وسط إلغاء مظاهر الاحتفال بشهر رمضان الذي حل في ظل ظروف نفسية قاسية يعيشها الفلسطينيون في المخيمات الفلسطينية بلبنان، عاشت كثير من العائلات الفلسطينية اللاجئة طقوساً مختلفة عما اعتادت عليه، فرضته الآلام النفسية والأوجاع التي خبرها اللاجئون الفلسطينيون جراء دخول الشهر الفضيل فيما يتعرض قطاع غزة لحرب إبادة جماعية وتجويع من قبل الاحتلال "الإسرائيلي" استمرت طيلة أيام الشهر وما تزال.

لذا مع اقتصار مظاهر رمضان على العبادات والطقوس الدينية فقط، وجد كثير من اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم غير قادرين أو مستعدين نفسياً لممارسة طقوس اعتادوا عليها، لا سيما في المأكل والمشرب فيما الفلسطينيون في قطاع غزة يواجهون مجازر الإبادة ويقضون أيام رمضان كما غيرها من حيث الجوع وعدم توفر الطعام.

عائلة عبادي في مخيم مار الياس وسط بيروت واحدة من عائلات كثيرة، لم تمل نفسها إلى إعداد الوجبات التي اعتادت عليها خلال الأعوام السابقة في رمضان، مع متابعة مشاهد الأطفال والكبار في القطاع المحاصر الرازح تحت جرائم الإبادة وهم يتضورون جوعاً، بل ويستشهدون جراء سوء التغذية والجفاف، أو بالرصاص "الإسرائيلي" حين يحاولون الحصول على طعام من شاحنات المساعدات.

مع كل لقمة تناولناها في رمضان كان هناك ألف غصة ودمعة

"مع كل لقمة نأكلها هناك ألف غصة ودمعة" هكذا تقول ربة العائلة فهمية عبادي حين استضافت فريق بوابة اللاجئين لتصوير طعام إفطار عائلتها المتواضع جداً، والتي قررت ان يكون كذلك ما دام الفلسطينيون في قطاع غزة لا يجدون ما يأكلون، كطريقة تضامن من قبلها مع الفلسطينيين في غزة، واستشعار بما يكابدون من جوع وقهر.

مشهد الأطفال الذين يموتون جوعاً سيظل محفوراً في ذاكرة فهمية، وذلك الطفل الذي يجمع بكف يديه طحيناً تلطخ بدم ابن عمه أبكى أفراد عائلتها جميعاً، وجعلهم يشعرون بالعجز، بحسب ما أكدت.

على إفطار هذه العائلة، كانت يوجد مقلوبة بدون دجاج أو لحم مع صحن فتوش (سلطة) صغير وصحن صغير من البطاطا المقلية، هذا ما تعده فهمية كطعام للفطور في رمضان بينما كانت مائدتها الرمضانية في الأعوام السابقة تزخر بما لذ وطاب من المأكولات، شانها شأن معظم العائلات.

تقول فهمية لموقعنا: "أشهد بالله لم يمرّ يوم علينا في رمضان إلا ونحن نغص فيه عندما نأكل، وكل لقمة بغصة، الناس في قطاع غزة أهلنا ويجب على اللاجئ الفلسطيني أن يشعر بشعور الفلسطيني الآخر البعيد عنه".

الحرب على غزة جعلت الجيل الجديد من اللاجئين الفلسطينيين يتمسك أكثر بانتمائه

تضيف: أحببت أن أقف معهم وأن أشعر بما يشعرون وأن أطهو إفطاراً بسيطاً جداً وهي مقلوبة دون لحمة أو دجاج وصحن فتوش وصحن من البطاطا المقلية، اعتاد الناس مدّ السفر الرمضانية بما لذ وطاب، ولكن لا يمكننا فعل ذلك وأهلنا في قطاع غزة محرمون من كل شيء، نحن نشاهدهم عبر الأخبار أطفال بعمر الزهور تموت لأنها لا تشرب ولا تأكل ويجمعون الطحين الملطخ بالدماء لخبزه، ومنهم من يغرق ويموت وهو يسبح نحو المساعدات التي تلقى في البحر، فيكف لنا وبعد كل هذه المشاهد، ألا نتضامن معهم وأنا أدعو الجميع إلى فعل ذلك".

