وسط قصف "إسرائيلي" لا يتوقف، تشرق شمس أول أيام عيد الأضحى على الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين هموا بأداء صلاة العيد فوق ركام منازلهم وأنقاض مساجدهم المدمرة في مشاهد مؤلمة لمحاولة استرداد بعض من الشعائر الدينية وسط غياب أشكال الفرح والعجز عن تطبيق طقوس العيد المعتادة والاحتفاء به.
مع استمرار القيود "الإسرائيلية" على إدخال شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة، ومواصلة الجيش "الإسرائيلي" احتلال معبر رفح وإغلاق معبر كرم أبو سالم جنوبي قطاع غزة، ينعدم وجود أبسط الاحتياجات الغذائية، ما يزيد من تدهور الوضع المعيشي للناجين من المجازر "الإسرائيلية" والذين تحول معظمهم – إن لم نقل جلهم – إلى نازحين سواء في مناطق أخرى غير مناطق سكنهم أو في خيام النازحين أو المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء، فضلاً عن مظاهر الدمار التي غطت الشوارع والأحياء بدلاً من زينة وأضواء العيد.
محرومون من الأضاحي
لم يتمكن الفلسطينيون في قطاع غزة هذا العام من شراء أضحية ككل عيد ليفرحوا أطفالهم، فلم تذر الحرب مزرعة للمواشي على حالها، ما دفع بارتفاع الأسعار إلى درجات وصفت بالخيالية وغير مسبوقة، نظراً لنفوق المواشي إما بسبب الحرب أو بسبب نقص الأعلاف التي لم يسمح الاحتلال بإدخالها إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى أن الاحتلال "الإسرائيلي" منع إدخال الأضاحي إلى القطاع.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في بيان له: إن منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال الأضاحي إلى قطاع غزة يكشف عن بشاعة الوجه الإجرامي للاحتلال وللإدارة الأمريكية نحو دعم الإبادة الجماعية وحرمان شعبنا الفلسطيني من الاحتفال بعيد الأضحى المبارك
وجرت العادة في قطاع غزة الاحتفاء بعيد الأضحى عبر شراء الأهالي العجول أو الأغنام وذبحها أمام منازلهم أو في الأماكن المخصصة، لها لكن استمرار الحرب وتداعيتها نسفت مظاهر الفرح كلها.
ووفق بعض مزارعي المواشي فإن أسعار الأبقار التي نجت من المجازر "الإسرائيلية" كان يبلغ في الأيام العادية ألفين دولار فيما ارتفع الآن السعر إلى 9 آلاف دولار، غير أنها ليست متوفرة سوى في المنطقة الوسطى من قطاع غزة وباتت معدومة شمالاً لنزوح السكان، ومنهم أصحاب المزارع والمواشي.
كعك العيد للمحظوظين
والحال هذه، يحاول الفلسطينيون والنازحون إلى الخيام، اجتراح ولو مظاهر بسيطة من مظاهر العيد، فيصنعون الكعك والمعمول من طحين المساعدات الشحيح الذي يصلهم بندرة، أو ما يتمكنون من شرائه بأسعار باهظة.
أم حسام - نازحة فلسطينية – إلى مخيم في منطقة الزوايدة بدير البلح، لا تملك إلا أن تصنع القليل من المعمول بعد الحال التي وصلت إليها بسبب الحرب والنزوح المتكرر، وسط عدم تمكنها من توفير حاجيات العيد و"الضيافة" للأقارب والأصحاب.
تجتمع مع بعض النسوة داخل خيمة ويصنعن الكعك والمعمول، على أمل ان تطغي رائحته على رائحة الموت والبارود والدماء من حولهن، وأن يفرح به الأطفال قليلاً بعدما نسوا طعم الفرح طيلة الشهور التسعة الماضية.
تقول أم حسام لبوابة اللاجئين الفلسطينيين:" كل عام يذهب الأطفال مع أهاليهم الى مزارع الأغنام والعجول لشراء الاضاحي وليشهدوا فرحة العيد، وكل عام الأب يشترك في حصة من العجول أو يشتري خروفاً"، مشيرة إلى أن الحرب غيّرت كل شيء "فالأسعار غالية جداً، والأضاحي غير متوفرة والمعابر مغلقة، لذا نصنع المعمول من الطحين والتمر لإسعاد الأطفال وإشعارهم بالعيد".
أم حسام تجد نفسها محظموظة لأنها استطاعت إعداد عدد لا بأس به من حبات المعمول والكعك، بما توفر لديها من مواد، فيما معظم النازحين في غزة لا يتمكنون من صنع الكعك أو شراء أي من احتياجات العيد.
يصف عبد الله سالم - نازح فلسطيني- الذي يعمل على خبز ما يعده الأهالي من الكعك في هذا العيد بأنه أقسى من عيد الفطر الذي سبقه، حيث تدهورت أوضاع الفلسطينيين المعيشية بشكل أكبر خلال الشهرين الماضيين مع استمرار الحرب، وازدياد عدد النازحين وتصاعد عدد الشهداء، وتقليل كمية المساعدات الإنسانية – القليلة بالأصل- التي تدخل عبر المعابر.
يقول عبد الله إنه يعمل على فرن الحطب في منطقة الزوايدة بعد رحلة نزوح تكررت لمرات عدة، ويؤكد أن كمية المعمول وكعك العيد التي خبزها لعيد الأضحى قليلة جداً نسبة لما خبزه في العيد الماضي للنازحين، ما يشير إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر منذ العيد الماضي، ويشير إلا أن أياً من الاحتياجات الأساسية لصنع الكعك من مواد أولية وأواني وبهارات لا يمكن لمعظم العائلات توفيرها، خاصة بعد نزوحهم المتكرر، وتقليل كمية المساعدات إلى القطاع.
وكانت تقارير فلسطينية ودولية حذرت من منع الاحتلال "الإسرائيلي" آلاف شاحنات المساعدات الغذائية في الشاحنات التي تدخل إلى قطاع غزة، فيما أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة قبل أيام إن نسبة المساعدات التي تدخل إلى القطاع انخفضت بنسبة 12 % خلال أسبوع.
وأشار المكتب إلى أن الاحتلال يعمد إلى خداع الرأي العام العالمي، عبر الحديث عن إدخال شاحنات لا تحمل سوى الطحين فقط، ويتعمد تقليل حمولتها لزيادة عددها، ورغم ذلك لا يزيد عددها في اليوم الواحد على 35 شاحنة، يفترض بها أن توفر المصدر الوحيد للغذاء والدواء لأكثر من 700 ألف محاصر شمالي القطاع.
يأتي هذا وسط تحذيرات دولية من مجاعة موشكة في قطاع غزة بشماله وجنوبه، بالتزامن مع عمليات القصف المكثفة تواصل الاجتياح البري "الإسرائيلي" في بعض المحاور خاصة في مدينة رفح التي تشهد مجازر يومية.