تواصل مواقع التواصل الاجتماعي هجومها متعدّد الأشكال على المحتوى الرقمي الفلسطيني، سواء من خلال إغلاق حسابات الصفحات الإعلاميّة الفلسطينيّة أو تقييد حجم الوصول إليها كما حصل مع الصفحة الرسميّة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين عبر منصة "فيسبوك"، أو من خلال فرض الرقابة والمنع على الحسابات والمنشورات التي تتناول انتهاكات الاحتلال الصهيوني بحجّة أنّها "تحريضيّة".
هذه الانتهاكات، قد تصل إلى الآلاف من مستخدمي مواقع التواصل المختلفة، ويقف خلفها إمّا سياسات إدارات هذه المواقع أو المنصات التي تعتبر المحتوى الفلسطيني والترويج له أنّه "عدائياً" أو "تحريضياً"، أو من خلال مجموعات متخصّصة تعمل على التبليغ عن هذه المنشورات والصفحات، يُديرها الاحتلال من أجل كتم الصوت الفلسطيني.
في هذا الصدّد، تحدّث بوابة اللاجئين الفلسطينيين مع أحمد قاضي، منسّق الرصد والتوثيق في المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي "حملة"، والذي أكَّد بدوره، أنّ المركز يهدف إلى تمكين المجتمع المدني الفلسطيني والعربي من المناصرة الرقميّة عبر بناء القدرات المهنيّة والدفاع عن الحقوق الرقميّة وبناء الحملات الإعلامية المُؤثرة، حيث يتم ذلك من خلال أنشطة عدة وعلى مستويات مختلفة بهدف حماية الفلسطينيين والفلسطينيات أينما كانوا على الفضاء الرقمي وحماية حقوقهم الرقميّة والدفع بالرواية الفلسطينيّة في الفضاء الرقمي وحمايتها في ظل كل محاولات الطمس.
ويُضيف قاضي: يقوم المركز بعدّة برامج، منها حملات التوعية والمناصرة، والتواصل مع الشركات وصناع القرار، وعقد تدريبات لرفع الوعي، إلى جانب المؤتمرات والأنشطة وورش العمل، ونشر تقارير وأبحاث بشكلٍ مستمر تتعلّق بالفضاء الرقمي، إلى جانب برنامج رصد وتوثيق الانتهاكات للحقوق الرقميّة، أي رصد أي ممارسة أو فعل يؤدي إلى تكبيل قدرة الفلسطيني أو غير الفلسطيني المناصِر للقضية الفلسطينيّة على حماية حقوقه وحريته في الرأي والتعبير على الفضاء الرقمي وحماية خصوصيته على الانترنت.
آلاف الانتهاكات تنطوي على العنصرية والتحريض وازدواجية المعايير
وبحسب قاضي، فإنّ مركز "حملة" يرصد انتهاكات الحقوق مثل تقييد أو إزالة المحتوى والحسابات وتقييدها التي تقوم بها شركات مواقع التواصل الاجتماعي مثل "ميتا"، إلى جانب الأشكال الأخرى من الانتهاكات مثل التشهير وتشويه السمعة سواء بشكلٍ داخلي أو من قِبل الاحتلال والمجموعات الصهيونية المتطرّفة واليمينيّة داخل فلسطين وخارجها، فمثلاً هناك دائماً تحريض على النشطاء والناشطات الداعمين لفلسطين، وهناك نشطاء فُصِلوا من أعمالهم، ومؤسّسات بأكملها أُغلقت أو وُصمت بـ"الإرهاب" نتيجة لحملات "تشويه سمعة" من قِبل الفضاء "الإسرائيلي" الرقمي.
