تحتضن مدينة طولكرم بالضفة المحتلة مخيمي طولكرم ونور شمس للاجئين الفلسطينيين من أصل 19 مخيماً فلسطينياً موزعين على امتداد الضفة الغربية، وخلال الشهور الأخيرة طال هذين المخيمين -كما بقيّة مخيمات الضفة- جانباً ليس هيناً من عدوان الاحتلال "الإسرائيلي" الشامل على الأرض الفلسطينيّة.
مخيم طولكرم للاجئين الفلسطينيين، تأسّس في العام 1950 على الحافة الغربيّة للضفة المحتلة، ويعدّ ثاني أكبر مخيم للاجئين في الضفة، وينحدر اللاجئون الفلسطينيون فيه من القرى والمدن التابعة لمناطق حيفا ويافا وقيسارية.
أمّا مخيم نور شمس، فقد تأسّس في عام 1952، إلى الشرق من طولكرم، وتعود أصول اللاجئين فيه إلى القرى الواقعة حول مدينة حيفا المحتلّة.
في الشهور الأخيرة، ومع استمرار عدوان الاحتلال على المخيمات، ضرب مخيما طولكرم مثالاً في التصدّي له وإيقاع الخسائر الكبيرة في صفوف جيشه المجهّز بأعتى المعدّات والأسلحة والتقنيّات الفتّاكة.
الظاهرة العسكرية في مخيم طولكرم امتداد لإرث نضالي موجود
الظاهرة العسكريّة في مخيمات الضفة عموماً ليست وليدة السنوات الأخيرة، ولكن ما هو السياق التي عادت فيه هذه الظاهرة لتطفو على السطح من جديد؟، وأصبح يفتخر فيها الفلسطيني ويشعر بنوعٍ من الأمل؛ بأنّ هناك من يدافع عنه أو على الأقل يقول (لا) في وجه هذا العدوان، في ظل سلطةٍ فلسطينيةٍ تمتلك الآلاف من عناصر الأجهزة الأمنيّة المسلّحين، ولكنّها مكبّلة وعاجزة في آنٍ معاً.
يقول الناشط المجتمعي في مخيم طولكرم علاء سروجي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ الظاهرة العسكريّة في المخيمات الفلسطينيّة بالضفة وفي مخيم طولكرم على سبيل المثال، هي امتدادٌ لإرثٍ تاريخيٍ ونضاليٍ وكفاحي، وحالة نضاليّةٍ عريقة موجودة منذ ما قبل الانتفاضة الأولى داخل المخيم في العام 1987، إذ قدّم مخيم طولكرم مئات الشهداء والأسرى والجرحى.
وأضاف الناشط سروجي: المخيمات بشكلٍ عام ومخيم طولكرم أيضاً احتضن منذ أيّام الانتفاضة المقاومين والمطاردين الملاحقين، وعلى مدار كافة محطّات نضال الشعب الفلسطيني.
مع استشهاد خريوش والشافعي اشتعلت شرارة الرد
وحول كيفيّة تحوّل المخيم إلى بؤرةٍ للمقاومة في السنوات الأخيرة وانطلاق عدّة كتائب عسكريّة فيه، يرى سروجي أنّ اعتداءات الاحتلال اليوميّة بحق الفلسطينيين في المحافظات المختلفة، والاعتداءات على المقدسّات وسرقة الأراضي، حرّكت الشباب الفلسطيني وخاصّة الجيل الحالي للقيام بأعمالٍ نضاليةٍ في محيط محافظة طولكرم.
ويؤكّد سروجي لموقعنا: كل هذه الأعمال والأنشطة النضاليّة شكّلت حالة نضاليّة في المخيم، وخاصّة بعد ارتقاء الشهيدين البطلين حمزة خريوش وسامر الشافعي، وهنا بدأت شرارة الانتقام والرد، وانطلقت الحالة النضاليّة في مخيم طولكرم، والتي ما زالت مستمرة.
ويُشار إلى أنّ الشافعي وخريوش استشهدا بعد أن خاضا اشتباكاً مسلحاً مع قوات الاحتلال في مُخيّم نور شمس للاجئين الفلسطينيين في السادس من شهر مايو/ أيّار الماضي.
