أعلن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الاثنين 23 أكتوبر/ تشرين الأوّل، عن تلقيه إفادات وشكاوى من لاجئين فلسطينيين في محافظتي غزة وشمال قطاع غزة، بشأن تخلي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عن رعايتهم واستجابة إدارتها لإنذار جيش الاحتلال الصهيوني بالإخلاء إلى وسط وجنوب القطاع.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي في تقريرٍ له، أنّه ينظر بخطورة بالغة لما يمكن اعتباره تساوق إدارة "أونروا" مع مخططات التهجير القسري التي تحاول "إسرائيل" تنفيذها في قطاع غزة بما يخالف القانون الدولي الإنساني وقد يرتقي إلى جريمة حرب، مؤكداً أنّه من الواجب على إدارة "أونروا" في قطاع غزة الالتزام بالقيام بمسؤوليتها في رعاية اللاجئين الفلسطينيين وتقديم الخدمات لهم في ظل ما يتعرّضون له من هجماتٍ عشوائية من "إسرائيل" للأسبوع الثالث على التوالي، بغض النظر عن الموقف "الإسرائيلي".
وقال المرصد: إنّ "أونروا" أعلنت في 13 من الشهر الجاري إخلاء طواقمها العاملة في محافظتي غزة وشمال القطاع بعد وقت قصير من إنذار جيش الاحتلال سكان المحافظتين بإخلاء مناطق سكنهم والنزوح إلى جنوب وادي غزة، من دون توفير ممرات أو بدائل آمنة لهم، وعلى إثر ذلك، اختفت طواقم "أونروا"، ولم يعد هناك من يتابع شؤون النازحين بمن فيهم اللاجئين إلى مراكز الإيواء التابعة للوكالة الدولية التي تنصلت من دورها الإنساني تجاههم بادعاء عدم قدرتها على توفير الحماية لمقراتها.
ونقل المرصد شهادة اللاجئ الفلسطيني محمد أبو عودة الذي نزح مع عائلته من بلدة بيت حانون في شمال قطاع غزة إلى مركز إيواء تابع لوكالة "أونروا"، إذ قال: إنّ إدارة الوكالة "لم توفر لنا سوى الماء والكهرباء فقط وبعض وجبات الطعام، ثم اختفت طواقمها فجأة دون إبلاغنا ودون مراعاة لسوء أوضاعنا تحت القصف الإسرائيلي المستمر".
كما قالت اللاجئة رجاء سعيد التي نزحت مع أطفالها السبعة إلى مركز إيواء تابع لوكالة "أونروا" في حي تل الهوى في غزة: إنّ موظفي وكالة "أونروا" تخلّوا عن مسئولياتهم ولم يتواصلوا معهم بأي معلومات رغم تكرار التقارير عن عزم "إسرائيل" قصف المركز لإخلائه بالقوة ما تركهم في رعب وفزع دون حد أدنى من احتياجاتهم الإنسانية، وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن "أونروا" يقيم حوالي 406 ألف نازح في 91 منشأة تابعة للوكالة، لكنها تذكر فقط المناطق الوسطى وخان يونس ورفح وتتجاهل كلياً ذكر النازحين إلى مراكز الإيواء في غزة وشمال القطاع.
وشدّد المرصد الأورمتوسطي، على أنّ إدارة "أونروا" تخلّت عن مسؤولياتها القانونيّة والإنسانيّة بعد أن تركت عشرات آلاف النازحين يواجهون مصيرهم، وأدارت ظهرها لهم داخل مراكز الإيواء من دون أي تنسيق وهو ما شكّل عاملاً إضافياً في خلق أجواء ترهيب نفسي لهم للضغط على المدنيين لإخلاء مناطق سكانهم، بل تساوقت "أونروا" لاحقاً بتنفيذ الطلب "الإسرائيلي" بتوزيع المساعدات الإنسانية -التي دخلت تحت إشرافها من معبر رفح مع مصر- على النازحين فقط في جنوب غزة واستثناء من لا يزالون في مراكز الإيواء في غزة وشمال القطاع بالنظر إلى عدم توفر ملجأ أمن لهم.