ويُتابع قاضي: نرصد بشكلٍ سنوي العنصرية في الفضاء الرقمي "الإسرائيلي" ضد الشعب الفلسطيني، وخلال العام الماضي رصدنا 600 ألف انتهاك ينطوي على العنصرية والتحريض ضد الفلسطينيين، موضحاً أنّ حملات التشويه لا تقتصر على الاحتلال، بل تمتد بين أحزاب سياسيّة مختلفة أو مجموعات مختلفة في سياق اجتماعي أو سياسي، أو اعتقالات تتم على خلفية الرأي والتعبير، كما يتم رصد الاختراقات والابتزاز والتحقّق من هذه المعلومات والحالات ومتابعتها مع الشركات سواء لإرجاع المحتوى المحذوف وإزالة القيود أو إعادة الحسابات المقيّدة أو المحذوفة، إلى جانب صد المحتوى التحريضي والعنصري والتشهيري للعمل على إزالته، إلى جانب تنظيم حملات مناصرة ضد الشركات للضغط عليها من أجل تغيير سياساتها، فمثلاً تُزيل هذه الشركات المحتوى الفلسطيني الذي يرفض الاحتلال، في المقابل لا تزيل المحتوى "الإسرائيلي" المليء بالتحريض والكراهية والذي يدعو إلى قتل الفلسطينيين، فهذه الشركات التي سمحت للأوكرانيين بمهاجمة الغزو الروسي، في المقابل لا تسمح للشعب الفلسطيني برفض الاحتلال.
توجيهات للوقاية الرقميّة
وحول ما إذا كان هناك نصائح أو توجيهات في حال حظر الصفحات، أو تقييدها للمستخدمين كمؤسساتٍ أو أفراد، يرى أحمد قاضي أنّه من الناحية الوقائيّة لأي مؤسّسة أو جهة تستخدم منصّات التواصل الاجتماعي، فعليها قراءة سياسات هذه المنصات أو هذه الشركات، لأنّ كل شركة لديها مجموعة من السياسات التي تدّعى أنّ الهدف الأساسي منها هو حماية المستخدمين وجعل الفضاء الرقمي آمناً لهم، وهناك فعلاً سياسات بشأن العنف والتحريض وانتهاك الخصوصيّة وانتحال الشخصيّة، ولكن عموماً في كل المنصات يجب تجنّب نشر أي محتوى نصّي أو مرئي دون أن يكون إنتاجه خاصاً، لأن هذا الأمر يتعلق بحقوق الملكية، وأيضاً علينا تجنّب نشر المشاهد العنيفة أو القتل أو الدماء، فهذا يُساهم في تقييد الحسابات والمنشورات، وعدم الدعوة إلى العنف أو التحريض أو القتل بشكلٍ مباشر في أي سياق، وتجنّب كشف خصوصيات أطفال أو نشر معلومات عنهم في سياق مهين، ومهم جداً أن تكون معلوماتنا كاملة على الحساب أو على الصفحة، لأنّ هذه الأمور يمكن أن تحمينا قدر الإمكان.
ويستدرك قاضي بالقول: مشكلة هذه السياسات أنّها لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصيّة كل منطقة أو ثقافة على حدة، فمثلاً في السياق الفلسطيني والموضوع سياسي، ندرك ماذا فعلت شركة "ميتا" في أوكرانيا، إذ بيّنت أنّ ما يجري هو وضع خاص ويجب السماح للجمهور بالتعبير عن رأيهم ضد العدوان الروسي، ولكن هذه السياسات العامة بحاجة إلى أن تتكيّف مع كل سياق مختلف، وهم فعلاً كيّفوها في السياق الأوكراني، على عكس الوضع الفلسطيني، إذ أنّ سلطات الاحتلال يمكن أن ترتكب جريمة، لكنّ التعبير عن الغضب ورفض هذه الجريمة يمكن أن يُعتبر "دعوة إلى العنف"، وبالتالي يجري تقييد الضحية مرّة أخرى.
في سياق آخر، تحارب هذه المنصات "التمجيد" وتعتبره دعوة إلى العنف، لكن المشكلة أنّها لا تميّز ما بين وسائل الإعلام والمستخدمين العاديين الذين ينشرون خبراً عادياً بعيداً عن "التمجيد"، لكننا نفهم أنّ ما يجري هو لأسبابٍ سياسيّة، فمثلاً يمكن أن تنشر صحيفة "إسرائيليّة" اسم حزب سياسي فلسطيني مثل "حماس أو الجهاد أو الجبهة الشعبية" ولا يحدث شيء، أمّا إذا نشرت هذه الأسماء صحيفة فلسطينيّة سيؤدي ذلك إلى إغلاق حسابها أو تقييد الوصول له.
