عاد الشبان الفلسطينيون الثمانية، الذين خُطفوا من مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت، إلى عائلاتهم بعد ثمانية أيام من الاختطاف والتعذيب والابتزاز على يد عصابة سماسرة هجرة.
واستقبلت حشود من المخيم أمس الخميس 12 أيلول/ سبتمبر الشبان المحررين في أجواء مفعمة بالتضامن، شهدها المخيم مع أبنائه الذين تعرضوا لتلك المحنة، حيث اختلطت دموع الفرح بزغاريد الأمهات ورش الأرز.
في الأول من أيلول/ سبتمبر الجاري 2024، تعرض الشبان الفلسطينيون، لخطف مُدبر من قبل سماسرة هجرة، حين كانوا يحاولون الهجرة من لبنان إلى أوروبا، لكن السماسرة (تبين لاحقاً أنهم عصابة) استدرجوهم تحت غطاء توفير وسيلة سفر إلى أوروبا عبر طرابلس شمالي لبنان، وبعدها تم خداعهم، وفور استقلالهم حافلة من منطقة السفارة الكويتية في بيروت، كان من المفترض أن تنقلهم إلى سوريا وبعدها إلى تركيا فإيطاليا، بدأ الكابوس.
تفاصيل الخطف والتعذيب
غازي الشافعي، أحد الشبان المحررين، روى لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، تجربته المروعة قائلاً: "توجهنا إلى منطقة السفارة الكويتية في بيروت، حيث كان من المقرر أن تنقلنا حافلة إلى الحدود السورية، ومن ثم إلى تركيا، ثم إيطاليا عبر باخرة شحن، ولكن عندما صعدنا إلى الحافلة، أخذنا السائق في اتجاه غير متفق عليه، مما أثار الشكوك لدينا."
وأوضح الشافعي: "سلكنا طريق البقاع، وعند وصولنا إلى بعلبك، انقطع الاتصال بأهلنا بسبب ضعف التغطية، ثم انتقلنا إلى الهرمل، حيث استقبلتنا العصابة في مدينة حمص السورية".
وتابع اللاجئ المحرر: "فجأة، دخل رئيس العصابة ومعه مسلحون، وطلب منا الاستلقاء على الأرض، وقاموا بتعريتنا وتعذيبنا تحت تهديد السلاح، وأبقونا مقيدين بالأغلال، طلبوا فدية قدرها 20 ألف دولار لكل شخص".
أما اللاجئ يسر دغيم، الذي تعرض لأبشع أنواع التعذيب، أكد أن "سائق الحافلة كان أحد أفراد العصابة، وكان يتواصل معهم طوال الوقت، ولم نكن نعرف ما يحدث حتى وصلنا إلى الهرمل، حيث بدأ التعذيب".
يوضح دغيم لموقعنا، أنّ "الاتفاق مع السماسرة كان الصعود الى باخرة شحن متوجهة الى ايطاليا، وفعلاً التقينا مع الرجل الساعة 1 ظهراً في منطقة السفارة الكويتية وصعدنا الى الحافلة التي انطلقت بنا الى منطقة البقاع ثم بعلبك".
وأضاف دغيم: عندما وصلنا إلى بعلبك، قطعوا الاتصال بنا وركبنا جيباً داكن اللون اتجه بنا إلى منطقة حدودية في سوريا، حيث دخلنا إلى بيت صغير، وهناك، قاموا بتعريتنا وضربنا بوحشية، حيث كانوا يريدون أموالاً إضافية، وسرقوا أشيائنا وأموالنا".
وتابع غنيم، أنّ العصابة قامت بتكبيلهم بالأغلال الحديدة وأرسلت مقاطع فيديو إلى عائلات المخطوفين كوسيلة ضغط لابتزازهم لدفع مبالغ طائلة.
دور أهالي المخيم بتحرير ابنائهم
الأهالي في مخيم برج البراجنة، الذي شهد عمليات احتجاج واسعة، قاموا بقطع طريق مطار بيروت الدولي بالإطارات المشتعلة وقطعوا شارع العنان في الضاحية الجنوبية، فور علمهم بخطف أبنائهم، وتلقيهم فيديوهات الابتزاز من قبل العصابة، ما ضغط على السلطات اللبنانية للتحرك بسرعة.
وفي ظل هذا الضغط، بدأت أجهزة الأمن اللبنانية العمل على تحرير المختطفين، ما أدى إلى إفراج العصابة عنهم في منتصف الليل، وسار المحررون لأكثر من عشرة كيلومترات على الأقدام قبل أن يستلمهم الجيش اللبناني.
