بعد مرور أكثر من شهرين على حرب الإبادة الجماعية، التي ينفذها جيش الاحتلال "الإسرائيلي" يومياً وبدعم أمريكي وغربي، تخطى عدد الشهداء 18 ألفا، نحو 8697 منهم من الأطفال، و4016 امرأة، دوناً عن الذين لم يعثر على أجسادهم تحت الأنقاض، ليكون حوالي 70% من الشهداء من النساء والأطفال.
تتكرر مأساة الناجين بشكل يومي، بين البحث عن الطعام، والدواء والمأوى وفي تصريح للمفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا" قال: "كل صبي وصبية قابلتهم في ملجأ الوكالة، طلبوا مني الخبز والماء."
هذه الإبادة الجماعية، والعقاب الشامل الذي تفرضه حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" على قطاع غزة، يدفعنا لطرح سؤال، حول مدى الكارثة الإنسانية التي يعانيها الناجون في غزة، خصوصاً النساء، اللواتي يحتجن الى رعاية صحية خاصة، في فترة الحمل والنفاس والدورة الشهرية، وهن نازحات في الخيام، في العراء، وفي أماكن مكتظة وغير مجهزة للسكن، وانقطاع لكل الخدمات الرئيسية، وشح بالمساعدات. فما هي الشروط التي تفرضها إسرائيل على حياة النساء، في ساحة مفتوحة للموت بكل الاحتمالات؟
المرأة الحامل في القطاع بين خطر النجاة والموت
في إحصائية للجهاز المركزي الفلسطيني، بلغ عدد نساء غزة حوالي 1.10مليون قبل الحرب، استشهد منهن حوالي 4000، ليصبح عدد النساء 996000 ألفاً. تقبع هذه النساء في أوضاع مأساوية، يستحيل فيها الحفاظ على الصحة الجنسية، تواجه ما يقارب 50 ألف امرأة حامل في القطاع، خطر الموت وفقدان الجنين، خاصة مع الاستهدافات الاخيرة للمستشفيات، شهد قسم الولادة والنساء، في مستشفى الشفاء-المحاصر من قبل الجيش "الإسرائيلي"- إكتظاظاً عالياً، حيث تحول المشفى كمأوى لآلاف النازحين في القطاع.
عجزت الطواقم الطبية عن معاينة النساء الحوامل، وتقديم الخدمات الصحية الضرورية، بالتزامن مع نقص حاد في المواد الطبية، تُركت النساء الحوامل في غزة، بمواجهة مصير الموت والإجهاض والنزيف الحاد، ما ينذر بوقوع كارثة صحية/ديموغرافية، في الشهرين الماضيين، ارتفعت نسبة الإجهاض للنساء الحوامل بحوالي ثلاثة أضعاف عن الوضع الطبيعي، وكان الوضع مأساويا أكثر للنساء اللواتي استمررن بالحمل، تحت القصف والتهجير، فقدت العديد من النسوة حياتهن وحياة أجنتهن، بسبب شدة الإصابة، أو عجز الكوادر الطبية عن إجراء المعاينات، واستهداف قناصة الجيش الاسرائيلي، للنساء الحوامل على أبواب مستشفى كمال عدوان.
15 ألف امرأة فلسطينية وجدن أنفسهن مضطرات لمواجهة خطر النزيف الحاد والتعقيم وخطر فقدان الجنين وإجراء عمليات دون مخدر
الواقع الاستشفائي المرير في غزة، خاصة فيما يتعلق بالصحة الإنجابية للمرأة، حال إلى منع نساء صغيرات بالسن من حلم الأمومة، وتسبب في تعقيم العديد من الشابات في القطاع، اللواتي اضطررن لرفع أرحامهن، بالرغم من إمكانية التعامل مع هذه الحالات في الأوضاع الطبيعية، في تصريح للطبيب عائد أبو حصيرة"(رئيس قسم النساء والولادة في مستشفى الشفاء)"يقول فيه: “إن قسم الولادة اضطر لرفع الرحم للكثير من النساء، رغم أنهن صغيرات بالسن للحفاظ على حياتهن، خاصة أن الأطباء لا يستطيعون التعامل مع المضاعفات للعمليات الجراحية المختلفة".
وأكد صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين أن 15 ألف امرأة فلسطينية، انتظرن أن يلدن في شهر أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، وسط رغبتهن بالحفاظ على الجنين، ومواجهة خطر الموت في كل دقيقة، وحاجتهن الملحة، للعناية الخاصة، قبل وبعد الولادة، وجدن أنفسهن مضطرات، لمواجهة النزيف الحاد، والتعقيم، وخطر فقدان الجنين، وإجراء العمليات الجراحية الولادة القيصرية أو الطبيعية/الإجهاض، دون مخدر، ومسكن للآلام، باستخدام بدائل بدائية للمطهرات، مثل الخل والكلور.
