كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تقرير نشرته أمس الأحد 28 نيسان/ أبريل، عن اجتماع عقد وسط العاصمة البريطانية لندن، في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2023 الفائت، لبحث خطة إعادة إعمار قطاع غزّة بعد الحرب "الإسرائيلية" المتواصلة التي يشنها الاحتلال منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الفائت، وقتلت وشردت مئات الآلاف من السكان، ودمرّت نحو 3 أرباع البنى العمرانية والتحتية.
الاجتماع الذي عقد بعد نحو شهرين على بدء الحرب، وفي خضّم استعارها، حضره أكثر من عشرين شخصاً من مؤسسات مؤثرة في مختلف أنحاء "الشرق الأوسط" وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في قاعة اجتماعات في لندن.
وناقش أعضاء المؤسسة الدولية كيفية في الاجتماع، تحويل غزة "من مكان تحدده العزلة والفقر إلى مركز تجاري متوسطي يركز على التجارة والسياحة والابتكار، مما يؤدي إلى ظهور طبقة متوسطة"، بحسب ما نقلت الصحيفة.
ومن ضمن الحاضرين، مسؤولون كبار من وكالات التنمية الاقتصادية الأمريكية والأوروبية المختلفّة، ومدراء تنفيذيين في شركات التمويل والبناء في "الشرق الأوسط" وشركاء من شركة الاستشارات الدولية "ماكينزي آند كومباني"، كما أشارت الصحيفة إلى أنّ "الحاضرين قدموا كأفراد، وليس كممثلين لمؤسساتهم".
إضافة إلى حضور شخصيات فلسطينية وعربية مثل: هاشم الشوا، رئيس مجلس إدارة بنك فلسطين، وسامر خوري، الرئيس التنفيذي لشركة اتحاد المقاولين الدولية، ومحمد أبو خيزران، عضو مجلس إدارة مجموعة المستشفيات العربية.
الخطة المقترحة، وصفها التقرير بأنها " بعيدة كل البعد عن الواقع المرير الذي يواجه غزة" وتابع:"اليوم غزة تحتاج إلى نهاية الحرب التي تركت المنطقة مدمرة، وتحتاج عشرات المليارات من الدولارات من الاستثمارات، وتتطلب حلاً للمسألة السياسية حول من سيسيطر في نهاية المطاف على غزة وتعاونه".
وبسبب هذه الظروف، فإن واقع القطاع حاليا واستمرار الحرب وعدم وضوح الرؤية حول من سيسيطر على قطاع غزّة "يجعل الخطّة أقل بقليل من مجرد مخطط للعمل" بحسب تعبيرها.
خطط إعمار نوقشت فور اندلاع الحرب
وتشير المعطيات التي نشرها التقرير إلى أنّ مشاريع الاستثمار في غزّة، بدأ نقاشها فور بدء الحرب يوم 7 أكتوبر، ضمن مشروع لتحويل القطاع إلى مركز جذب متوسطي، ووصف كذلك بـ "فلسطين الناشئة".
"كريس تشوا"، مؤسس ومدير شركة "أوتكوميست" المعنية بالتنمية ومقرها لندن، قال إنهم "يقترحون ربط غزة بالعالم على المدى الطويل".
ونقلت الصحيفة عن عضو مجلس إدارة مجموعة المستشفيات العربية محمد أبو خيزران، قوله: "بمجرد أن بدأت الحرب، بدأنا أنا وفريقي في وضع خطة لبناء منشأة في غزة بمجرد انتهاء الحرب".
وأوضحت المجموعة التي اجتمعت، أن العمل الأكثر إلحاحاً هو توصيل الغذاء والماء والرعاية الصحية والمأوى الطارئ لسكان غزة، الذين يواجهون الآن الكارثة، ولكن التركيز الأساسي ينصب على إعادة البناء التي ستتكشف على مدى العقود التالية،حسبما نقلت الصحيفة الأمريكية.
