طالما عاشت المرأة الفلسطينية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، أوضاعاً اقتصادية واجتماعية وحقوقية، لا تشبه سواها لدى النساء الأخريات، منذ تهجير الفلسطينيين عن بلادهم على أيدي العصابات الصهيونية عام 1948، وتعرضهنّ لظروف القهر الاستثنائية التي يعانيها فلسطينيو لبنان، من حرمانهم أساسيات الحقوق المدنية، وأبرزها حق العمل والتملك، والاستفادة من التقديمات الاجتماعية في البلد المضيف، وسواها.
ظروف الفلسطينيين، ازدادت تفاقماً إثر أزمة الانهيار الاقتصادي التي بدأت مفاعيلها منذ العام 2019 بالبروز في مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين، لتحدث العديد من التغييرات في واقع المرأة، بعد أن طحنت الأزمة العوائل الفلسطينية وأحالت 93% منهم إلى ما دون خط الفقر، وهو ما حملّ المرأة الفلسطينية المزيد من الأعباء النفسية والجسدية، خلال محاولتها موازنة كفة الحياة، واجتراح كل ما يمكّن أسرهنّ من الاستمرار، ليتعدى بذلك دورها حدود الأسرة.
ارتفاع ملحوظ غير موثق رسمياً لعمالة المرأة في المخيمات
يمر يوم المرأة العالمي في 8 آذار/ مارس للعام 2023 الجاري، فيما تنشغل النساء بالانخراط في أعمال ووسائل توفر الحد الأدنى من الأمان المعيشي لأسرهن، لترتفع نسب النساء العاملات بشكل ملحوظ، بحسب تقديرات غير رسمية من قبل نشطاء اجتماعيين.
الناشطة الاجتماعية في مخيم برج البراجنة فردوس ميسور نصار، تقدّر نسبة نساء المخيم الذين أجبرتهنّ الأزمة على الانخراط بسوق العمل بنحو 60%، بدأن اجتراح ما يمكنهن من دعم أسرهنّ معيشياً، ومشاركة الرجل بتحمل الأعباء المادية، وجلّها أعمال تقمن بها في منازلهنّ، كالمبيع عبر الإنترنت، والطبخ للجمعيات والمؤسسات، وأعمال التزيين ومشابه من أعمال يدوية بسيطة تساعد في تدبر الأمور المعيشية.
وتشير الناشطة نصار في حديث لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين، إلى أنّ ذلك حمّل المرأة الكثير من الأعباء النفسية، نظراً لكون الأعمال المنزلية المُنتجة معيشياً، أضيفت إلى المسؤوليات الأولى لها، والمتعلقة بشؤون المنزل وتربية الأبناء ومتابعة يومياتهم الدراسية وسواها.
واعتادت المرأة الفلسطينية، على تعاظم دورها الاجتماعي والكفاحي في المحطات الكبرى، ودائماً ما تجد نفسها مضطرة للخوض في مضمار مناضلة الأزمات جنباً إلى جنب مع الرجل، كأمر بات طبيعياً، تدفع إليه ظروف لجوئها وفقدانها للوطن، وطالما ظهر ذلك في المحطات النضالية والثورية الطويلة التي عاشها وما يزال يعيشها الفلسطينيون.
العديد من الرجال الرافضين سابقاً لعمل المرأة، باتوا اليوم مرحبين، سواء برضاهم أم دونه، وهذا وفر فرصة للمرأة لإثبات أنّ دورها ليس فقط محصور في المنزل
وتعتبر الناشطة فردوس نصار، أنّ الأزمة المعيشية العاصفة بمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، دفعت المرأة إلى ميادين العمل، على عكس رغبة الكثير من الرجال في المجتمع، الذين طالما تمترسوا خلف أفكار ترفض عمل المرأة وصرفها على المنزل.
وأشارت إلى أنّ العديد من الرجال الرافضين سابقاً لعمل المرأة، باتوا اليوم مرحبين، سواء برضاهم أم دونه، بحسب تعبيرها، ووفر ذلك فرصة لها للإثبات بأنّ المرأة ليست فقط للمنزل، وإنما قادرة على تحمل مسؤولياتها المنزلية، إلى جانب المساهمة الفاعلة في توفير الأمان المعيشي، في ظل ارتفاع أجرة المنازل وفواتير الكهرباء والغلاء المعيشي الذي يهدد الأمن الغذائي للعائلات الفلسطينية في المخيمات.
وتلفت نصار، إلى أنّ الأعمار التي انخرطت فيها النساء لدعم أسرهنّ، لم تَحظَ بدعم من قبل المعنيين وعلى رأسهم وكالة "أونروا" رغم المطالبات الواسعة للوكالة، بدعم مشاريع صغيرة خاصة بالنساء، وخصوصاً نوعية الأعمال التي تقوم بها النساء في المنازل، وتحتاج إلى دعم مالي ولوجستي بسيط، ليكون منتجاً بشكل أفضل.
المرأة الفلسطينية اللاجئةتحية لـ #المرأة_الفلسطينية من تقاريرنا السابقة سلوى أبو شلّاح - لاجئة فلسطينية في #مخيم_شاتيلا جنوبي #بيروت تعمل مثل الرجال لتعيل أبناءها #يوم_المرأة_العالمي #نساء_فلسطين #فلسطينيات
Posted by بوابة اللاجئين الفلسطينيين on Wednesday, March 8, 2023
دور المرأة يتعدى الأسرة إلى المجتمع
وتعدى دور المرأة الفلسطينية في مواجهة تبعات الأزمة الاقتصادية، مضمار المساهمة في الإنتاج المعيشي لأسرهنّ، وتحولهنّ إلى جناح أساسي لا يوازن الاحتياجات في حدها الأدنى فحسب، بل الخوض في ميدان المبادرات الاجتماعية الهادفة إلى مواجهة تداعيات الأزمة على الصعيد المجتمعي العام.
