كشف العام الدراسي 2022/2023 الذي بدأت أول أيامه في 15 أيلول/ سبتمبر الجاري في لبنان، عن جملة من النواقص في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أحالتها إلى بيئة غير مناسبة لسير عملية تعليمية مثمرة للطلاب وللمعلمين على حدّ سواء، بحسب ما يصف كثير من الأهالي والمسؤولين التربويين في المخيمات.
إشكاليات بدأت تتكثّف تأثيراتها منذ الأسبوع الأوّل للدوام الدراسي بشكل غير مسبوق عن السنوات السابقة، نظراً لتضخّم أعداد طلابها، فجيل جديد من الأطفال الفلسطينيين اللاجئين في لبنان، قد دخل في سنّ التعليم، إلى جانب لجوء عدد من أولياء الأمور لنقل أبنائهم من المدارس الخاصّة التي شكلّت في الفترات السابقة خياراً لهم، الّا أنها لم تعد كذلك بفعل انعكاسات الأزمة الاقتصادية التي أحالت 90% من اللاجئين الفلسطينيين إلى ما دون خطّ الفقر، وباتوا يفضلون مدارس "أونروا" جراء ارتفاع أقساط المدارس الخاصة بشكل مبالغ فيه في هذا البلد.
كما ساهمت السياسات المعلنة وغير المعلنة القائمة في لبنان، الرامية إلى “لبننة" المدارس الرسميّة التابعة للحكومة، إلى حرمان الكثير من اللاجئين الفلسطينيين من تسجيل أبنائهم فيها.
وكانت عدد من المدارس الرسمية في مدينة صيدا، قد رفضت تسجيل الطلاب الفلسطينيين، للسنة الدراسية 2020/2021 المنقضية، مسنودة بقرار وزارة التربية والتعليم السابق أكرم شهيّب بتخصيص المرحلة الأولى من فترة التسجيل للتلاميذ اللبنانيين.
ورغم حلّ القضيّة حينها بعد موجة من الاحتجاجات، تدخل على إثرها سياسيون ونواب لبنانيون، ومبادرة منظمة التحرير الفلسطينية، بتوسيع الشعب الصفيّة في المدارس الحكومية اللبنانية، على حسابها بتخصيص مبلغ 117 مليون ليرة لبنانية، لاستيعاب آلاف الطلبة الفلسطينيين، إلّا أنّ المدرسة الحكومية لم تعد خياراً للكثير من الطلاب الفلسطينيين، وهو ما بينته معطيات العام الدراسي الحالي من خلال تضخم أعداد طلاب مدارس "أونروا".
اكتظاظ صفوف ومساحات غير مناسبة
ارتفاع الإقبال على مدارس "أونروا" خلق اكتظاظاً بالشعب الصفيّة، ليتراوح عدد الطلاب في الصف الواحد بين 35 حتّى 65 طالباً وطالبة في بعض المدارس، في حين يتكدّس قرابة 45 طالباً وما فوق، في كلّ صف في معظم المدارس الكبرى، وهو ما يؤثر على التلميذ والمعلّم، حسبما أوضح الأستاذ في مدرسة "يعبد" التابعة للـ أونروا" في بيروت أحمد معروف لـبوابة اللاجئين الفلسطينيين.
وأكّد الأستاذ أحمد معروف، أنّ هذه الإشكاليّة مستجدّة ولم تكن على ذات الدرجة من الحدّة في السابق. وأرجعها إلى السبب الذي وصفه بالرئيسي، ويتمثّل في انتقال الكثير من الطلبة من المدارس الرسميّة والخاصّة إلى مدارس الوكالة في العام الدراسي الحالي.
وأشار معروف، إلى أنّ عدد الطلاب في كل صف يختلف حالياً في ابتدائيّة "يعبد" بحسب المرحلة التعليمية، حيث يتراوح في شعب "السادس" بين 23 و24 طالباً، وهو حدّ طبيعي، بينما في الصف الخامس يرتفع العدد ليتجاوز أحياناً 35 طالباً، في حين تشهد بعض المراحل الدراسية زيادة في أعداد طلابها أكثر من 30 طالباً عن الحد الطبيعي.
