بقلوب يملؤها الحسرة وذاكرة لا تتوقف عن استحضار طقوس وتحضيرات العيد السنوية، يمر أول يوم من عيد الأضحى المبارك ثقيلاً على قلوب النازحين في قطاع غزة داخل خيام ومساكن بدت غريبة عليهم وبعيدة جداً عن بيوتهم وأحيائهم التي لا يعلمون عنها شيئاً ولربما يعلمون القليل فقط أنها هدمت ولن تعود أبداً.
خيام من شدة بؤسها، لا تستطيع أن تحمل لهم شيئاً من الفرح أو تعيد لهم ذكرى جميلة في العيد، ففي مثل هذه اللحظات، كانت تفوح رائحة الذبائح من كل زقاق وحي داخل محافظات قطاع غزة معلنة عن قدوم عيد الأضحى، والعادة التي يفضلها الفلسطينيون في القطاع هي ذبح الأضحية أمام منازلهم في الأماكن المفتوحة كمظهر يدخل الفرحة على قلوب الأطفال ويخلق أجواء لا مثيل لها في مشاركة اللحوم وإهدائها للأقارب والجيران والأصدقاء في تكافل اجتماعي جليّ.
اختفت هذه المظاهر، مع اختفاء كل معالم الحياة في القطاع بسبب حرب الإبادة "الإسرائيلية"، إذ قضت الحرب والمجازر على كل شيء.
موضوع ذو صلة: الحرب قضت على طقوس العيد في غزة .. أضاحي شحيحة وصلاة فوق ركام المساجد
كأننا كنا في حلم جميل واستقيظنا على كابوس
صمتت طويلاً النازحة هناء يوسف وأخذت بضعا ًمن الوقت لتستجمع قواها وتستطيع الحديث عن حياة كان "ملؤها سعادة لا تضاهيها أي سعادة أخرى على مدار سنوات داخل منزلها الدافئ، قبل 9 شهور فقط من الآن" بحسب ما تصف حياتها قبل بدء الحرب على غزة.
تستذكر عيد الأضحى الماضي عندما بدأت مع عائلتها الاستعدادات من أجل تجهيز ما لذ وطاب من صنوف الحلويات والتأنق بأجمل الألبسة لاستقبال الأقارب والأحباب، "وكأنه حلم جميل استيقظت منه على كابوس مرعب" تقول هناء لبوابة اللاجئين الفلسطينيين.
منذ بدء حرب الإبادة "الإسرائيلية" نزحت هناء مع عائلتها إلى جنوبي قطاع غزة، ومن ثم تلقت نبأ هدم منزلها بالكامل في حي الجلاء بمدينة غزة، تفرقت عائلتها على مراكز النزوح وبيوت المعارف، واستشهد بعض من أقاربها والبعض الآخر صاروا يتحدثون معهم عبر الهواتف بعد شحن شرائح إلكترونية أو شراء بطاقات الانترنت بثلاثة شواقل.
تضيف هناء: "في هذا العيد لا يوجد لدينا ما نفعله سوى الترحم على شهدائنا والدعاء بوقف الحرب"، مستدركة "كنا كل ليلة عيد نجتمع ونذهب لشراء حاجياتنا من مركز التسوق الذي كان يعج بأطيب أنواع المأكولات، وحينما يحل العيد كنا نأكل اللحوم والحلويات ونقدم أجمل الضيافة لأقاربنا أما الآن فلا يوجد لدينا سوى معلبات الفول والفاصولياء، دمر الاحتلال حياتنا وأحلامنا".
تقضي العيد على ركام منزلها المدمر ولا ترى سوى البؤس على وجوه النازحين
لا يبدو المشهد مختلفاً، بل ربما أكثر قساوة وألماً لدى الصحافية ولاء أبو جامع التي كانت تقطن في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة والتي دمر القصف "الإسرائيلي" معظم معالمها، وكأن زلزلاً قد ضرب المنطقة، لم يمض ثلاثة شهور على بناء منزلهم الجديد الذي كان حلماً صعب المنال، حين دمره القصف "الإسرائيلي" وجعله أثراً بعد عين.
ترفض أبو جامع مغادرة ركام منزلها والالتحاق بعائلتها التي نزحت إلى منطقة المواصي، وتقضي الليالي فوق الأنقاض، بالبكاء على أطلاله، مستذكرة اللحظات الثمينة التي مكثتها داخله وذكريات تملؤها الحسرة لا تفارقها.
تقول أبو جامع لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "كانت أمي تملأ ثلاجتنا كل عيد بلحوم الأضاحي من الأقارب والأصحاب إضافة إلى أضحيتنا الخاصة، والآن تمر هذه الأحداث كذكريات نشاهدها عبر صور هواتفنا".
تجول أبو جامع بين السكان الذين صاروا نازحين اليوم من أجل رصد أي نوع من أنواع مظاهر الفرح بالعيد، ، إلا أنها لا تجد سوى البؤس، لا تجد أي عائلة قادرة على شراء الأضاحي، وتصف أحوالهم بالصعبة للغاية، وتقول: "في مثل هذا الوقت اعتدنا أن تملأ المنازل باللحوم ويتمكن المحتاجون والفقراء من تذوق طعمها أما الآن الجميع لا يعرف طعم اللحمة منذ أشهر".
وتقترب حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة من تجاوز الشهر التاسع، فيما يحل عيد الأضحى وسط استمرار المجازر "الإسرائيلية" بحق الفلسطينيين المدنيين، ما أسفر عن استشهاد 37 ألفاً و733 شهيداً في آخر حصيلة وثقتها وزارة الصحة، لا تشمل من استشهدوا بعد ظهر أول أيام العيد، فيما تقلص دخول المساعدات الإنسانية بشكل كبير منذ احتلال الجيش "الإسرائيلي" لمعبر رفح ووضعه قيوداً إضافية على شاحنات المساعدات التي تدخل عبر المعابر الأخرى، ما يهدد بمجاعة تقول الأمم المتحدة: إنها لم تعلن عنها بعد في قطاع غزة لأسباب فنية، حيث إن المجاعة تفشت بالفعل.
اقرأ/ي أيضاً: أول أيام العيد .. مجزرة "إسرائيلية" في مخيم البريج وسط قطاع غزة