شهد الأردن حراكاً شعبياً واسعاً اشتعلت جذوته من احتجاجات مناهضة للاحتلال "الإسرائيلي" أمام سفارة "إسرائيل" في العاصمة عمان، والتي تحلق في محيطها مئات المتظاهرين الأردنيين، لا سيما خلال شهر رمضان، مع تصعيد جرائم الإبادة "الإسرائيلية" في قطاع غزة، مطالبين بإغلاق السفارة وإلغاء كافة الاتفاقيات بين الحكومة الأردنية وكيان الاحتلال "الإسرائيلي".
في المقابل، تواجه قوى الأمن الأردنية الحراك الشعبي الغاضب والمندد بمجازر الإبادة "الإسرائيلية" في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، بسياسة قمعية عنيفة عبر دفع أعداد ضخمة من قوات الأمن إلى ساحات التظاهر وشن حملات اعتقال تعسفي وإطلاق الغاز المسيل للدموع فضلاً عن الاعتداء بالضرب على المتظاهرين.
ويطالب المتظاهرون في الاعتصامات الشعبية الحكومة الأردنية والجيوش والأنظمة العربية بالتدخل لنصرة الفلسطينيين في قطاع غزة، كما يدعون السلطات الأردنية إلى فتح الحدود وإغلاق سفارة الاحتلال في عمّان وإلغاء جميع الاتفاقيات السياسية والاقتصادية ومعاهدة "وادي عربة" ووقف الجسر البري الذي يمد الاحتلال "الإسرائيلي" بالخضار والغذاء عبر الأردن، حيث تصدرت المظاهرات شعارات مؤيدة لكتائب القسام والمقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى هتافات تدين الدعم الأميركي لـ "إسرائيل" في حربها على قطاع غزة.
1500 معتقل في الأردن على خلفية التضامن مع قطاع غزة
وشنت الأجهزة الأمنية الأردنية حملة اعتقالات وتنكيل واسعة بحق مئات الناشطين السياسيين الذين شاركوا في التظاهرات المناهضة للاحتلال والذين يتم لاحقتهم قضائياً على خلفية مشاركتهم في الحراك الشعبي، بعضهم قد أطلق سراحه ولكن العشرات ما زالوا رهن الاعتقال والبعض الآخر قد "أخفي قسرياً"، بحسب منظمات محلية وحقوقية.
ووثقت منظمات حقوقية منها منظمة العفو الدولية "أمنستي" اعتقال السلطات الأردنية ما لا يقل عن 1,500 شخص، من بينهم حوالي 500 محتجز منذ آذار/ مارس في أعقاب احتجاجات ضخمة أمام السفارة "الإسرائيلية" في عمّان، فيما أشارت تقديرات محلية بأن 2500 قد تعرضوا للتوقيف أو الاعتقال أو الاستدعاء.
كما أبلغ محامون وناشطون عن فرض الحكومة الأردنية مؤخرًا قيودًا جديدة على الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، بما في ذلك حظر حمل العلم الفلسطيني واللافتات التي تحمل شعارات معينة، وحظر مشاركة الأطفال دون 18 عامًا كما منعت استمرار الاحتجاجات بعد منتصف الليل.
وقضت المحكمة الأردنية بتوقيف ناشطين وإعلاميين منهم الإعلامية هبة أبو طه التي اعتقلت في سجن الجويدة بذريعة "إثارة الفتنة والنعرات بين أفراد المجتمع واستهداف السلم المجتمعي والتحريض على العنف" بموجب قانون الجرائم الالكترونية، وترفض السلطات الأردنية الإفراج عنها حتى بكفالات مالية.
تقرير هبة أبو طه تحت عنوان "شركاء في الإبادة.. رؤوس أموال أردنية متورطة بالإبادة في غزّة"
وقد جاء اعتقال الصحفية أبو طه بعد تقرير صحفي أعدّته عن الجسر البرّي، والذي كشف عن تورُّط شركاتٍ لمسؤولين حكوميين في تصدير البضائع للاحتلال.
