا لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن "الوكالة تعمل جاهدة كما كل عام لتأمين القرطاسية لطلاب لاجئي فلسطين، وتمكنت الوكالة هذا العام رغم كل الصعوبات والظروف الاستثنائية من تأمين الكميات المطلوبة من القرطاسية ونأمل بأن تكون كافية، بدأنا بتأمين القرطاسية و المستلزمات المدرسية من الآن وفور افتتاح المدارس نتوقع أن نكون قد أتممنا عملية التوزيع".
هذه المساعدة من قبل الوكالة المسؤولة عن متابعة شؤون اللاجئين لم تلق قبولاً إيجابياً من قبل الأهالي بعد تجربة سيئة عانوا منها العام الماضي بانتظار توزيع قرطاسية "الأونروا"، لكنها تأخرت كثيرا.
إن لم تؤمن الوكالة القرطاسية سأعطي أولادي دفاترهم القديمة
تقول اللاجئة حنين الصفدي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن وكالة الأونروا أعلنت العام الماضي عن توزيع قرطاسية وليس علينا شراء أي شيء، لكن هذه المساعدة تأخرت كثيراً ولم يقدموا لنا سوا دفترين وبعض الأقلام، بالإضافة إلى وعود الوكالة بتأمين المواصلات لنقل الأطفال إلى المدارس لكنهم ذلك لم يحصل.
وتضيف: نحن صحيح نعيش في مخيم عين الحلوة ومدارس أولادي موجودة داخله لكن صعب عليهم الوصول إلى المدرسة مشياً على الأقدام، نحن بالكاد نؤمن التزامات البيت من أكل وشرب وغاز وغيره.
تتمنى الصفدي من وكالة "أونروا" أن تؤمن لهم ما أعلنت عنه، فالأولاد ستدخل إلى المدارس غداً في 15 أيلول/ سبتمبر الجاري، وإن لم تؤمن الوكالة القرطاسية المطلوبة سأعطي لأولادي دفاترهم القديمة.
اقرأ أيضاً
أنقذوا مستقبل الطلاب الفلسطينيين
غلاء أقساط الجامعات وأسعار القرطاسية يضيق الخناق على كواهل الآباء الفلسطينيين الذين بالكاد يؤمنون قوت يومهم، ويهدد مستقبل الطلاب بدفعهم إلى ترك مقاعد الدراسة رغماً عنهم.
هنا تقع المسؤولية على الفصائل الفلسطينية ووكالة "أونروا" في تخفيف وطأة هذه الأزمة قبل أن تسجل المخيمات أرقاماً غير مسبوقة في معدلات التسرب الدراسي.
في وقت سابق من العام الماضي أظهر تقرير لمنظمة "يونيسف" التابعة للأمم المتحدة، أن الوضع الاقتصادي المتردّي أدّى إلى عجز نحو 25% من العائلات في لبنان عن تأمين كلفة التعليم المدرسي، حيث يجد أهالي هذه النسبة من الطلاب أنفسَهم غيرَ قادرين على تحمّل أعباء الأقساط المدرسيّة، فضلًا عن تكاليف النقل التي ارتفعت فاتورتها ربطًا بالتغيّر الكبير في جدول أسعار المحروقات.
ومع تصاعد الأزمة الاقتصادية في لبنان، من المتوقع ازدياد معدل التسرب المدرسي الموجود أصلاً في المخيمات الفلسطينية .
اقرأ أيضاً
التسرب المدرسي في مخيمات لبنان .. والثالوث المسؤول