وحسبما رصد بوابة اللاجئين الفلسطينيين على لسان بعض الطلبة وأولياء الأمور، فإنّ عدد التلاميذ يختلف بحسب المدارس، حيث تجاوز في مدرسة "حيفا" المتوسطة في بيروت العدد في صفوف "البريفيه" 60 تلميذاً وتلميذة بالغرفة الصفية الواحدة، في حين بلغ في مدرسة "الجليل" 45 تلميذاً، وكذلك في مدارس مدينة صور حيث تراوح بين 45 و50.
وأكّد الأستاذ معروف، أنّ هذا الاكتظاظ ينحدر بالعملية التعليمية، وتساءل:" كيف يمكن إدارة وقت الحصّة البالغ 50 دقيقة، بينما يتجاوز عدد الطلاب أحياناً عدد الدقائق؟" وأضاف:" إذا أردنا تحصيص دقيقة لكل تلميذ للإجابة على سؤال واحد فالمدّة لا تكفي، عدا عن التشتت وصعوبة ضبط الصفّ، ما يؤثر على تركيز المدرّس والطلبة."
ولفت الأستاذ معروف، إلى التفاوت في قدرات المدارس وغياب المساحات الصحيّة المناسبة للعملية التعليمية، وتحدث عن مدرسة "يعبد" التي تفتقر لمختبر للعلوم والحاسوب ولوازم التعليم الحديثة، إضافة إلى صغر الملعب الذي تتراوح مساحته في الكثير من المدارس بين 6 الى 10 أمتار، وذلك لا يوفّر متنفّساَ للطالب للّعب وممارسة الرياضة، حيث يمشي التلميذ وهو يصطدم بزملائه. وفق قوله.
الهواء الفاسد والضجيج الذي يجده الطالب في المدرسة يؤثر عليه ذهنياً
إشكاليّات، تحدث عن معاناته معها "علي" وهو تلميذ في المرحلة المتوسطة بمدرسة "الجليل" الذي أكّد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أنّ بقائه في الصفّ الذي يضم 45 طالباً طيلة فترة الدوام الدراسي، يصيبه بالكثير من الضغوطات التي تجعله غير قادر على التعامل مع المعلومات والانتباه اليها.
ويشير "علي"، إلى أنّ الدوام الدراسي بات متعباً، إلى درجة أنّ الطالب يعود إلى المنزل مرهقاً، ويحتاج إلى ساعات طويلة ليعود إلى نشاطه، بسبب ما قال انّه " الهواء الفاسد والضجيج" الذي يجده في المدرسة ويؤثر عليه ذهنياً.
الانحدار في البيئة التعليمية لمدارس "أونروا" يتناقض مع التوصيات الصادرة عن معظم الدوائر والجهات التربوية الدوليّة، والتي تسترشد بالقوانين الدولية وخصوصاً المتعلّقة بحقوق الطفل. ولا سيما الماديتين (27 و 28) في نص اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، التي تؤكد مسؤولية الدول على توفير بيئة دراسية تشجّع على التعليم، وتوفر ممكناته وأدواته للأطفال.
ونذكر هنا، ما ذهبت اليه "جمعية التخطيط الأمريكية" بتحديد المساحة الصحيّة لكل طالب في مدرسته بـ "4 متر" من المساحة الكليّة للمدرسة، وأن يكون الحد الأقصى لعدد الطلبة في الصف الدراسي الواحد يتراوح بين (25 إلى 30) طالباً فقط، عدا عن تحديد مساحات البنى التحتيَّة والخدمية للمدرسة، ومراعاة وجود مساحة للتهوية والمسافات بين الأسوار والمباني.
