تزامنًا مع الهجوم البري الذي يشنّه جيش الاحتلال "الإسرائيلي" في شرقي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، يشن عدوانًا جديدًا على مخيم جباليا شمالي القطاع، حيث ما يزال يوجد في الشمال ما يزيد عن 170 ألف فلسطيني، يتعرضون منذ بداية حرب الإبادة "الإسرائيلية" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى القتل والتدمير والحصار والجوع.
في صباح يوم السبت الماضي 11 أيار/ مايو ألقى جيش الاحتلال منشورات تطالب الفلسطينيين الموجودين داخل مخيم جباليا والأحياء الجنوبية والشمالية والشرقية منه مثل السكة والصالحين وتل الزعتر وجباليا البلد والنزهة، والأحياء الغربية مثل بيت لاهيا ومشروع بيت لاهيا، بالنزوح، وأصدر جيش الاحتلال بياناً قال فيه: "إن هذه المناطق ستشهد عمليات خطيرة".
لا خيار أمامنا.. سنبقى في منازلنا ولنمت صامدين فيها
حسين المجدلاوي، فلسطيني مقيم حاليًا في مخيم جباليا، يؤكد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن الفترة الحالية هي "الأصعب والأقسى" على مخيم جباليا منذ بدء العدوان.
ويقول: إنه في ظل كثافة حجم القصف الجوي والمدفعي إضافة إلى التوغل البري، نزح عدد من أبناء المخيم تحت النيران، ولكن العدد الأكبر بقي داخل المنال، وهناك من نزحوا من المناطق الشرقية إلى المناطق الغربية من المخيم.
ويضيف المجدلاوي: "نحن مصرون على البقاء داخل منازلنا، ليس فقط لأننا ملتصقون بالمخيم، وليس فقط لأننا مصممون على الصمود والتصدي لهذا العدوان، ولكن أيضًا لم يبقى أمامنا خيارات أخرى".
كذلك أيضاً تقول آسيل المنسي اللاجئة إلى مخيم جباليا: "جربنا قبل هيك نطلع من بيتنا، ما لقينا مكان أحسن منه، فإذا كان كان لا بد من الموت، فخلينا نموت صامدين في بيوتنا"
يقول شاهد عيان في المخيم: إن آليات وجنود الاحتلال "الإسرائيلي" يتمركزون الآن في أرض الجمل جنوب منطقة المدارس، حيث أخلى جيش الاحتلال المدارس من النازحين تحت القصف والاستهداف المباشر، ويقوم بالقصف المكثف في بلوك (2) وشارع الهدد ومنطقة العيادة.
ويتابع: هناك حالة هستيرية لدى أبناء المخيم، يتجمعون في الشوارع بالقرب من مفترق السوق وفي منطقة "أبو زتون"، على الرغم من سقوط القذائف على بعد أمتار منهم، إلا أنهم يرفضون الخروج من المخيم وشوارع المخيم.
والحال هذه، يتمحور السؤال الأبرز الذي يتداوله أهالي مخيم جباليا "وين نروح؟".
تقول شاهدة عيان في المخيم: "غالبية أحياء مدينة غزة هي عبارة عن ساحة معارك، بدءاً من حي الزيتون وحي الصبرة، وانتهاء في جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا وعزبة عبد ربه".
عودة الأحزمة النارية على مخيم جباليا مرة أخرى كان بمثابة رعب لا يطاق للمدنيين المحاصرين في الشمال
وتضيف: إن جيش الاحتلال أمرهم بالتوجه إلى غربي مدينة غزة، ولكن بعد اجتياح مجمع الشفاء الطبي الأخير أصبحت المنطقة عبارة عن ركام ورماد، ولا يوجد بها أي معالم للحياة ولا مراكز إيواء.
وتوضح أن الفلسطينيين في مخيم جباليا، والمناطق المجاورة لا يعرفون ماذا يفعلون ولا إلى أين يذهبون، حيث أن حجم العذاب الذي يتعرضون له لا يمكن وصفه، وعودة الأحزمة النارية من جديد كان بمثابة رعب لا يطاق، وتؤكد: "حاليًا لا يوجد أي استقرار نفسي ولا مكان آمن".
ويشن جيش الاحتلال عدوانه في الوقت الذي تنذر فيه وزارة الصحة بغزة أن المنظومة الصحية معرضة للانهيار في الساعات القادمة، نتيجة عدم إدخال الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء في المستشفيات القليلة العاملة وسيارات الإسعاف ونقل الموظفين.
فيما يشهد الوضع الصحي في شمالي قطاع غزة أسوء حالاته، بعد إخراج غالبية المستشفيات عن الخدمة، بما فيها مستشفى الشفاء والأندونيسي الأكبر في مدينة غزة وشمالها، ولم يتبق غير مستشفى المعمداني وكمال عدوان اللذين يعملان بطاقة منخفضة بعد الاعتداءات التي تعرضا لها ويعانيان من نقص حاد في الإمكانيات.
النقص الشديد للوقود، ينعكس أيضًا على قدرة الطواقم الطبية وسيارات الدفاع المدني على إنقاذ وانتشال المصابين والشهداء من تحت الأنقاض، في الوقت الذي يضطر فيه الأهالي إلى نقل المصابين على عربات تجرّها دواب.
مخيم جباليا.. تاريخٌ مضمخ بالمجازر ومتوجٌ بالصمود
تاريخياً، يعد مخيم جباليا من المخيمات العصية على الانكسار، والذي تسبب في انطلاق شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى المعروفة بانتفاضة الحجارة عام 1987، عندما دهس سائق شاحنة "إسرائيلي" مجموعة من العمال الفلسطينيين في حاجز "إيرز" ما أسفر عن استشهاد 4 عمال وجرح 7 آخرين، وتحولت جنازة الضحايا إلى مظاهرات كبرى سرعان ما انتشرت في قطاع غزة والضفة الغربية.
وتعرض المخيم طيلة عقود إلى مجازر سقط فيها مئات الفلسطينيين، ودمرت خلالها المباني السكنية والمؤسسات المدنية والخدماتية ما زاد من صعوبة الحياة بالمخيم.
فيديو من الأرشيف
وشن الاحتلال "الإسرائيلي" عدواناً عسكرياً أطلق عليه اسم "أيام الندم" عام 2004 قصف خلاله لـ 17 يومًا، ما أدى إلى استشهاد 100 فلسطيني وتشريد أكثر من 600 وتدمير مئات المباني السكنية والمؤسسات المدينة والصحية والخدماتية.
وفي تموز/ يوليو 2014 ارتكبت قوات الاحتلال "الإسرائيلي" مجزرة في مخيم جباليا بعدما قصفت مدرسة تابعة لـوكالة "أونروا" احتمى بها حوالي 3000 فلسطيني ما أدى إلى استشهاد 20 فلسطينياً وإصابة أكثر من 50.
ومنذ بدء حرب الإبادة "الإسرائيلية" المتواصلة على قطاع غزة منذ أكثر من 7 شهور، شهد المخيم مجازر مروّعة، وارتكب الطيران الحربي "الإسرائيلي" مجزرة الترانس يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إذ قصف السوق الشعبي الرئيسي بالمخيم بالقنابل الثقيلة ما أدى إلى استشهاد حوالي 50 مدنياً وتدمير عدد كبير من المنازل وممتلكات الفلسطينيين.
وشهد المخيم مجزرة أخرى في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بعد أن دمر الطيران الحربي "الإسرائيلي" مربعاً سكنياً قرب المستشفى الإندونيسي بشكل كامل، وأسفر القصف عن سقوط أكثر من 400 مدني بين شهيد وجريح.
وفي 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، استهدف جيش الاحتلال مدرسة الفاخورة التي كان يحتمي بها آلاف النازحين ما أدى إلى استشهاد 200 فلسطيني، علمًا أن هذه المرسة تعرضت لقصف في عام 2009 ما أدى إلى استشهاد 40 مدنيًا، وقصفت أيضًا عام 2014 وارتقى فيها أكثر من 10 فلسطينيين.
وفي 2 كانون الأول/ ديسمبر استشهد أكثر من 100 شهيد في مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال بقصف بناية سكنية تعود لعائلة آل عبيد بصاروخ، وكانت البناية تؤوي عددًا من العائلات والنازحين من المخيم.
تغطية صحفية#مخيم_جباليا .. مفجر الانتفاضة الأولى يتعرض لمجازر الإبادة "الإسرائيلية" في الذكرى الـ36 لاندلاع الانتفاضة#الانتفاضة #غزة_تحت_القصف #غزة_تُباد#intifada #GazaUnderAttack #GazaGenocide pic.twitter.com/c7cBK0h5Og
— بوابة اللاجئين الفلسطينيين (@refugeesps) December 8, 2023