لا يزال مخيم نهر البارد شمالي لبنان، يعيش تحت صدمة الفراق والفاجعة التي ألمت بأهله في عرض البحر قبالة جزيرة أرواد السورية، فهي لم تكن وجهتم ولم تكن طريقهم ولكن "شجع المهربين وأطماعهم" دفع بطالبي اللجوء بهم نحو مركب الموت، فهم وفي لحظة أمل ظنوا أنهم سيصلون إلى إيطاليا أو شواطئ اليونان ورسموا أحلاماً وردية عسى أن تكون أفضل من تلك الأيام  التي عاشوها في مخيم نهر البارد، ولكن ليس كل المطالب بالتمني، فهبت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث حملتهم إلى غير وجهة بعد أن تعطل المركب، والأمواج العاتية لم  ترحمهم، والخشب المتهالك لم يعد قادراً على حملهم، فانقض عليهم البحر، آخذاً منهم 25 لاجئاً، 12 منهم  تعرفوا على جثثهم،  واثنان من المخيم نجيا من الحادثة، أما الباقي ما زالوا في عداد المفقودين.

تركت تلك الفاجعة أثرها في نفوس كل المخيمات وخاصة مخيم نهر البارد، الذي لبس الأسود حداداً على أرواح الضحايا، ومنذ نحو أسبوعين يعيش أهالي المخيم أصعب اللحظات بين ترقب وتجهيز لجثمان أي مفقود قد يعثروا عليه حتى يخرج المخيم عن بكرة ابيه في تشييعه.

طالما فلسطين غير محررة ستستسمر قوارب الموت في الإبحار

عبد العال عبد العال شاب في مقتبل العمر حاول عشرات المرات الهجرة عبر البحر لينتهي به المطاف غريقاً بعد انقلاب مركب طالبي اللجوء قبالة سواحل طرطوس.

يصف والده الذي ذهب إلى سوريا لجلب جثمانه ما حدث بالزلزال مؤكداً أن المشاهدة غير الكلام غهو هناك رأى جثث الضحايا وما حل بها جراء الأمواج العاتية.

يقول الوالد المكلوم: إن ابنه هو ابن كل المخيمات الفلسطينية في لبنان، مشيراً إلى أن خيارين لدى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لا ثالث لهما وهما: إما فلسطين والعودة إليها أو الهجرة إلى أوروبا.

ويضيف: إن الشباب الفلسطينيين في لبنان متعلمون ولكن الشهادات التي يحصلون عليها لا يستفيدون منها ولا يستطيعون العمل بموجبها لذلك تكون خياراتهم غالباً نحو الهجرة، واصفاً الوضع بمخيم نهر البارد بأنه من أسوأ أوضاع المخيمات.

جال "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" على لاجئي المخيم حيث بدا الحزن واضحاً على ملامحهم وعيونهم مليئة بالدموع، فجميعهم اتفقوا على جملة واحدة "نهر البارد في نكبة جديدة".

من نكبة إلى أخرى

ووصف الناشط الاجتماعي في مخيم نهر البارد محمد ميعاري فاجعة بحر الموت بـنكبة حقيقية، وأن المخيم يذهب من نكبة الى نكبة أخرى.

وأكد ميعاري أن الاوضاع المعيشية داخل المخيم هي من دفعت أهله وأولاده لركوب البحر بحثاً عن لقمة العيش، وأن يجدوا الكرامة التي افتقدوها هنا في مخيم نهر البارد، مضيفاً: "أيضاً الناس هاجرت لتؤمن أولادها وترسم لهم مستقبلاً واعداً بعيداً عن هذا السجن الكبير الذي يحيط بنا من كل جانب داخل هذا المخيم، الأوضاع من أسوء الى أسوء".

 بدوره، قال اللاجئ الفلسطيني قاسم رزوق: "إن الناس جميعها في نكبة وليس فقط أهالي الضحايا، والناس التي هربت عن طريق البحر لأنها أرادت النجاة من الموت البطيء فعاجلهم الموت السريع في عرض البحر".

لا يوجد مرجعية للاجئين الفلسطينيين في المخيمات ولا جهة تعمل لحل مشاكلهم المعيشية

وحمل زروق مسؤولية ما حصل لكل من الفصائل والقيادات والمشايخ وووكالة "أونروا" والحكومة اللبنانية ، قائلاً: "لا أحد يعتني باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولا توجد  لنا مرجعية في المخيمات ولا اتحدث فقط عن مخيم نهر البارد".