وتشير الناشطة في "لجان المرأة الشعبية" وهي إحدى المؤسسات النسوية في مخيم شاتيلا ببيروت، منار شاميّة، في حديث لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين، إلى تكاتف نسائي وإطلاق مبادرات لدعم الكثير من الحالات الاجتماعية الخاصة، التي تأثرت بالأزمة ولم تعد قادرة على تأمين متطلباتها الصحية والغذائية وسواها.
وتنطلق الناشطة شامية في تقييمها لنشاط المرأة في ظل الأزمة، من كون المرأة الفلسطينية تختزن طاقة كفاحية كبيرة، تجعلها تختلف عن سواها من النساء بحكم الظروف الاستثنائية التي تعصف بالشعب الفلسطيني، ما يجعلها غير قادرة على الوقوف مكتوفة الأيدي دون نشاط فعال على الصعيد العام.
وقالت شاميّة، إنّ عدة مبادرات نسائية جرت عبر "لجان المرأة الشعبية" وبتفاعل من قبل نساء المخيم، لدعم حالات صحيّة بعينها، وتأمين تكاليف دخول مستشفيات لأشخاص فقراء، وإجراء عمليات جراحية. فضلاً عن التحركات الاجتماعية المطلبية لتحسين جودة الحياة في المخيم.
وتنطلق المرأة في تلك المبادرات، مدفوعةً بحرصها على مواجهة انعدام الأمان المعيشي، الذي بات يؤثر على الحياة النفسية داخل منازلهنّ. لذلك تحاول مجموعات النساء خوض تحركات تجاه الفصائل لمواجهة غلاء الأسعار، عبر الضغط من أجل تحديد سعر ثابت لإيجارات المنازل داخل المخيمات، والانخراط بقوة في النضال المطلبي تجاه وكالة "أونروا" ولا سيما العائلات المجردة من الدعم الاجتماعي وليس لديها مداخيل ثابتة. حسبما توضح الناشطة شاميّة.
أولويات المرأة الفلسطينية اللاجئة، على الأصعدة الحياتية، تختلف عن سواها من النساء خارج المخيمات
وتلفت شاميّة، إلى أولويات المرأة الفلسطينية اللاجئة، على الأصعدة الحياتية، والتي تختلف عن سواها من أبناء الجنسيات "المستقرة" خارج المخيمات. وهي أولويات حكمتها خلال تاريخ طويل من التهميش والحرمان من الحقوق، وتتركز في توفير متطلبات الأمان الاجتماعي والمعيشي، دوناً عن عوامل الرفاه.
فالأزمة الاقتصادية، فرضت جملة من التقليصات على المرأة الفلسطينية، تطال أساسيات الحياة، كـ المأكل والمشرب والملبس وتأمين الخدمات كالكهرباء والماء وسواها، والتي باتت تكاليفها تهدد بإخراجها من حياتهنّ. في وقت تدفع النساء الأخريات إلى تقليص لوازم الرفاه كالرحلات الترفيهية، وتغيير بعض سلوكيات الاستهلاك. بحسب شامية.
وتضيف الناشطة في لجان المرأة، أنّ سعي نساء المخيمات الدؤوب، من أجل ألّا تقضم التقليصات التي يفرضها الفقر والانهيار المعيشي أساسيات حياة ابنائهن، جعلهنّ يتحملّن أعباءً نفسية شديدة، راكمها ضغط العمل والبحث عن مصادر دعم معيشيّة، ومحاولاتها المستمرة لإعادة ضبط ميزانيات المنزل لتتناسب مع الغلاء وانهيار القيمة الشرائية.
وكانت المخيمات الفلسطينية في لبنان قد شهدت العديد من المبادرات النسائية خلال سنوات الأزمة ومحطاتها، التي تشير إلى لعب النساء أدواراً اجتماعية في خضم الأزمة، والجدير ذكره هنا إنشاء مجموعة من نساء مخيم برج البراجنة تجمعاً حمل عنوان "نساء من أجل المخيم" ، ويهدف إلى تحسين الواقع المعيشي داخل المخيم على صعيد البنية التحتية أو الاقتصادية أو التربوية، عبر الخوض المطلبي تجاه المؤسسات المعنية.
إضافة إلى مبادرات نسائية هدفت إلى خلق فرص عمل للنساء، كإنشاء "سوق المخيم" لتسويق منتجات يدوية ومنزلية بأسعار تكون مدروسة وتمكن اللاجئين الفلسطينيين من شراء احتياجات ضرورية، لكنها أصبحت صعبة المنال في ظل الغلاء الفاحش في الأسعار الناتج عن الأزمة الاقتصادية اللبنانية.
فضلاً عن ذلك لعبت النساء في المخيم، دوراً مهماً في تحريك بعض الملفات، ولا سيما أزمة المنازل الآيلة للسقوط، والتي تفاقمت إثر الهزات الأرضية، وهو ما جرى مؤخراً حين وثّقت ناشطات عشرات المنازل وقدمتها لإدارة الوكالة. إضافة إلى مشاركتهنّ بعشرات التحركات والأنشطة الفعالية التي عجّت بها المخيمات على امتداد سنوات الازمة.