لم تمر الليلة الأولى لبدء اختبارات طلبة الثانوية العامة (التوجيهي) السبت الماضي في قطاع غزة بشكلها العادي والمعتاد من كل عام، فلطالما شكلت هذه الامتحانات بذرة فرح يعد لها الفلسطينيون الاحتفالات مع الإعلان عن النتائج كما في الأعراس تماماً، وهكذا اعتاد الفلسطينيون في القطاع طيلة السنوات الماضية أن يجترحوا أفراحاً واحتفالات من بين أنياب الحصار، ولهذا اكتسبت امتحانات الثانوية العامة في غزة وفلسطين عموماً أهمية كبيرة ومجالاً للفرح، ولكن هذا العام اقتلعت "إسرائيل" كل مظهر للحياة وحرمت بحرب الإبادة التي تشنها على القطاع الطلاب الناجين من مجازرها من إكمال تعليمهم وتقديم امتحاناتهم، بعدما قتل القصف "الإسرائيلي" 450 طالباً من طلاب الثانوية العامة منذ بدء الحرب على غزة، وفق بيان لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية.
وبينما ظل 39 ألف طالب فلسطيني يجاهدون في قطاع غزة للبقاء أحياء والنجاة من المحرقة، ومحاولة البحث عن مقومات الحياة وحرموا من تقديم امتحاناتهم، تمكن نحو 1100 طالب استطاعوا الفرار من المحرقة "الإسرائيلية" إلى مصر أن يقدموا امتحانات الثانوية العامة تزامناً مع إجرائها في الضفة الغربية المحتلة.
ولأول مرة في مصر وبسبب حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة، قدّم طلاب وصلوها من قطاع غزة امتحانات الثانوية العامة الفلسطينية، في مدارس مصرية بإشراف من سفارة السلطة الفلسطينية في القاهرة، حيث تستمر حتى الثامن تموز/ يوليو المقبل
لا تفارقها مشاهد المجازر ولكنها تحاول العبور من بصيص ضوء أمل خافت
دانا العبادلة إحدى الطالبات المتفوقات، والتي حصلت على المرتبة الأولى بالفرع الأدبي في مدرسة عيلبون الثانوية للبنات في العام السابق بمعدل 98.9 % ، تواصل طريق العلم محفوفاً بأشواك وقعت في طريقها منذ خروجها من غزة وحتى قاعة اختبارات الثانوية العامة داخل جمهورية مصر.
وجدت العبادلة نفسها مغتربة في بيئة لم يكن سهل عليها التأقلم فيها خاصة مع الارتفاع الشديد في درجات الحرارة الذي تشهده مدينة القاهرة في هذه الأيام العصيبة، التي تراقب فيها استمرار مجازر الإبادة في قطاع غزة، وقد خرجت منه ناجية بجسدها ولكن روحها وأراوح كل من في القطاع وخرج منه لا تزال تعتمل فيها القروح التي ستطول.
تؤكد العبادلة أن ":" تقديم الامتحانات في آخر السنة رغم الصعوبات و قلة الوقت، يعتبر فرصة لا تُعوّض، لأن شعور أنه تضيع منك سنة كاملة من حياتك و من تعبك هباءً منثوراً أمر صعب جداً على الطالب".
انقطاع الكهرباء في مصر كان عائقاً أمام دانا وبقية زملائها من الطلبة الذين حالفهم الحظ بتقديم اختبارات "التوجيهي" خارج قطاع غزة، ولكن انقطاهم عن الدراسة طيلة شهور الحرب هو التحدي الأكبر الذي يواجهونه.
تشير فرح إلى أنها حين وصلت مصر بعد ستة شهور من بدء حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة، كانت تواجه مشاكل جمة في الدراسة بعد انقطاع طويل عنها طيلة 6 أشهر، "فكان من الصعب اني ارجع اتأقلم تاني على وضع الدراسة و اني اخطط خطة ناجحة لإنجاز المواد".
بينما لم تغب أصوات الحرب ومشاهد الغارات المرعبة عن ذهن الطالبة "العبادلة" أثناء تقديمها للاختبارات، وتأمل بعد هذا "الكابوس" الذي لا يفارقها منذ خرجت من قطاع غزة، من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية منحهم "وضعاً خاصاً عند تصحيح الاختبارات نظراً للمآسي التي مروا بها خلال الحرب الوحشية على القطاع".
أقول لطلاب غزة في مصر تقديمكم للامتحان هو أحد أشكال الانتصار
أستاذ الرياضيات أحمد الشرفا يحاول تقديم ما يستطيع من نصائح وتوصيات لطلاب الثانوية العامة الذين حالفهم الحظ وتمكنوا من تقديمها في مصر، ويحاول رغم وجوده في القطاع تحت نيران القصف ووسط آهات الجائعين أن يعطي ما يستطيع من ملاحظات ونصائح لهم حينما يتسنى له التقاط شبكة انترنت.
يقول "الشرفا" لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن الطلاب الذين يقدمون (التوجيهي) في مصر في وضع استثنائي فلهم بيوت تهدمت ولهم أقارب شهداء، وهذا يعني أن حالتهم النفسية محطمة من الداخل بينما يعيشون هم أيضاَ غربة ووضعاً اقتصادياً صعباً عليهم.
"نشحذ هممهم بالإيجابية ونشجعهم ونقول لهم بصفتك طالب توجيهي فهو نوع من النصر على العدو بدراستك وحصولك على معدل عالي"، هكذا يتحدث عن طريقته في تهدئة روع طلابه.
كان من المفترض أن أكون بين زملائي على مقاعد الامتحان لكنها الحرب!
على الجانب الآخر من معبر رفح، يعيشون طلبة الثانوية العامة في قطاع غزة صراعاً وأحزاناً منذ اليوم الأول لبدء اختبارات زملائهم في الضفة الغربية وممن حالفهم الحظ بالخروج من غزة. هم في في حال صعبة، لا مكان فيها للكتب والدراسة، فالمدارس أصبحت مراكز إيواء والاهتمانات تحولت إلى البحث عن فرص النجاة وليس الدراسة والتفكير في المستقبل العلمي، وبينما أقرانهم في دول العالم إما قدموا الامتحانات أو يستعدون لها، هم إما يودعون شهداء أو مصابون في المستشفيات أو يكابدون للنجاة من المجازر أو يصطفون على طابور تعبئة المياه صباحاً ويجمعون الحطب مساء لمساعدة عائلاتهم، وقد تحولوا جميعهم إلى نازحين.
عمر الشكري، يعتصره الألم وهو يتابع أخبار زملائه ممن يتحدثون عن صعوبة وسهولة اختباري "اللغة العربية" و"التربية الدينية"، حائراً في الأمر هل يمنحه القدر أيضاً فرصة للالتحاق بهم.
يقول الشكري لبوابة اللاجئين الفلسطينيين:" كان من المفترض أن أكون بين زملائي الآن، اندلعت الحرب و لدي شعور عميق بالحزن الشديد، كنت أنوي دراسة الحقوق أوالانضمام لكلية الشرطة آمل أن يكتمل حلمي".
مضيفاً ": قد اقتنيت الملازم والكتب الدراسية إلا أننا نزحنا من الشمال إلى الجنوب ودمر الاحتلال كل شي، اتصفح على الانترنت واقف في طوابير الخبز والماء، إلا أنني سوف أكمل تعليمي، حين تنتهي هذه الحرب، لن أيأس"
شاهد/ي أيضاَ: طلاب التوجيهي في قطاع غزة حرموا من الامتحانات وتحقيق الآمال