  اللاجئ الفلسطيني هشام لوباني وهو من سكان المخيم أشار إلى أن اللاجئين الذين ماتوا في عرض البحر قتلوا لأنهم "كانوا غارقين في ذلّ هذا المخيم"، فهم غرقوا هنا قبل أن يغرقوا في البحر، واصفاً بأنهم كانوا ميتيين اصلاً قبل ان  يبحروا.

يضيف لوباني: ما الفرق بين  موت البحر  وبين موت الواقع، هنا تموت وأنت على قيد الحياة وهناك تموت وأنت في قيد القبر"

واكد أن الواقع  في المخيم إن  كان صحياً أو اجتماعياً او اقتصادياً أو تعليمياً هو واقع  مزري جداً لذلك العالم تموت قبل أن تهاجر، و"الشعب الفلسطيني مظلوم وبالأخص في  لبنان الذي يحرمنا معظم حقوقنا".

وقال اللاجئ الفلسطيني أحمد قدورة: إن العالم غادرت مخيم نهر البارد من الواقع المعيشي الصعب الذي تعيشه يومياً.

وأضاف: "يعني اللاجئ هنا في المخيم لا يملك مالاً ليشتري شنطة مدرسية لابنته، او حتى دفتراً او كتاباً حتى ربطة الخبز لم تعد بالمتناول، لا يستطيع اللاجئ أخذ أبيه المريض أو أمه المريضة إلى المستشفى وهو بالكاد يستطيع تأمين الدواء، لذلك العالم انضغطت وحاولت أن تهاجر للخارج حتى تعيش بخير وأمان وتؤمن مستقبلها ومستقبل أطفالها".

فقدان الأصدقاء والجيران في البحر

أما اللاجئ اسعد عيشان فهو لم ينم منذ 3 ايام بسبب الفاجعة التي ألمت بجيرانه وأهله ومخيمه، فتنهد بعد أن حبس دموعه وقال: منذ 3 ايام لم يعرف مخيم نهر البارد معنى النوم بسبب الفاجعة التي وقعت مع اهلنا قبالة ساحل طرطوس".

وتابع عيشان: "كلنا في هذا المخيم جيران واخوة، وربينا سوياً وكان لنا ذكريات جميلة، شيء مؤلم جداً، انا من الشباب أحسست انني فقدت أخاً في البحر، والله يصبر اهاليهم بالنهاية".

ولم يكن اللاجئ ابراهيم ابو صيام احسن حالاً من باقي اللاجئين، فقد قابلناه صدفة وهو يمكث في مقبرة المخيم يتلو سورة الفاتحة على ضريح صديقه عمر عبد العال الذي أخذه البحر على حين غرة، فهو يجلس على زاوية القبر حزيناً ودموعه التي تسيل على خديه تروي ذلك التراب العطش الذي ضم صديقه الى مثواه الاخير.

وقال أبو صيام لـبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن مخيم  نهر البارد في حالة غضب بسبب الفاجعة التي حدثت مع اهلنا واخوتنا في المخيم، وأن الشباب الذين ماتوا في قارب الموت أدخلو الحزن الى كل بيت الى كل زقاق وإلى كل حي من أحياء هذا المخيم".

وأضاف: "لن نقبل بهذا الواقع المعيشي أما ان تضعونا على الحدود لنذهب نحن بأقدامنا الى فلسطين أو الذهاب الى المجهول في قارب الموت ولا خيار ثالق لذلك، العيش هنا في المخيم كما يعيش على مزبلة والمياه التي تشربها مياه مالحة" بحسب وصفه.

واشار الى ان وضع العائلات في المخيم مزر جداً والبيوت صغيرة وبالكاد تتسع 3 اشخاص، فكيف اذا كانت عائلة مكونة من 7 أشخاص تعيش في 3 غرف ضيقة جالسين على بعضهم كأنهم في علبة سردين.

وأكد أبو صيام أنه في حال تأمن معه مبلغ السفر فأنه لن يتوانى لحظة في المغادرة الى اوروبا، لافتاً الى أنه لا يستطيع أن يقدم شيئاً لاهله إذا بقي هنا والأونروا شبه غائبة".

 

خاص/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد