تؤكّد تصريحات المفوّض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني خلال المؤتمر الصحفي على هامش اجتماعات اللجنة الاستشارية يوم أمس في بيروت، على خطورة الوضع المالي الذي وصلت إليه الوكالة الأممية.
وخلال المؤتمر، قال المفوّض العام إنّ الوكالة "محتجزة في وضع راهن لا يحتمل"، في حين أنّ أرجحية توقّف عملها على كافة الأصعدة تقع في المرتبة الأولى، في حال لم تحصل على التمويل اللازم في حلول أيلول/ سبتمبر المقبل، بحسب المفوّض لازاريني.
وتحدث "لازاريني"، عن جهود الوكالة في إطار حشد التمويل، وتحذير الشركاء والدول الأعضاء من أرجحية توقف عمل الوكالة، وحرمان 4 مليون صبي وفتاة في مجتمع اللاجئين الفلسطينيين من التعليم والتغطية الصحية، وتوقف شبكة الأمان للفقراء.
وفي المقابل، ردّت فصائل وجهاتٍ فلسطينيّة بالتحذير من توقّف خدمات وكالة "أونروا" التي تقدّم لملايين اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس.
توقّف خدمات الوكالة سيسبّب كارثة إنسانية
بدورها، قالت حركة حماس تعقيباً على المؤتمر الصحفي الذي عقده المفوّض العام: يتمسّك اللاجئون بوكالة "أونروا" باعتبارها شاهداً على قضية اللاجئين وحق العودة، ويؤكّدون على ضرورة استمرارها في تقديم خدمات الإغاثة والتشغيل للاجئين حتى زوال الاحتلال وعودتهم إلى أرضهم التي هُجِّروا منها بفعل الاحتلال والمجازر الصهيونيّة.
وحذّرت الحركة في بيانٍ لها، المجتمع الدولي وخصوصاً الدول المانحة من أنَّ توقّف عمل "أونروا" عن تقديم الخدمات، سيسبّب كارثة إنسانية بحق اللاجئين الفلسطينيين لا تُحمد عُقباها، وبالتأكيد سيكون لها انعكاسات خطيرة على كافة المستويات وفي كافّة الاتجاهات.
ووجّهت الحركة نداءً باسم الشعب الفلسطيني للدول المانحة المنضوية في اللجنة الاستشارية لوكالة "أونروا" المجتمعين في بيروت، بضرورة تأمين الدعم اللازم للوكالة لتتمكّن من الاستمرار في القيام بواجباتها تجاه مجتمع اللاجئين عموماً، واللاجئين الفلسطينيين في لبنان بشكلٍ خاص.
كما طالبت الحركة الدول المانحة بتقديم دعم خاص للوكالة في لبنان، للتمكّن من التخفيف من حدّة المعاناة الانسانية والمعيشية للاجئين الفلسطينيين، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية القاتلة التي تضرب لبنان منذ سنوات.
اللجنة الاستشارية قادرة على حل الأزمة
ومن جهته، قال مدير دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية فتحي كليب في تصريحاتٍ للصحفيين على هامش اجتماعات اللجنة الاستشارية، إنّ اللجنة الاستشارية قادرة على حل الأزمة المالية التي تعيشها "أونروا" لو امتلك بعض أعضائها الحد الأدنى من الإرادة على الحل، خاصة وأن (19) دولة مانحة أعضاء في اللجنة قدموا مساهمات مالية خلال العام الماضي اقتربت من مليار دولار للموازنة الاجمالية ونحو 650 مليون دولار لموازنة الصندوق العام، لذلك فمن غير المنطقي أن اللجنة الاستشارية تؤكّد دعمها للوكالة وبالمقابل يحجم معظم أعضائها عن حل الأزمة المالية.
وأكَّد كليب أنّ هناك العديد من التحديات مطروحة بقوة أمام جميع الأطراف المعنية وفي مقدمتها القدرة على توفير أموال كافية تواكب الاحتياجات المتزايدة للاجئين ومواجهة الضغوط التي تتعرّض لها مجموعة من الدول المانحة لوقف أو تخفيض مساهماتها المالية، والتحدي الثاني مواصلة الدعم السياسي من قبل دول بدأت تقترب أكثر من المواقف "الإسرائيليّة"، مما يؤثّر على الوكالة التي تخسر سنوياً من رصيدها دعماً دولياً قد يُؤثر على الدعم الذي تحظى به قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وأشار كليب إلى أنّ التحدي الثالث هو في قدرة اللجنة الاستشارية على مواجهة حملات التحريض باتجاه مناهج التعليم الخاصة بالوكالة وباتجاه برامج الوكالة نفسها بدعوة المانحين الرئيسيين للاشتراط على وكالة "أونروا" وكيفية إنفاقها الأموال أولاً وحصرها بتجمعات معينة دون غيرها، وأيضاً باتجاه موظفي الوكالة وملاحقتهم بزعم خرقهم لما يُسمى "الحيادية".