وأضاف أبو خيزران: "يجب أن تنتهي حرب غزة على الفور، وسيكون هناك جهد إنساني مذهل وفوري". "لكننا بحاجة أيضًا إلى التفكير على المدى الطويل بشأن بناء مستقبل أفضل للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية"، حسب قوله.
وأشار التقرير نقلاً عن "مسؤول كبير" بوكالة التنمية في أمريكا طلب عدم الكشف عن هويته، إلى أن هذه المبادرة، وهي واحدة من عدة مبادرات قيد المناقشة، حظيت باهتمام ومشورة منظمات التمويل الدولية الكبرى بما في ذلك البنك الدولي.
وينظر البنك الدولي إلى الخطة باعتبارها مساهمة مفيدة نحو استراتيجية يمكن أن تولد فرص عمل في غزة من خلال دمج القطاع في الاقتصاد العالمي، بحسب التقرير.
وكشف التقرير عن مسؤول أمريكي آخر، طلب عدم كشف هويته، أن ممثلين عن الوكالات الحكومية الأمريكية حضروا ورش عمل "فلسطين الناشئة" وقدموا المشورة بشأن تفاصيل الخطة.
وأضاف المسؤول، "أن المشاركة الأمريكية في المبادرة كانت مدفوعة بافتراض أن زيادة الفرص الاقتصادية في غزة ضرورية لتقويض الدعم الشعبي لحماس".
وتركز الخطة على سلسلة من المشاريع الكبرى، بما في ذلك ميناء المياه العميقة، ومحطة تحلية المياه لتوفير مياه الشرب، وخدمة الرعاية الصحية عبر الإنترنت، وممر نقل يربط غزة بالضفة الغربية، على أن يشرف على ذلك صندوق لإعادة الإعمار والتنمية على المشاريع المستقبلية.
وفي السياق، قال التقرير، إنّ العناصر الأكثر تطلعاً إلى المستقبل وتتضمنها، مثل خفض الحواجز الجمركية أمام التجارة وإدخال عملة جديدة بدلاً من الشيكل "الإسرائيلي"، تفترض إنشاء الحكم الذاتي الفلسطيني في نهاية المطاف، وهي عوامل يقاومها رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتياهو بشدّة، حسبما أضافت.
كما تعتبر الأطراف، أن السلطة الفلسطينية تمثل الشريك المحتمل الأكثر وضوحاً لمبادرة إعادة الإعمار وهو ما يرفضه نتنياهو، حسبما نقلت الصحيفة، في حين أن المبادرة لن تتعامل مع حركة "حماس"، التي تشرف على غزة منذ عام 2007.
كما أشارت الصحيفة، إلى أنّ الوكالات الحكومية الأمريكية لديها قيود قانونية على العمل مباشرة مع السلطة الفلسطينية، أو تردد للمؤسسات بالتعامل معها بسب سمعتها الفاسدة، مما يجعل الشركات الخاصة عناصر بالغة الأهمية في الخطة، حتى في حين أنها أيضاً سوف تتصارع مع مخاطر الاستثمار في مناخ غير مؤكد إلى حد كبير، بحسب التقرير.
وتشير التقديرات التي تحدث عنها التقرير، إلى أن قيمة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية في غزة قد بلغت 18.5 مليار دولار، وبلوغ نصف السكان حافة المجاعة وأكثر من مليون شخص يفتقرون إلى المنازل.
وتوخت الخطّة التي نوقشت بالاجتماع، خطّة قدمها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للأراضي الفلسطينية عام 2019، وتضمنت استثمارات كبيرة من دول الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين، حسب ما أشار التقرير.
وتقترح الخطة كذلك، إنشاء جامعة تقنية لإعادة الإعمار تمنح درجات علمية في شمال غزة، والتي من شأنها أن تجتذب الطلاب من جميع أنحاء العالم، وأشار التقرير إلى أنّ المجتمعين "كانوا يدرسون استراتيجيات الخروج من الكوارث وتحفيز التنمية، باستخدام غزة ما بعد الحرب كمختبر حي".