غياب التخطيط من قبل "أونروا" عقّد المشكلة
وتشير إحدى أولياء الأمور والناشطة في "شبكة حماية الطفل" بمخيّم مار الياس غادة ضاهر لبوابة اللاجئين الفلسطينيين إلى أن المسؤولية المؤكدّة تقع غلى عاتق إدارة الوكالة في إيجاد حلول للمستجدات التي طرأت في عدد الطلاب، والعمل على حلّها قبل بدء العام الدراسي، ووصفت ما يحدث في أولّ أسبوع من بدء الدوام بـ "التخبّط والفوضى."
وتقول ضاهر: إنّ مدرسة "حيفا" حيث تدرس ابنتها في مرحلة "البريفيه" تعاني من اكتظاظ غير مسبوق، حيث تراوح عدد الطلاب في الصف بين 60 إلى 70 طالباً وطالبة، فيما أبلغت إدارة المدرسة الطلاب، أن يتوقفوا عن الدوام حتّى يوم الاثنين المقبل 26 أيلول/ سبتمبر 2022، حيث سيجري افتتاح شعب صفيّة جديدة.
وأشارت ضاهر، إلى أنّ إدارة المدرسة فاجأت الطلاب ليل أمس، بإبلاغهم عبر مجموعة "واتس اب" بضرورة التحاقهم بالدوام، وهو ما أوحى أنّ اشكاليّة تكدّس الطلبة قد حلّت، إلّا أنّ الدوام اليوم الخميس 22 أيلول/ سبتمبر كشف وجود ما بين 40 و55 طالباً في الصف الواحد، وهو عدد كبير وغير مقبول، حسبما اضافت.
ولفتت الناشطة، إلى أنّ مشكلة تكدّس الطلبة، ترافقت مع نقص في المدرّسين، وخصوصاً في مدرسة "حيفا" التي يوجد فيها نسبة كبيرة من الطلبة المعيدين لمرحلة " البريفيه" والذي يبلغ نحو 90 طالباً وطالبة، وتضعهم الوكالة في شعبة خاصّة.
وتابعت ضاهر، أنّ مشكلة الطلبة المعيدين، وسبب تأخرهم سنة دراسيّة، ليس ذنب الطلاب ليتم وصمهم طيلة العام الدراسي بوضعهم في شعبة مخصصة ومكتظّة، وأرجعت سبب نسب الرسوب العالية العام الفائت في شهادة "البريفيه" إلى البيئة التعليمية في المدارس التي تؤثر على الطلبة والمدرّسين.
مشاكل المدارس والطلاب وأولياء الأمور في العام الدراسي الحالي لا تُحصى
ووصفت ضاهر منهجية "أونروا" في إدارة العملية التعليمية بـ "العشوائية" حيث كان من المفترض أن تبدأ الوكالة في دراسة ظروف المدارس خلال العطلة الصيفيّة، ووضع خطط لاستيعاب الطلبة المعيدين، والطلبة الجدد الذين يلتحقون بالمدارس.
الجدير بالذكر، أنّ وفد اً من لجنة المتابعة الأهلية في مخيّم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين بمدينة صور جنوب لبنان، قد تفقد أوضاع مدارس وكالة "أونروا" في المخيّم، ورصد نواقص عديدة، أهمّها يتعلّق بنقص المدرسين ولا سيما مواد الرياضات، الإنجليزي واللغة العربية، والنقص في كميّات الكتب، وخصوصاً كتب مادة الرياضيات.
وأكّدت الناشطة ضاهر أنّ مشاكل المدارس والطلاب وأولياء الأمور في العام الدراسي الحالي لا تُحصى، ليس أقلها انحدار البيئة التعليمية والصحيّة للمدارس، وإنما غلاء متطلباتها الكثيرة، من قرطاسية ومواصلات في ظل معدلات الفقر العالية. ولفتت إلى أنّ أجرة حافلة النقل للطلبة الذي يسكنون بعيداً عن مدارسهم تتراوح بين 700 ألف إلى مليون. أمّا فيما يخص القرطاسية فالوكالة لم توزّع سوى كميات قليلة لكل طالب لا تكفيه فصلاً واحداً، حسبما أشارت.