وفي هذا الإطار، يضيف قاضي: دائماً سيكون هناك حذف أو تقييد، خاصة إذا كان الأمر يتعلّق بقضايا مثل القضية الفلسطينيّة، ونؤكّد دائماً لهذه الشركات أنّ السياق الفلسطيني فيه أحزاب ولا يجوز للشركة تبني مثل هذه السياسات، فيصبح المحتوى واللغة العربيّة نفسها وبعض المصطلحات هي المستهدفة، لذلك عند التعرض لأي انتهاك مثل حذف أو إزالة أو تقييد من المهم تقديم الاستئناف ورفض القرار بشكلٍ فردي، وللأسف عادة الردود على هذا الرفض الفردي تكون سلبيّة، لكن الأهم هو توثيق ما حدث وتسجيل متى وصل هذا التنبيه أو التحذير من الشركة وأخذ "لقطة شاشة" للرسالة التي وصلت وحفظ المحتوى أو الصورة أو مقطع الفيديو الذي تسبب بتقييد أو حذف الحساب، إلى جانب حفظ رابط الحساب وبياناته بشكلٍ مسبق، لأنّ كل هذه المعلومات تفيدنا لاحقًا، وإذا لم تستجب الشركة للرفض الفردي ننصح بالتوجّه إلى المؤسّسات المختصة مثل مركز "حملة" من أجل المساعدة.
عن توثيق الحسابات ونجاعتِها
كثيرون ينصحون بعملية توثيق الحسابات للحفاظ عليها وحمايتها من الحذف أو تقييد الوصول، ما صحة ذلك؟
يقول قاضي: التوثيق مهم جداً للصفحات، وخاصّة لصفحات وسائل الإعلام التي تنشر دائماً موضوعات اجتماعيّة وسياسيّة، لأنّ التوثيق هو عبارة عن تأكيد أو تحقق أو بمثابة "صك ملكية" لهذا الحساب، وبالتالي أمام الشركة يكون من المؤكّد أنّ هذا الحساب هو تابع لوسيلة إعلاميّة ما، ويساعد هذا التوثيق إذا تعرّضت هذه الصفحة إلى تقييدٍ أو اختراق أو حذف في مهمة ارجاع الصفحة أو حمايتها، ليس بشكلٍ أكيد، لكن على الأقل يساعد أفراد الشركة في إرجاعها لأنها موثّقة ويُوفّر نقاشاً طويلاً حول مرجعيّة هذه الصفحة وملكيتها، وهذا يشكّل طبقة من الحماية.
ويُضيف في هذا الجانب: مؤخراً صعّبت الشركات من إجراءات توثيق الصفحات، إلّا أنّ المهم هو المحاولة والسعي إلى التوثيق بعد تلبية الشروط المدرجة حول مدى شهرة الصفحة وانتشارها والتفاعل معها ومدى دقّة معلوماتها، ومن المهم أيضاً توثيق حساب "مدير الأعمال" خاصة للصفحات التي تنشر المحتوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي وتعمل على ترويج منشوراتها، لأنّ هذا يُساعد في تثبيت هويّة هذا الحساب، ويُساعد في وصول محتوى هذه الصفحة إلى جمهورها.
ولكن يُطرح هُنا سؤال آخر في هذا الجانب: في حال توثيق الصفحات، هل يُساهم ذلك في الحد من تقييد الصفحة أو تصنيفها كجهةٍ ناقلة للخبر أو يؤدّي لأي مشكلات أخرى؟، يرى قاضي: أنّ توثيق الصفحة يُساهم بشكلٍ غير مباشر في إرجاع الصفحة أو المحتوى في حال إغلاقها، ويُساهم في حمايتها من الانتحال، إذ يتم إغلاق الصفحات الأخرى التي تنتحل صفة الصفحة الأصليّة، أو الحساب الأصلي، ويساعد في الوصول إلى الصفحة من قِبل الآخرين، لكن التوثيق لصفحة وسيلة إعلاميّة يُساهم في اعتراف الشركة في هذه الصفحة بما يُعزّز تمييز هذه الصفحة عن غيرها من الصفحات العادية أو الحسابات الشخصيّة، وهذا يمكن أن يحميها من الإزالة أو الحذف أو من حدّة تقييد الوصول لها.