وخلال شهر أغسطس الماضي وما سبقه، وبينما كانت تتعرّض المخيمات الفلسطينيّة لهجمةٍ شرسةٍ من جيش الاحتلال، ترافقت هذه الهجمة مع حملةٍ أمنيّةٍ شنّتها أجهزة أمن السلطة الفلسطينيّة بحق بعض مخيمات اللاجئين، حيث كان من ضمنها مخيم طولكرم ومخيم نور شمس، إذ اعتقلت السلطة ناشطين في المقاومة تحت حججٍ وذرائع مختلفة، وأزالت متاريس وحواجز وضعها المقاومون على مداخل المخيمات لإعاقة اقتحامات جيش الاحتلال.
نهج أجهزة أمن السلطة يخيب أمل الفلسطينيين
كان من أبرز ما أسفرت عنه انتهاكات أجهزة أمن السلطة، ارتقاء الشاب عبد القادر زقدح جرّاء إصابته بجروحٍ خطيرة خلال اقتحام الأجهزة الأمنيّة لمخيم طولكرم، ما أدّى إلى اندلاع مواجهاتٍ عنيفةٍ مع أهالي المخيم.
يقول الناشط سروجي في هذا الأمر: هذا هو نهج "أوسلو" وتداعياته، ولكنّ الأصل اليوم هو التمسّك بنهج الوحدة الوطنيّة بين جميع ألوان وأطياف الشعب الفلسطيني، وأن تكون بوصلتنا الوحيدة هي الاحتلال، داعياً قيادة الأجهزة الأمنيّة والسلطة الفلسطينيّة للدفاع عن الشعب الفلسطيني وحمايته.
يتحدث سروجي عمّا يحتاج له أهالي المخيمات في طولكرم وغيرها من المخيمات الأخرى من دعمٍ وإسنادٍ في ظل هذه الأوضاع: المطلوب دعم سياسي حقيقي من خلال رؤيةٍ وطنيةٍ شاملة للحالة النضاليّة، وإسناد من خلال احتضان هذه الأعمال النضاليّة من قِبل القوى السياسيّة ودعمها، حتى لا تصبح آنيّة وموسميّة، ومطلوب أيضاً دعم اللاجئين في المخيم حتى يتعزّز صمودهم في وجه اعتداءات الاحتلال المتكرّرة.
وخلال الرصد الشهري الذي يعدّه بوابة اللاجئين الفلسطينيين، رصدنا خلال شهر أيلول/ سبتمبر الجاري، العشرات من المداهمات والاعتقالات والإصابات المختلفة في مخيمي طولكرم ونور شمس للاجئين الفلسطينيين، فيما ودّع كل مخيمٍ من هذه المخيمات شهيداً واحداً خلال الشهر المذكور.
العسكرة في المخيمات ظاهرة طبيعيّة بدأت مع النكبة
يقول رئيس جمعية قرية وادي الحوارث في مخيم طولكرم حسين الشيخ علي: إنّ المخيمات الفلسطينيّة منذ تأسيسها إبان النكبة وحتى يومنا هذا، كانت حاضنة حقيقيّة للمقاومة والنضال، وخزاناً مليئاً بالثوّار الذين ارتقوا شهداء أو جرحوا أو اعتقلوا في سجون الاحتلال، سواء في الانتفاضة الأولى أو الثانية، وكان هناك عمليات عدّة تحديداً في مخيمي طولكرم ونور شمس إبان الانتفاضة الثانية والاجتياح، واشتباكات وأعمال عسكريّة أدّت إلى إيقاع خسائر كبيرة في صفوف العدو، فيما ارتقى عدد كبير من الشهداء في هذه المخيمات، ولذلك سُمى مخيم طولكرم بـ"مخيم الشهداء" على سبيل المثال، فظاهرة العسكرة في المخيمات والمقاومة المستمرة هي ظاهرة طبيعيّة بدأت منذ تأسيس هذه المخيمات في كل الضفة الغربيّة وليس في طولكرم فقط.