دون ماء، أو فوط صحية: كيف تحافظ النساء على صحتهن الإنجابية؟
منذ بداية العدوان "الإسرائيلي"، عمدت النساء في غزة إلى استخدام حبوب منع الحمل، لتأخير الدورة الشهرية، أو منعها، بالرغم من خطورة هذه الحبوب، والتحذير من تبعاتها، على مستقبل المرأة/الفتاة الإنجابي، والصحي بشكل عام، حيث ترفع هذه الحبوب نسبة الاصابة بسرطان الثدي، و تسبب نزيف مفاجئ، خلال أول شهرين من استخدامها، في قطاع منهار صحياً، لا يحتوي على فوط صحية، مناديل ورقية، أو ماء وصابون.
مرت كل فتاة في قطاع غزة، خلال الشهرين الماضيين بالدورة الشهرية، من مرتين إلى ثلاث مرات، مع آلام مضاعفة بسبب الخوف والهلع، وسط البرد والجوع، التهجير والنوم على البلاط، أو في خيام بلاستيكية وسط المطر والعواصف، وفي مراكز إيواء غير جاهزة لاستقبال هذا العدد من النازحين، دون غطاء أو ثياب ثقيلة، وانعدام تام للفوط الصحية، مع خروج المراكز الصحية عن الخدمة، وعدم توفر مواد للتعقيم، وأماكن آمنة للإغتسال.
تعليقاً على وضع النساء في القطاع، توضح ليندا الأعرج(كاتبة فلسطينية من غزة/تواجدت في الجزائر أثناء الحرب، فيما بقي أهلها في القطاع) لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "أتواصل مع أهلي بصعوبة بسبب انقطاع الكهرباء وشبكة الانترنت، تعيش النساء في غزة في وضع مأساوي، انقطاع المياه والدواء، والاكتظاظ الكبير في مدارس الإيواء، يجبر الناس على الوقوف لساعات لدخول المرحاض، والمساعدات الإنسانية التي تدخل غزة لا تحتوي على ما تحتاجه النساء في فترة الدورة الشهرية."
بات الحفاظ على الصحة الجنسية للمرأة مستحيلاً وغير ممكن، خاصة في مراكز الإيواء المزدحمة والخيم البلاستيكية، وعدم توفر المياه النظيفة للشرب أو للتعقيم
بعد مرور أكثر من60 يوماً على العدوان، وبسبب عدم توفر حبوب منع الحمل، لم تعد النساء قادرة على جعلها خياراً لتأجيل الدورة الشهرية، وتفاقمت الحاجة الى الفوط الصحية، التي يؤدي فقدانها أو عدم تغييرها بشكل مستمر، إلى كارثة صحية، تنذر بالإصابة بالعقم الثانوي، وآلام حادة نتيجة الالتهابات، والعدوى الفطرية، لذلك تماماً بات الحفاظ على الصحة الجنسية للمرأة مستحيلاً وغير ممكن، خاصة في مراكز الإيواء المزدحمة و الخيم البلاستيكية، وعدم توفر المياه النظيفة للشرب أو للتعقيم، أثار هذا الوضع المعيشي الكارثي، لدى خبراء الصحة العامة المخاوف من الانتشار الوشيك للأمراض المعدية(الوبائية)، بما فيها الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والتيفوئيد، بالإضافة إلى استخدام النساء مراحيض مشتركة بين المئات من العائلات، التي ينتظر النازحون ساعات للدخول إليها، حيث لا تحظى النساء بأقل قدر من الخصوصية والحماية فيها، ومع عدم توفر أي احتمال للحفاظ على النظافة الشخصية خلال فترة الدورة الشهرية.
كل الإناث في غزة، بمختلف شرائحهن العمرية، معاناتهن مضاعفة في الحرب، غياب الحاجات الأساسية للنساء، يعرقل ممارستهن للمسؤوليات التي تزايدت خلال العدوان، أصواتهن رغم كثرتها غير مسموعة، ومطالبتهن المستمرة بالفوط الصحية، او المناديل، تبدو رفاهية للعالم، الذي لا يعترف بالصحة النفسية والجسدية للمرأة، وانتهاك جيش الاحتلال لحقها الإنساني في الحصول على المستلزمات النسائية، والأهم لا يدرك خطورة الوضع على مستقبل النساء/الفتيات الإنجابي بعد الحرب.