معتقلون مضربون عن الطعام
في حين بدأ الناشط راني الزواهرة الذي اعتقله الأمن الأردني إضراباً مفتوحاً عن الطعام منذ 22 يوماً على التوالي في سجن موقر-1، احتجاجاً على ظروف توقيفه ومطالبة بالإفراج عنه وإسقاط التهم الموجهة له، في ظل تدهور حالته الصحية بشكل ملحوظ، ووسط قلق شديد من عائلة الزواهرة التي طالبت كافة جمعيات حقوق الإنسان والصليب الأحمر بمتابعة وضع ابنها أثناء إضرابه عن الطعام.
وفي الـ14 من الشهر الجاري، بدأ المعتقل عطية محمد أبو سالم -وهو سوري الجنسية- إضرابا مفتوحا عن الطعام احتجاجاً على أمر ترحيله، وكانت المحكمة الإدارية قد رفضت طلباً عاجلا ًلوقف ترحيل لاجئين سوريين اثنين شاركا في المظاهرات في ظل تخوفات من تعرضهم لخطر الاضطهاد والتعذيب والاختفاء القسري حال عودتهما إلى سوريا.
ومن بين النشطاء الذين اعتقلتهم الحكومة الأردنية الناشط أيمن صندوقة المُعتقل لليوم الـ 150 على التوالي بسبب نشاطه المتضامن مع غـزة، بينما يستمر اعتقال الناشط أحمد عايش منذ 60 يوماً، كما يستمر اعتقال الطالب محمد الخطيب لليوم 26 على التوالي، بالإضافة إلى منع الأجهزة الأمنية الناشط أنس الجمل من السفر، رغم عدم وجود أي قضايا مُسجّلة ضدّه.
بينما أفرجت السلطات الأردنية عن مجموعة من الناشطين منهم المهندس ميسرة ملص والأستاذ زياد ابحيص بعد 47 يوماً من الاعتـقال كما أفرجت عن نضال أبو جويد بعد 8 أيام من اعتقاله.
منظمة "هيومن رايتس ووتش"، كانت قد اتهمت الحكومة الأردنية بتقييد الفضاء المدني، وسنّ قانون جديد للجرائم الإلكترونية يزيد من تقويض حرية التعبير والخصوصية على الإنترنت، كما جاء في تقريرها الذي أصدرته "التقرير العالمي 2024" أن السلطات الأردنية اعتقلت في عام 2023 معارضين سلميين وصحفيين، وضايقتهم، واستخدمت قوانين غامضة وتعسفية لتقييد حرية التعبير والنشاط السلمي.
مشهد أكثر صعوبة يواجهه الناشطون في الأردن
يذكر أن السلطات الأردنية لترحيل قسري لاثنين من اللاجئين السوريين كانا قد شاركا في المظاهرات المناهضة لـ "إسرائيل" وهما عطية محمد أبو سالم، 24 عاما، ووائل العشي، 31 عاما، في نيسان/ أبريل الماضي، خلال حملة قمع واسعة النطاق ضد المظاهرات المؤيدة لغزة.
وقالت منظمة العفو الدولية: إنه لم تتم إحالة الشابين إلى هيئة قضائية، ولم توجه إليهما تُهم بارتكاب أي جريمة، فضلاً عن تعرضهما لسلسلة من الانتهاكات، بما في ذلك عدم إبلاغهما بسبب اعتقالهما أو أمر ترحيلهما، وعدم منحهما فرصة للطعن في اعتقالهما، واستجوابهما دون حضور محامي ولا يزال الطعن في أمر الترحيل الصادر بحقهما جارياً أمام المحكمة الإدارية.
وقال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش": "بين التهديد المستمر بالمضايقات والاعتقال والخطر الجديد المتمثل في الاختراق عبر المراقبة الرقمية، يواجه النشطاء الذين يعملون على تعزيز الديمقراطية ودفع إصلاحات حقوق الإنسان في الأردن مشهدا أكثر صعوبة".
واستخدمت السلطات الأردنية قانون الجرائم الإلكترونية في قمع المتظاهرين والناشطين بتهم وجهت إليهم بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي عبروا فيها فقط عن مشاعر مؤيدة للفلسطينيين، أو انتقدوا السلطات أو معاهدة السلام التي أبرمتها السلطات مع "إسرائيل"، أو دعوا إلى احتجاجات سلمية وإضرابات عامة.