عوامل عدة تجعل المقاومة خياراً وحيداً
ويُرجِع الشيخ تحوّل مخيمات اللاجئين لبؤرٍ للمقاومة، إلى ظروف اللجوء والقهر والتشريد والقتل اليومي والاقتحامات، إلى جانب حالة الإحباط العامّة السائدة لدى الشباب الفلسطيني تحديداً في المخيمات التي تنتشر فيها البطالة والفقر، وأيضاً في ظل ضبابيّة الرؤية السياسيّة للحلول الهزليّة المطروحة ومحاولة استهداف قضيّة اللاجئين والعودة في أكثر من مبادرةٍ سياسيّة، فكل هذا أدّى إلى حالةٍ من الإحباط واليأس يعيشها الشباب الفلسطيني، لذلك تأكّدَ هذا الجيل من الشباب أنّ الطريق الأسلم للعيش بكرامة داخل هذه المخيمات هو المقاومة، وخلق محاولات وأساليب جديدة تنسجم مع رؤيتهم للعودة إلى الوطن وأرض الأجداد التي تشرّدوا منها.
ويضيف الشيخ لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: المخيمات بؤرة ثوريّة بامتدادٍ طبيعي، أي يولد الطفل في المخيم وأوّل شيء يتعلّمه "لماذا هو موجود في هذا المخيم؟"، وأنّه تهجّر من أرضه ووطنه، ويرى ظروف القهر والحصار والجوع التي يعيشها داخل المخيم، وأيضاً يرى صلف الاحتلال في قمع واقتحام المخيمات ليلاً ونهاراً، ويرى المسجد الأقصى كرمزٍ ديني يُعتدى عليه هو وكل الأرض الفلسطينيّة المحتلة، وبالتالي كل هذه الأوضاع تنتِج الأفعال المُقاوِمة، كردّة فعلٍ طبيعيّة من أبناء هذه المخيمات.
المخيمات تحذو حذو مخيم جنين
ويؤكّد الشيخ، أنّ اقتحامات جيش الاحتلال في الآونة الأخيرة سواء لمخيم طولكرم أو نور شمس باءت بالفشل نتيجة صمود أهالي هذه المخيمات ودفاع الكتائب العسكريّة المختلفة التي برزت داخلها، وكان واضحاً أنّ ظاهرة التصدي أوجعت الاحتلال، وأضحى من الصعب عليه الدخول واقتحام المخيم، لذلك تحاول هذه المخيمات اتّباع خطى مخيم جنين في التحصين والحذر الأمني لإفشال اقتحامات الاحتلال.
أمّا بشأن اقتحام أجهزة أمن السلطة لمخيم طولكرم مؤخراً لإزالة المتاريس والحواجز التي وضعها المقاومون، يشدّد الشيخ أنّها خطوة خاطئة ومدانة ومرفوضة، "ولولا الحكماء والعقلاء داخل المخيم لرأينا كارثة حقيقيّة كانت ستقع في هذا المخيم، لأنّ الأصل أن يكون دور الأجهزة الأمنيّة حماية الناس وعدم المساس بأرواحهم، وما حدث مستنكر من الجميع، لأنّ دور الأجهزة الأمنيّة يجب أن يكون حامياً وداعماً للمقاومة في المخيمات، ومسألة اقتحام هذه الأجهزة للمخيمات مرفوضة من كل القوى والطراف الوطنيّة في المخيم، وأي شيء يمس الأمن العام يجب أن يتم اللجوء فيه إلى الحوار".
المقاومون في المخيمات بحاجة إلى حاضنةٍ اجتماعيّةٍ وسياسيّة
يرى الشيخ، أنّ أي ظاهرة للمقاومة سواء في مخيمات اللاجئين أو في أي بقعةٍ أخرى في فلسطين المحتل، هي بحاجة ماسّة إلى حاضنةٍ اجتماعيّةٍ وسياسيّة، وعلى كل القوى والتنظيمات الفلسطينيّة تشكيل غطاءٍ سياسيٍ حقيقي وفعّال تحمي فيه هؤلاء المقاومين الذين يعمل معظمهم بشكلٍ فردي ولا ينتمي لأي تنظيمٍ أو فصيل، فدعم ومساندة هؤلاء الشبّان يكون من خلال توفير حاضنةٍ سياسيّةٍ واجتماعيّةٍ حقيقيّة حتى يتمكنوا من مواصلة النضال والدفاع عن فلسطين وخلق أوراق قوة في وجه الاحتلال.