المطلوب حراك موحّد
وبيّن كليب، أنّ التحدي الرابع هو إجراءات تقوم بها الولايات المتحدة مثل إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني بشكل يختلف عن تعريف "أونروا" بهدف إنقاص أعداد اللاجئين إلى أقل من مئة ألف لاجئ، مُؤكداً أنّ هذه التحديات وإن كانت قديمة، لكن يتم استحضارها بشكل دائم لجعل الوكالة واللاجئين في حالة دفاعية، يستجدون الدعم المالي والإغاثي من قبل دول تساهم في مواقفها الداعمة للاحتلال في إطالة عمر الصراع، وهذا ما يجب أن تتنبه له كل المرجعيات الرسمية والسياسية والفصائلية والشعبية الفلسطينية لجهة تطوير خطابها السياسي، واعتبار أن ما تتعرض له الوكالة خطر يُهدد بشكلٍ مباشر حق العودة والحقوق الوطنية الفلسطينيّة.
ورأى كليب، أنّ ذلك يستدعي القيام بتحرّكات موحّدة توصل وجع اللاجئين إلى الدول المانحة، إلى جانب سياسةٍ فلسطينيّةٍ موحّدة ومرجعيّة تقود نضال اللاجئين في مختلف تجمعاتهم دفاعاً عن حقوقهم الوطنيّة والاجتماعيّة.
دعوة لإطلاق نداء دولي
وفي السياق، طالبت اللجنة المشتركة للاجئين في قطاع غزّة، الدول المتعهدة والداعمة بعدم التخلي عن مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية والالتزام بما تعهدت به أمام المجتمع الدولي وعدم العودة إلى الخلف بتقليص الأموال المقدمة لوكالة "أونروا" لما لذلك من انعكاسات سلبية وخطيرة على الخدمات المقدمة لحوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني.
كما طالبت اللجنة المشتركة في بيانٍ لها، كافة المجتمعين في بيروت لإطلاق نداء للمجتمع الدولي لإنقاذ وكالة "أونروا" من الأزمة المالية التي تعصف بها منذ سنوات مضت، ونحن على يقين أن الاستهداف لوكالة "أونروا" كمؤسسة دولية له مضمون وأبعاد سياسية متعلقة بمسألة حق العودة للاجئين الفلسطينيين ومحاولات متكررة للابتزاز السياسي بثوب مالي من أجل التخلي عن حق العودة والقرار الأممي 194.
وشدّدت اللجنة على أنّ حق العودة هو حق أصيل لا يسقط بالتقادم وغير قابل للمساومة أو المقايضة بالمال وأنّ وجود "أونروا" هو وجود مؤقت لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى أن تأتي الفرصة السانحة لممارسة حق العودة.
وحمّلت اللجنة المشتركة، اللجنة الاستشارية المسؤولية من أجل القيام بالدور المنوط بها والضغط على الدول المتعهدة لإقرار سياسة التمويل المستدام القابل للتنبؤ وتوسيع دائرة الدول والهيئات المتعهدة تماماً كما هي قرارات مؤتمر بروكسل في نوفمبر الماضي الهادف إلى ارساء سياسة التمويل المستدام بديلاً عن التسوّل الدائم، مُؤكدةً أنّها تقف إلى جانب "أونروا" كي تبقي مؤسسة قوية وفاعلة مناط بها خدمة 6 ملايين لاجئ فلسطيني لا زالوا ينتظرون العودة إلى الديار التي هجروا منها بفعل عدوان عصابات الاحتلال والذي لازال قائماً بفعل قوة السلاح والقتل والقهر لأبناء الشعب الفلسطيني.
ويوم أمس، نظّمت اللجان الشعبيّة في قطاع غزّة والضفة المحتلة وفي مخيمات لبنان وقفات حاشدة أمام مقرات "أونروا"، وذلك لمطالبة اللجنة الاستشاريّة بوضع حلولٍ مجدية للأزمة المالية المستمرة التي تعاني منها الوكالة.
وفي كلمةٍ ألقاها إبراهيم منصور نيابة عن فصائل العمل الوطني والإسلامي والفعاليات الشعبيّة، أكَّد على رفض تحميل اللاجئ الفلسطيني أعباء الأزمة المالية العاصفة بوكالة "أونروا"، فيما طالب اللجنة الاستشاريّة بعدم المساس بالخدمات المقدمة للاجئين تحت ذريعة الأزمة الماليّة.
ورأى منصور، أنّ على المجتمع الدولي تحمّل مسؤولية العجز المالي لوكالة "أونروا" المالية، وعلى الأمين العام للأمم المتحدة الضغط لاعتماد جزء رئيسي من موازنة "أونروا" على موازنة الأمم المتحدة أُسوةً بباقي المؤسسات الدولية.
وأضاف منصور، أنّه يجب اعتماد سياسة التمويل المستدام بدلاً من العجز المستدام، والعمل الجاد من أجل توسيع دائرة الدول المشاركة بالتعهدات المقدمة لوكالة "أونروا" مع مراعاة الزيادة الطبيعية للسكان واتساع دائرة الاحتياجات لمجتمع اللاجئين.
وانطلقت اجتماعات اللجنة الاستشاريّة أمس في بيروت، بعد نتائج مؤتمر المانحين الأخير الذي عُقد في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة، بداية الشهر الحالي، المخيّبة للآمال، لا سيما وأنّ الأزمة المالية التي تُعاني منها وكالة "أونروا" قد تؤدي إلى نهايتها.