"يحيى السنوار أهم قائد أممي في العصر الحديث" بهذه الجملة بدأ الفنان واللاجئ الفلسطيني خليل غيث المفرج عنه قبل أيام قليلة فقط من السجون الأردنية حديثه من داخل مخيم البقعة أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، إثر 10 أيام من الاعتقال عقب شروعه في رسم جداري خطت فيه ريشته الملامح الأولى للشهيد يحيى السنوار على جدران المخيم ولم تكتمل بسبب اعتقال الفنان.
ولد الفنان خليل غيث في مخيم عقبة جبر غربي مدينة أريحا عام 1966 ولجأ إلى الأردن إثر نكسة عام 1967، وأقام مع عائلته في مخيم البقعة على الحدود الشمالية الغربية للعاصمة عمّان، حيث كانت بداية طفولته في خيمة كسائر اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، وآنذاك عاش والده حالة من الضياع والخوف من المجهول والسعي لتامين لقمة العيش.
ومنذ نعومة أظافره بدأ غيث الرسم لتجسيد معاناة حياة اللجوء كجزء من المقاومة والنضال الفلسطيني، على الرغم من الظروف الصعبة التي عاشها إلا أنه كان أحد الأطفال اللاجئين الذين نجوا بموهبتهم.
حياة اللجوء شاهد على معاناة الشعب الفلسطيني .. نخرج من بين الجراح
واعتماداً على ذاكرة اللجوء لدى الآباء والأجداد تمكن الفنان من توثيق بعض من تاريخ اللجوء الفلسطيني، وشوارع المخيمات ومن ثم نقل الفن إلى الشارع عبر الجداريات التي وثق خلالها الأحداث الفلسطينية التاريخية، وبذلك كان له دور بارز في تشكيل هوية مخيم البقعة ومخيمات أخرى داخل الأردن.
يقول الفنان غيث لبوبة اللاجئين الفلسطينيين: "أحاول من خلال الرسم على الجدران توثيق حالة ومعاناة اللجوء لأني اعتبر حياة اللجوء هي الشاهد الحي على معاناة الشعب الفلسطيني وهي جزء من النضال الفلسطيني، حيث أننا رغم مرارة العيش القاسية في المخيمات خضنا غمار التعليم وحصلنا على أعلى الشهادات وخضنا غمار التجارة، باختصار نحن شعب نخرج من بين الجراح دائما ونعيد إنتاج أنفسنا".
ويعبّر غيث أن رسم الجداريات نوع من التربية الوطنية لأطفال المخيم من خلال تعريفهم بتاريخ فلسطين عبر شرحه الذي يلقيه على الأطفال أثناء الرسم الذي المُستوحى من المشاهد اليومية في مخيمات اللجوء من خلال النظر إلى حدقات الأمهات ومعاناة الآباء.
السنوار رمز أهم من جيفارا وهوشي وبعض الأنظمة تريد محو ذكرى الأبطال
دفع غيث ضريبة لممارسته الفن المقاوم الذي يعتبره بأنه يخدم قضية عادلة، حيث اعتقل لما يقارب 10 أيام لسبب غير معلوم، بعد شروعه في رسم جدارية للقائد الشهيد يحيى السنوار.
وعقب الإفراج عنه تحدث غيث لبوابة اللاجئين الفلسطينيين قائلاً: "كان اعتقالي الاخير بسبب رسم بعض رموز المقاومين والشهداء الأبرار وهذه ضريبة لا بد من دفعها رغم انني لا أحسب على المعارضة.. أنا فقط أناضل بريشتي وهذا أضعف الايمان".
يؤكد غيث أنه سيكمل جدارية السنوار ويضيف: "أنا كغيري اعتبره رمزاً أهم من جيفارا وهوشي من والجنرال جياب، السنوار هو أهم قائد أممي في العصر الحديث، رغم ما محاولات الاحتلال الإسرائيلي ترويج فكرة أنه يختبئ بين الأسرى الإسرائيليين، إلا أنه استشهد مقاتلاً مُقبلاً غير مدبر وهذا شكل نبراساً وايقونة للأجيال القادمة وسيبقى في سجل الخالدين".
ويرى غيث أن النظام الرسمي العربي مرتهن لقوى الامبريالية العالمية، ووصفه بأنه ضعيف جداً ويحاول إجهاض أي عمل حتى لو كان بسيطاً ليمحو من الذاكرة جميع الأبطال.
وحول اعتقاله يوضح الفنان أنه لم توجه له أي أسئلة ولم يوقع على أي تعهد، معللاً رفضه بشده على أن يوقع على إلغاء يده مهما كانت النتائج، وأشار إلى أنه لا يستطيع الدخول في تفاصيل الاعتقال بوصفها "أياماً صعبة".
اعتقال تعسفي طال عدداً من الناشطين بعد تضامنهم مع المقاومة الفلسطينية
يرى المحامي حلمي الدرباشي الذي تبرع للدفاع عن خليل غيث والحضور معه على الرغم من أنه لم يتهم بأية قضية ولم يوجه له الإدعاء العام أي تساؤلات، أن ذلك اعتقال تعسفي وقد طال العديد من الناشطين بذرائع متعددة منها التضامن مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
وأكد الدرباشي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن غيث اعتقل بطريقة تعسفية لمدة محدودة والإفراج عنه تم بكفالة ولم يبدو هناك أي أسباب للاعتقال بالإشارة إلى أنه لا توجد أية قوانين تسمح بتنفيذ هكذا نوع من الاعتقالات.
يوضح الدرباشي أن الاعتقالات في الاردن، لا تقتصر على المخيمات الفلسطينية فقط بل تشهدها كافة المدن الأردنية بما فيها المخيمات، وأيضاً تتصاعد في صوفو طلاب الجامعات تحت ذرائع التضامن مع المقاومة الفلسطينية أو أسباب أخرى تتعلق بالنشر على وسائل التواصل الاجتماعي والذي تعتبره السلطات "تهديداً للسلم الأهلي".
ويبيّن الدرباشي أن الاعتقالات من هذا النوع تعتمد بصورة عامة على مواد في قانون العقوبات وكذلك على قانون الجرائم الإلكترونية الذي وضع قيوداً كبيرة على حرية التعبير.
يقوم الدرباشي إلى جانب المؤسسات الحقوقية بالدفاع عن المعتقلين لأسباب تتعلق بحرية الرأي والتعبير والوقوف أمام المحاكم الأردنية بالاستناد إلى أن الدستور الأردني نص في إحدى مواده على أن حرية الرأي مصونة ومكفولة.
ومن جهة أخرى، يؤكد ناشط في اللجان الشعبية داخل مخيم البقعة رفض ذكر اسمه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن هناك اعتقالات من داخل مخيم البقعة وخارجه ضمن قانون الجرائم الالكترونية على خلفية المشاركة في الفعاليات المتضامنة والرافضة للحرب على الشعب الفلسطيني.
غير أنه لم يحدد أعداد المعتقلين الذين سرعان ما تفرج السلطات الأردنية عن غالبيتهم بمحاكمة أو دون محاكمة، مشيراً إلى أن مركز الحريات في النقابات المهنية أو لجنة المحامين التابعة للملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن يتابعون أوضاع المعتقلين ويضغطون على السلطات من أجل الإفراج عنهم خلال الهتافات أثناء المسيرات الداعية لإطلاق سراح المعتقلين.
وفيما يتعلق باعتقال الفنان غيث خليل يقول الناشط الفلسطيني: إن غيث استدعي من قبل الأجهزة الأمنية أكثر من مرة على خلفية نشاطه الفني الوطني الذي يقوم بكل مرة وفي كل مناسبة وطنية.
وأضاف: أن الجدارية الأخيرة تسببت باعتقاله من أمام منزه بعد أن أعلن انه سيقوم برسم لوحة للشهيد القائد السنوار وتم اعتقاله لمده 10 أيام في سجن معروف باسم " ماركا".
وباستفاضة أكثر يوضح الناشط أن لجنة تنسيق العمل الشعبي قامت بدورها خلال مدة الحرب "الإسرائيلية" على قطاع غزة، وما قبل الحرب بالعديد من الفعاليات في جميع المناسبات الفلسطينية والوطنية وكان هناك ضغط من السلطات باتجاه إلغاء هذه الفعاليات ولكن كون هذه النشاطات تتم داخل المخيم وهي فعاليات سلمية لا يتم إلغاؤها.
إسرائيل تثير النعرات ضد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن
ويوضح الناشط أن أغلب التهم التي كانت توجه إلى المعتقلين هي تخص قانون الجرائم الالكترونية بمعنى أنه يتم الاعتقال بسبب هتاف أو منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أو بتهم "تعكير صفو العلاقات مع دول شقيقه او التجمع غير المشروع".
ويشير إلى أن هذه الاتهامات لا تطال فقط ناشطين داخل مخيم ولكن تطال جميع الناشطين والمطالبين بنصرة الشعب الفلسطيني، بالإشارة إلى أن جميع القاطنين في هذه المخيمات يحملون الجنسية الاردنية.
يقول الناشط الفلسطيني:" يحاول الذباب الالكتروني وأتباع القوة "8200" الصهيونية خلال هذه الفترة إثاره هذه النعرات باتجاه أن اللاجئين أو غير الأردنيين هم من ينظمون الفعاليات ولكن على امتداد جغرافيا المملكة فإن جميع الأردنيين يخرجون للتضامن ونصرة للشعب الفلسطيني، ليلغوا بذلك فكرة أن من يخرج فقط هم اللاجئون الفلسطينيون".