اقرأ/ي الخبر: غضب في مخيم برج البراجنة بعد اختطاف لاجئين فلسطينيين من قبل سماسرة هجرة في لبنان
وفي هذا الصدد، يقول المحرر غازي الشافعي: "لو لم يخرج مخيم برج البراجنة عن بكرة أبيه، لم نسلم من أيدي العصابة ونخرج سالمين، وأنا اشكر كل أبناء المخيم الذين وقفوا الى جانبنا وبارك الله في كل شخص سعى ألى تحريرنا".
والدة الشاب غازي، عبّرت لبوابة اللاجئين الفلسطينيين عن فرحتها وفخرها بتضامن أهالي المخيم، وقالت: فرحتي بتحرير ابني لا أعطيها لأحد وليس بابني فقط بل بكل الشباب المحررين مؤكدة ان كل الشباب هم أبناء المخيم وكأنهم اليوم ولدوا"
كما باركت لأهل المخيم الذين ساعدوا عائلات المخطوفين، من خلال المشاركة في احتجاجات غاضبة وقطع طريق المطار.
كما شكرت زوجة اللاجئ غازي، سوزان الشافعي، كل من وقف معهم من أهالي المخيم، وفصائل وقيادات فلسطينية تحركت لمتابعة الموضوع.
وقالت: "شكرنا يمتد إلى الصحافة، وسائل الإعلام، والقيادات الفلسطينية واللبنانية التي ساهمت في هذا التحرير."
خيار الهجرة في ظل واقع "بائس"
ما حصل مع هؤلاء الشبان الفلسطينيين من أبناء مخيم برج البراجنة، هو حلقة في سلسلة معاناة وصعوبات يواجهها الآلاف من الشباب الفلسطينيين اللاجئين في لبنان، الذين يسعون إلى الهجرة كسبيل للخلاص من واقع يعبرون بأنه "ميؤوس منه" في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد، وتنعكس آثارها السلبية أضعافاً على اللاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون الحلقة الأضعف، نظراً لحرمانهم من حقوق كثيرة أبرزها حق العمل ما جعل نسب البطالة ترتفع أضعافاً خلال السنوات الأخيرة، واعتماد ما يفوق 80 % من الفلسطينيين في البلاد على المساعدات القليلية المقدمة من وكالة "أونروا" والتي بدورها تقلص من خدماتها تحت حجة "العجز المالي" وما تواجهه من محاولات "إسرائيلية" لتجفيف مواردها المالية وتشويه صورتها أمام المانحين.
يضاف إلى لك شعورهم بـ"االيأس" من واقع سياسي فلسطينيي، يهمش اللاجئين الفلسطينيين فعلياً، أو يوظفهم في الاستقطاب الذي يكرس الانقسام الداخلي، ما يجعل جو "الإحباط" سائداً في المخيمات.
وتشهد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، منذ أكثر من ثلاث سنوات موجات غير مسبوقة من الهجرة عبر طرق التهريب ومراكب الهجرة غير النظامية والطرق المتعددة، هرباً من واقع الفقر والبطالة الذي يكابده 93% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بحسب أرقام وكالة "أونروا".
ولكن هذه الطرق شهدت خلال السنين الماضية، أحداثاً مؤلمة تعرض لها طالبو اللجوء سواء عبر تعرض العشرات منهم للغرق في مراكب متهالكة، أو تعرضهم للاعتقال والخطف من جهات تسيطر على طرق الهجرة، أو من سلطات دول تشكل ممرات للهجرة، أو تعرضهم لاحتيال وسرقة من قبل المهربين وغيرهم.
اقرأ/ي أيضاً: دوروب الآلام .. ملف في المآسي على طرق الهجرة غير الشرعية
ويشير بادي دغيم، والد المحرَّر يسري، "أن الوضع في المخيم صعب، أن الأوضاع المعيشية القاسية تدفع العديد من الشباب للبحث عن فرص أفضل عبر الهجرة"، ولكنه أعرب عن شكره لكل من ساعد في تحرير ابنه.
وعبّر عن أمله في تحسين الظروف المعيشية داخل المخيم حتى لا يتعرض أبناؤه لمثل هذه المخاطر مرة أخرى، مشيراً إلى أنّ ابنه لن يعيد الكرّة مرّة أخرى.
اقرأ/ي أيضاً: "جهاد مشلاوي" يروي تفاصيل رحلة الموت على متن مركب الهجرة المنكوب