أرقام ومؤشّرات
جدير بالذكر، أنّ مركز "حملة" أصدر قبل أيّام تقريره السنوي للعام 2022 والمعنون بـ"هاشتاق فلسطين" والذي يسلّط من خلاله الضوء على انتهاكات الحقوق الرقميّة الفلسطينيّة التي يتعرّض لها الفلسطينيون ومناصروهم في الفضاء الرقمي من قِبل الحكومات والشركات التكنولوجيّة المختلفة.
وحول التقرير، يوضّح: أن مركز حملة يصدر تقارير رصد دوريّة، ولعل أبرزها التقرير السنوي "هاشتاق فلسطين" الذي نورد فيه أبرز التحديثات والأرقام والمؤشرات التي وثقناها خلال العام، ونقدم فيه نبذةً عن هذا العام وأبرز التوجّهات نحو الحقوق الرقميّة، ويحتوي تقرير العام 2022 على تحديثات هامة سواء المتعلقة بالتحديثات السياساتيّة، أو المتعلقة بالأحداث، أو أرقام ومؤشرات عن الانتهاكات، حيث وثقنا أكثر من 1119 انتهاكاً رقمياً على منصّات التواصل الاجتماعي، وهذا العدد موثّق بمعلوماتٍ كاملة ومتكاملة، وتقسّم هذه الانتهاكات إلى نوعين: الأول قسم رقابي على المحتوى وما له علاقة بحذف الحسابات أو تقييد الصفحات وحذف وإزالة محتوى، والقسم الثاني هو المحتوى التحريضي والعنيف والتشهير والمضلل.
ويُشير أحمد إلى الأرقام الواردة في التقرير: من إجمالي عدد الانتهاكات وثّقنا قرابة 770 انتهاك حذف وتقييد حسابات ومحتوى، وبقيّة الانتهاكات كانت "تشويه سمعة" وتضليل وغيرها، وفي كلا الحالتين تابعنا معظم هذه الشكاوى وتواصلنا مع شركات مواقع التواصل، وبالفعل استعدنا ثلث الحسابات والمحتوى المحذوف وأزلنا محتوى عنيف موجّه ضد الفلسطينيين، وبقية الحالات ما زالت قيد التواصل والعمل مع الشركات المختلفة سواء "ميتا" ومنصاتها المختلفة، وتويتر، وتيك توك، ويوتيوب.
من هي أكثر المنصّات ممارسة للانتهاكات؟
أكثر المنصات التي تمارس الانتهاكات ضد المحتوى الفلسطيني هي منصة "فيسبوك"، حيث قامت بإزالة أو حذف أو تقييد 407 حسابات أو محتوى، ثم يليها "انستغرام" بعدد 246 انتهاكاً، ومن ثم "واتساب" بعدد 12 انتهاكاً، وهذه المنصات تحتل النسبة الأكبر من جميع هذه الانتهاكات، إلى جانب أنّنا رصدنا أكثر من 162 انتهاكاً تمييزياً ضد الفلسطينيين، فيما وجدنا أنّ مواقع التواصل التابعة لشركة "ميتا" هي الأعلى انتهاكاً، والجهات المنتَهَكة غالباً تكون من المدافعين عن حقوق الانسان والنشطاء والإعلاميين والمؤسّسات الإعلاميّة.
ويُشار إلى أنّ 50 مؤسّسة إعلاميّة فلسطينيّة استنكرت في وقتٍ سابق، الحملة التي تشنها إدارة "ميتا" ضد المحتوى والصحافة الفلسطينيّة، وانحيازها للاحتلال الصهيوني من خلال تقييد وحذف حسابات الصحفيين والمؤسّسات الإعلاميّة.