وأكَّد المرصد، أنّ إدارة "أونروا" ينبغي لها رفض إملاءات "إسرائيل" وأن تكرس بأن المدنيين النازحين محميون وفق القانون الدولي ولا يجب ابتزازهم بالاحتياجات الإنسانية وترهيبهم لتمسكهم برفض إخلاء مناطق سكنهم، حيث تتولى وكالة "أونروا" تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية والتربوية لنحو 5,7 ملايين لاجئ فلسطيني موزعين على مخيمات في سوريا والأردن ولبنان إضافة إلى مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقدّر المرصد عدد اللاجئين في قطاع غزة بنحو 1.4 مليون نسمة يشكّلون أكثر من 60 في المائة من إجمالي السكان ويعتمدون على الخدمات المقدّمة من "أونروا" في تسيير حياتهم في ظل تداعيات الحصار المفروض منذ عام 2006، لافتاً إلى أنّ دور "أونروا" لا يتعلّق فقط بتقديم الخدمات، بل برمزيتها ككيانٍ يذكّر المجتمع الدولي ليتحمّل مسؤولية حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وتوفير الاحتياجات الإنسانية والحماية لهم، مؤكداً أنّه في وقت النزاعات المسلحة تتضاعف المسؤوليات على إدارة "أونروا" ومثيلتها من المنظمات الدولية في حماية المدنيين النازحين إلى مقرات الإيواء لهم، وأن التنصل من تلك المسئوليات يستوجب التحقيق مع كبار المسئولين في إدارتها والتراجع الفوري عنه.
وخلال اليوم الاثنين، عبّر الفلسطينيون النازحون في مراكز الإيواء شمال قطاع غزة وجلهم من اللاجئين الفلسطينيين عن غضبهم تجاه وكالة "أونروا" التي تخلت عن مراكزها في الشمال، وتركت مراكز الإيواء دون تقديم خدمات غذائية وصحيّة وإغاثية.
ونفّذ النازحون داخل أحد مراكز الإيواء في منطقة جباليا شمال القطاع، وقفة غاضبة، لتخلي وكالة "أونروا" عنهم، وانسحابها إلى مناطق جنوب غزّة، ورفعوا لافتات طالبت الوكالة بتحمل مسؤولياتها، واعتبروا انسحابها من مراكز النزوح، عمل غير إنساني، ويتناقض مع دورها ووظيفتها.
وألقى المحتجون بياناً، نبهوا فيه إلى خطورة انسحاب الوكالة من مهامها الإنسانية شمال القطاع، معتبرين ذلك أوّل تخل للوكالة عن مهامها تجاه اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948، وتركها النازحين في غزّة دون غذاء ودواء ومأوى.
وتضم مراكز الإيواء وهي عبارة عن المدارس والمراكز التابعة للوكالة، آلاف الأسر النازحة عن الأحياء السكنية ومخيمات اللاجئين المستهدفة بحرب الإبادة والتهجير "الإسرائيلية" تجاه أهالي القطاع ومناطق الشمال تحديداً.
وكانت الوكالة قد غادرت مقراتها في الشمال، عقب إنذار تهجيري وجهه الاحتلال لأهالي شمال القطاع يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بالتوجه إلى منطقة وادي غزّة جنوباً.
وأدانت الحكومة في غزة، ومنظمات المجتمع المدني والفصائل الفلسطينية، قرار الوكالة بالانسحاب من شمال غزّة، كونه "يخدم المحاولات "الإسرائيلية" لخلق نكبة جديد بحق اللاجئين، وهو ما يجب التصدي له بالقوة، وسيفشله شعبنا بكل ما أوتي من قوة".
وتعاني مراكز النزوح شمال قطاع غزّة، أوضاعاً إنسانية صعبة، جرّاء النقص الحاد في المستلزمات الإغاثية الإيوائية، فضلاً عن الطعام والمياه والدواء، في حين تبذل المنظمات التطوعية والمبادرات الأهلية جهوداً لتوفير الغذاء والمياه، وسط مناشدات متكررة لعودة الوكالة وإنقاذ حياة مئات الآلاف المتروكين دون إغاثة وحماية، في ظل الاستهداف "الإسرائيلي" الذي يتعمد قتل المدنيين.
وفي بيروت، اعتصم ناشطون في مؤسسات وجمعيات أهلية فلسطينية وعشرات اللاجئين الفلسطينيين من المخيمات الفلسطينية في لبنان كافة، أمام المقر الرئيسي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، رفضاً لمواقف وكالة "أونروا" النازحين إلى مدارسها في قطاع غزة، وما وصفته بـ "الوكالة والمنظمات الدولية عن أداء واجباتها في إغاثة وحماية المدنيين".