فرضت حرب الإبادة "الإسرائيلية" المستمرة منذ عام على قطاع غزة تحديات جديدة على المؤسسات والتجمعات الفلسطينية في أوروبا، التي سعى بعضها خلال سنة عصيبة على خوض حراك سلمي يرتقي إلى حجم الرد اللازم على جرائم الإبادة "الإسرائيلية" التي لا تزال مستمرة، وسط قمع من قبل العديد من السلطات الأوروبية.
وخلقت الحرب فرصاً من ناحية توحيد العمل المشترك بين التجمعات والتأثير في الشارع الأوروبي عبر إيصال السردية الفلسطينية إلى شرائح واسعة من الأوروبيين، لكنها بنفس الوقت حملت تحديات وعوائق من ناحية أخرى تتعلق بالقمع وتقييد حريات التظاهر والتعبير عن الرأي، كحظر شعار"فلسطين ستكون حرة من النهر إلى البحر".
موضوع ذو صلة: ألمانيا تقرر عدم منح الجنسية لمرددي شعار "من النهر إلى البحر، فلسطين حرة"
وقال الناشط في نادي فلسطين العربي بالنمسا محمد أبو الروس: إنه "في بداية الحرب نظمت التجمعات الفلسطينية الحراك السياسي بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فحصل تقارب بينها، ربما بفعل صدمة الدم والقمع الذي طال الجميع، كذلك الزخم الجماهيري، فتمكنت رغم الاختلاف في الأفكار وأساليب العمل من إيجاد نوع من الوحدة على أرض المعركة".
الخلاف الأساسي كان في رؤية الحراك وإمكانية تحويله إلى وسيلة ضغط حقيقية
وأضاف: "نجحت التجمعات بتنظيم الشارع وتطوير قدرات تنظيمية واستيعاب الناشطين، كما تمكنت لأول مرة من تقديم خطابها السياسي الخاص بها، مقلصة الاعتماد السياسي والتنظيمي على منظمات التضامن النمساوية، وبعد زوال الصدمة واعتياد المشهد، بدأت لاحقاً تظهر الفروق والاختلافات حسب التوجه السياسي لكل طرف ورؤيته للعلاقة مع الدولة هنا، حيث مكنت المرحلة الأولى كل تجمع من بناء القدرات التنظيمية والتحالفات اللازمة للعمل وفقاً لرؤيته".
وتابع "الخلاف الأساسي كان في رؤية الحراك وإمكانية تحويله إلى وسيلة ضغط حقيقية، فبينما رأت أطراف (ونحن منها) أن حالة الصهينة المتقدمة التي تشهدها النمسا (دولة ومجتمعاً مدنياً) تتطلب نقل التوتر إلى الشارع لرفع تكلفة الدعم النمساوي غير المشروط لـ"إسرائيل"، احتفظت أطراف أخرى بالخطاب التقليدي في كسب تعاطف النمساويين والمطالبة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، والدفع إلى المقدمة بأصوات يهودية تقدمية أو حتى يسارية "إسرائيلية" على حساب الصوت الفلسطيني، علها تنال آذانا صاغية في المجتمع النمساوي، فانعكس ذلك على تنظيم الاحتجاجات وبرنامجها وخطابها، وأدى إلى شروخ ما زالت قائمة في الوسط الفلسطيني الناشط، بحسب توصيفه.
المظاهرات الكبرى تحولت إلى طقس تظاهر أسبوعي
أما حول تعامل الجاليات الفلسطينية والمؤسسات الفلسطينية مع مجازر الإبادة في قطاع غزة، يرى الناشط الفلسطيني أنه في وقت لاحق من الحرب اتخذ العمل الإغاثي مساراً مستقلاً، وتعرض بدوره إلى الملاحقة من الشرطة، فيما استمر الإجماع على مطلب وقف الحرب لمنع استمرار المجزرة، ومقاومة قمع الدولة للاحتجاجات ورفض الابتزازات السياسية التي مارستها الشرطة، بمحاولتها فرض تعهدات سياسية على المنظمين.
وأكد الناشط الفلسطيني أن الأشهر الأولى شهدت حالة من التصعيد مع المؤسسة الحاكمة في الخطاب وطريقة الاحتجاج، ولكن الأمور تغيرت مع نهاية العام، إذ قبلت أطراف فلسطينية بشروط الشرطة و"بعد أن نظمت التظاهرات الكبرى اليومية، تحولت تلك المظاهرات بسرعة إلى طقس تظاهر أسبوعي كل سبت، ترافقه في الأيام الأخرى تظاهرات ونشاطات احتجاجية أخرى أقامتها القوى الأكثر جذرية التي تميل إلى المواجهة".
رأي آخر.. الحرب وحدت الفلسطينيين في الميدان الأوروبي
أما مسؤول لجان فلسطين الديمقراطية في ألمانيا إبراهيم إبراهيم فلديه استنتاج آخر، ويوضح أن التداعي للوقوف ضد حرب الإبادة لاقى صدىً لدى الجماهير حيث توحدت في الميدان، من خلال المظاهرات والوقفات المستمرة حتى اليوم ، مطالبة بوقف الحرب ووقف تسليح "إسرائي"ل فوراً.
وأشار إبراهيم أنه منذ بدء العدوان على غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تشكّلت في العاصمة الألمانية برلين اللجنة الوطنية الفلسطينية الموحدة، وتضم كافة فئات الطيف الفلسطيني، ما عكس حالة من الوحدة، حيث نظمت الوقفات والمظاهرات ببرلين.
وأبرز ما تركز عليه المظاهرات يرتبط بشرح جرائم العدوان "الإسرائيلي" بحق الفلسطينيين، باللغتين الألمانية والعربية، والدعوة إلى وقف حرب الإبادة ضد غزة، ووقف تسليح "إسرائيل" من قبل الحكومة الألمانية، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه ضد الإنسانية، ورفض التغطية الإعلامية المنحازة.
كما لفت إلى تشيكل شبكة تواصل فلسطينية، لعبت دوراً محورياً بنشر الحقيقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر مقالات وفيديوهات بالعربية والألمانية.
من جهته أيمن نجمة رئيس الجالية الفلسطينية في هولندا أكد أن الحرب أدت إلى تنسيق كبير بين المؤسسات، حيث كان التفاعل كبيراً، فبعد مجزرة المعمداني بدأ التحرك فوراً بعد ساعات قليلة من ارتكابها.
الأنشطة الفلسطينية مؤثرة وإلا لما هاجمها المنحازون لـ (إسرائيل)
وقال: إن "الأنشطة تهدف لدعم شعبنا ووقف الإبادة الجماعية، من خلال التظاهر والتأثير على الأحزاب السياسية في هولندا، والاحتجاج أمام محكمتي العدل والجنايات الدوليتين، عند انعقاد الجلسات".
وأضاف أن "الأنشطة الفلسطينية مؤثرة وإلا لما هاجمتها السلطات الأوروبية ولم تحظ بتغطية إعلامية منحازة إلى الاحتلال وتشوه الناشطين الفلسطينيين، إضافة إلى الدعم السياسي وبالسلاح للاحتلال الإسرائيلي وسط تعارض مع حقوق الإنسان".
وتابع "تتمثل الإنجازات في وصول الرواية الفلسطينية إلى شرائح واسعة من المجتمعات الأوروبية، حيث انخرط عدد لا بأس به من الشباب الأوروبي بالعمل التضامني الفلسطيني"، مطالباً بالعمل على تشكيل لوبي عربي داعم لفلسطين، كي ينتقل التأثير إلى صناع القرار السياسي.