تؤكد فهمية أن أبناءها تقبلوا الفكرة ورحبوا بل شجعوها على فعل ذلك، مشيرة إلى أنها سعيدة جداً بأن الجيل الصغير من اللاجئين الفلسطينيين يشعرون بالروابط التي تجمعهم مع الفلسطينيين سواء داخل فلسطين أو المشتتين في بقاع الأرض جراء النكبة والجرائم "الإسرائيلية" المتواصلة منذ 76 عاماً، و"بأن المساعي الصهيونية لم تفلح كثيراً في تشتيت انتماء الفلسطيني أينما وجد".

وتضسف بأن الأطفال الصغار في المخيمات يتأثرون كثيراً بمشاهد أطفال قطاع غزة في المستشفيات الخارجة عن الخدمة، دون لقمة طعام وهم يموتون ولا يوجد حتى مصل أو دواء لإنقاذهم، "تلك المشاهد تؤثر علينا كثيراً، وقررت أنا وأولادي في هذا الشهر أن نقتصد كثيراً ونتضامن مع أهل غزة".

لم نذق طقم الفرح في رمضان

أما الناشطة الفلسطينية غادة عثمان فوصفت المشهد أنه مبكي وحزين وأن رمضان هذه السنة هو مختلف تماماً لأن المخيمات الفلسطينية وتحديداً مخيم مارالياس لم يلبس ثوب الزينة أبداً ولم يعرف أهله وأطفاله الفرح أبداً "لأن إخوتنا في قطاع غزة يعيشون ظروفاً صعبة ولا يعلم بحالهم إلا الله".

وقالت عثمان: "عادة يكون لرمضان له بهجته ولكن هذه السنة للأسف فقدناها بسبب الأوضاع التي يمر بها قطاع غزة ولا يسعنا إلا أن نتضامن معهم بعد إظهار مظاهر الفرح والبهجة".

تابعت: "كنا نتمنى أن يمر رمضان علينا وعلى قطاع غزة بخير وسلام ولكن هذه السنة الوضع مختلف في غزة وعلى الشعب الفلسطيني في المخيمات، تخيل وأنا أحضر الطعام للأفطار أتذكر أطفال غزة الذين يموتون جوعاً وأقول في نفسي يا ليت توجد طريقة أوصل به هذا الطعام الى أهلنا في غزة حتى يأكلوا منه".

وأضافت: "نحن كنا نسمع أن هناك أطفال ماتت من الجوع ولم نكن نصدق أن أحداً يموت جوعاً ولكن في غزة مات الأطفال جوعاً وشاهدنا ذلك على شاشات التلفزة، تعودنا في أيام الحرب أن الأطفال تموت بالقذائف والرصاص والغارات الصهيونية ولكن أن تصل الأمور أن يموتوا من الجوع هذا ما لم أكن أتصوره ابداً".

"أهل غزة جمعوا هذه السنة بين الصيام والرباط والشهادة"، هكذا لخص عضو اللجنة الشعبية في مخيم مارالياس سلام زمار المشهد في قطاع غزة، مؤكداً ان أقصر الدروب بين الأرض والسماء هي البقعة الجغرافية المسماة غزة.

وقال زمار: "شاهدنا في هذه الحرب أشياء غريبة وعجيبة نساء تقتل أولاد تمزق ومباني تمحى، عائلات فلسطينية شطبت من السجل المدني ولكن هذا رباط وهذا جهاد في سبيل الله، وان شاء الله رب العالمين لن يخذلهم".

 

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد