يمثل مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين في الأردن صورة حية للمعاناة المستمرة التي يعيشها الفلسطينيون، حيث تتجدد أزماتهم الإنسانية يومًا بعد يوم، في ظل ما يصفه ناشطون داخل المخيم بتجاهل الجهات الرسمية وغياب المسؤولية من السلطات المعنية.
مخيم البقعة شاهد حي على نكبة الفلسطينيين ومعاناتهم المستمرة
ولطالما كان يعدّ مخيم البقعة الشاهد الحي على معاناة اللاجئين الفلسطينيين منذ أن تم تأسيسه عام 1968 مع مخيمات "الطوارئ" الستة في الأردن، في أعقاب نكسة حزيران/ يونيو 1967، شمال غرب العاصمة الأردنية عمان، وهو أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هناك، حيث يقطنه اليوم أكثر من 120 ألف نسمة في مساحة صغيرة لا تتجاوز 1.4 كيلومتر مربع.
وفي بادئ الأمر ضم مخيم البقعة عند إنشائه 5 آلاف خيمة خصصت لإيواء 26 ألف لاجئ فوق مساحة 1,4 كيلومتر مربع، وبين الأعوام 1969 وحتى 1971، قامت وكالة "أونروا" باستبدال الخيم بحوالي 8 آلاف مسكن مسبق البناء وذلك من أجل حماية الناس من ظروف الشتاء القاسية في الأردن وقد قام معظم السكان منذ ذلك الوقت ببناء مساكن اسمنتية أكثر قوة ومتانة.
تكبد الفلسطينيون أزمات متلاحقة لطالما عانوا منها منذ أن وطأت أقدامهم هذا المخيم الذي يوسم بأنه الأكثر اكتظاظاً على الإطلاق من بين مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى، لا سيما أن بنيته التحتية ضعيفة وليست بالشكل المطلوب الذي يعاصر عقوداً من اللجوء تجازوت الخمسة عقود، تتوالي فيها الأجيال التي تحتاج إلى خدمات إنسانية ومقومات حياة كريمة حدها الأدنى غير موجود داخل المخيم.
ووسط هذه الظروف المتردية تكثر التساؤلات حول وجود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ودورها المعروف بأنه محوري ورئيسي في تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين في مخيم البقعة انطلاقاً من هدف تأسيسها لاسيما أنها الجهة الرئيسية المسؤولة والمخولة للعمل داخل المخيم.
ويجمع عدد كبير من الناشطين داخل المخيم على أن غياب الدعم الكافي من قبل وكالة "أونروا" قد ساهم بشكل حقيقي في تعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية داخل مخيم البقعة، لا سيما وأن اللاجئين الفلسطينيين فيه يعتمدون بشكل أساسي على دعم الوكالة الأممية والتي اعتبرت طوق النجاة المؤقت إلى حين العودة إلى الديار.
وفي ظل غياب أي بدائل فعّالة تعاني وكالة "أونروا" من هجمات "إسرائيلية" وامريكية شرسة تستهدف وجودها ومنابعها المالية، ما يجعلها تقلص خدماتها عن أهالي مخيم البقعة كما غيره من مخيمات اللجوء.
البطالة والفقر "قدر" مفروض على أهالي مخيم البقعة
الفقر والبطالة أزمات رئيسية تجسد واقعًا يوميًا يفرض نفسه على معظم العائلات اللاجئة في مخيم البقعة حيث تكافح لتأمين احتياجاتها الأساسية وسط غياب الحلول أو أشباه الحلول التي تخفف قليلاً عمق الأزمة الاقتصادية.
يلحظ الناشط ثائر سعادة واللاجئ في مخيم البقعة وجود جيل متعلم من أبناء المخيم من حملة الشهادات العليا لكن قلة فرص العمل وتدني الأجور، يجبر المعظم على التوجه للعمل في المصانع والمهن غير مرتبطة بالشهادات حيث يبلغ الحد الأدنى للرواتب 260 ديناراً.
ويصف سعادة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين "الحالة المأساوية" التي تسيطر على أبناء المخيم الذين لا يتمكنون مع هذا الحد المتدني من الدخل من بناء مستقبلهم أو تأسيس بيت الزوجية، ما يضطر الشاب إذا تزوج أن يسكن مع العائلة في بيت مكون من ثلاث غرف ومطبخ و حمام حسب المساحة الممنوحة من وكالة الغوث بنحو 93 متراً مربعاً.
تردي الواقع الصحي: معاناة تفوق قدرة اللاجئين على التحمل
وتتقدم أزمة الواقع الصحي المتردي على الأزمات التي يعاني منها اللاجئون في مخيم البقعة بفعل نقص حاد في الخدمات الطبية الأساسية وغياب الأطباء المتخصصين، مع وجود عيادات محدودة تعاني من الاكتظاظ ونقص التجهيزات والأدوية، حيث يجد المرضى أنفسهم مضطرين إلى تحمل مشقة الانتظار الطويل أو الاستدانة من أجل اللجوء إلى مستشفيات خارج المخيم باهظة التكلفة تفوق إمكاناتهم المادية.
ويقول الناشط الفلسطيني سعادة: إن مصاعب جمة تترتب على اللاجئين الفلسطينيين في المخيم، بسبب وجود مركز صحي أو اثنين يتبعان لوكالة "أونروا"، ويخلوان بحسب وصفه من معظم الاختصاصات، حيث تقتصر الاختصاصات على تلك المتعلقة بـ"الأمومة والطفولة" وإعطاء التطعيمات للأطفال، بما لا يلبي حاجة أغلبية سكان المخيم.
ويضيف: إن الغالبية من سكان مخيم البقعة يرتادون المراكز الحكومية،أو أطباء خاصين بأجور مرتفعة.
يتفق معه في هذا الشأن الناشط مصطفى جابر واللاجئ داخل مخيم البقعة، والذي يؤكد لموقعنا وجود أزمة عميقة فيما يتعلق بالصحة، كون سكان المخيم يعتمدون على اثنين فقط من العيادات الصحية الموجودة التابعة لوكالة "أونروا، والتي لا تغطي ولا تعالج أمراض كثيرة يصاب بها الأهالي منها الطارئ ومنها المزمن.
ويقول جابر لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن العيادتين تفتقران للأخصائيين، ما يجعل مستوى الخدمة الصحية متدنياً جداً، لا سيما وأن طبيباً واحداً يعالج 40 أو 50 حالة، وهو عدد كبير نسبياً في فترة دوام لا تتجاوز ثماني ساعات.
ويشير جابر إلى أزمة الفقر المستشرية في مخيم البقعة، ما يجعل من العلاج خارج المخيم وفي العيادات الخاصة أمراً مرهقاً وصعب المنال لغالبية الأسر، والتي لا يتجاوز الدخل الشهري لمعظمها 150 ديناراً، وهو دخل يعتبر متدنياً جداً بالنسبة لأسرة تتكون من 3 أو 5 أفراد.
ويضيف: إنه في الماضي كانت الأسر تتلقى عبر "اونروا" مواداً تموينية وغذائية، وكانت هذه المساعدة تمكنها من العيش لعشرين يوماً شهرياً، إلا أن هذه المساعدة تقتصر في الوقت الحالي على عدد قليل من العائلات الأكثر عوزاً وتحولت إلى مبلغ نقدي كل ست شهور لا تتجاوز قيمته 40 ديناراً أردنياً، مطالباً وكالة "أونروا" بالعودة إلى فتح المراكز القديمة التي لا زالت تحتفظ فيها لتوزيع المساعدات على أهالي المخيم.
النفايات تملأ الشوارع وسط تراجع خدمات "أونروا"
أزمة بيئية خطيرة أخرى تهدد المخيم وسكانه بسبب تراكم النفايات في شوارعه، نتيجة اقتصار خدمات النظافة والصرف الصحي التي تقدمها "أونروا" على ساعات عمل معينة وقصيرة لا تلبي الغرض حيث أصبحت النفايات تتراكم بشكل غير مسبوق، مما يمهد لمخاطر صحية كبيرة مستقبلية، وفق الناشط الفلسطيني سعادة، الذي يؤكد أن أقل من 40 عامل نظافة فقط يخدمون المخيم وخلال ساعات عمل الصباح التي تبدأ من السادسة حتى الثانية بعد ظهر اليوم، ويعقب ذلك تراكم أكوام القمامة بالشوارع، ويحولها إلى "مكرهة صحية" وفق وصفه.
وعلل سعادة أيضاً أسباب تراكم القمامة إلى انتهاء مدة خدمة العاملين الذين لا يجري تعيين بدلاء عنهم بشكل ثابت، بل يستعاض عنه ببديل بعقد شهري أو نصف سنوي.
ويرى الناشط جابر أن وكالة "أونروا" أمام خيار تدوير النفايات حيث تتمكن من الحفاظ على البيئة وتجد فرص عمل للاجئين.
كما يعتقد جابر أن وكالة "اونروا" والدول المانحة يمكنهم ابتداع أفكار جديدة لبناء شكل مختلف في المخيم فبرأيه يمكن بناء مدينة صناعية على أطراف المخيم، لتصبح مجمعاً للميكانيكيين وأصحاب الحرف الصناعية حيث يتم جمعهم في مكان محدد، ما يزيد فرص العمل لأهالي المخيم.
التعليم يتداعى أمام أزمة اكتظاظ المدارس
بدأ قطاع التعليم في مخيم البقعة بالتهاوي منذ زمن بفعل تحديات كبيرة أوجدها الاكتظاظ السكاني ونقص الإمكانيات، وتحولت عملية التعليم في المخيم إلى تجربة تبدو أصعب يوماً بعد يوم على الطلاب والمعلمين أيضاً على حد سواء.
علاوة على ذلك تعاني المدارس من نقص في الكوادر التعليمية المتخصصة والتجهيزات الضرورية، ما يزيد من معاناة الطلاب الذين يعانون من ظروف تعليمية غير مناسبة وفي ظل هذا كله تساهم تقليصات وكالة "أونروا" في زيادة الأمر سوءاً.
ويعتقد الناشط جابر أن مشكلة التعليم تكمن بشكل رئيسي في الاكتظاظ السكاني كون أعداد سكان المخيم بلغ 170 ألف نسمة وفقاً لإحصائيات "أونروا" مشيراً إلى أنه يبلغ أكثر من ذلك خصوصاً ان البناء في المخيم أخذ منذ سنوات الشكل العامودي.
ويشرح جابر لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "عدد الطلاب في الصف الواحد لا يكون في معظم الأحوال أقل من 50 ألف طالب، ما أدى الى اكتظاظ في الصفوف ومشاكل في التعليم"
ويرى جابر أنه من "واجب "أونروا" كراعية للاجئين زيادة عدد الصفوف بشكل مقبول وتوزيع المدارس بمحيط المخيم، موضحاً أن الوكالة غالباً ما تتذرع بعدم وجود متسع لبناء مدارس جديدة، بينما يمكنها استئجار مساحات في محيط المخيم تتسع لبناء ثلاث مدارس، بحسب قوله.
يقول جابر: إن نقص الخدمات في بعض المجالات، خاصة الصحة والتعليم "يؤثر على إنشاء الجيل القادر على مواكبة العصر خاصة أن هذه الأجيال تستطيع التعلم عن طريق الانترنت حيث اختلفت طرق التعليم،" مشيراً إلى احتياجهم من "أونروا" فتح مراكز لتطوير التعليم وأفكار الطلاب المبدعين.
ويتحدث جابر بمزيد من التفصيل عما يمكن أن يحصل حال استبعاد "أونروا" من حياة اللاجئين الفلسطينيين، في ظل عدم وجود أي جهة أخرى تستطيع أن تقدم الخدمات للمخيم كما تفعل "أونروا"، قائلاً: إن على زيادة عدد الصفوف المدرسية والمعلمين والأطباء وخلق فرص عمل كلها مهام لا يستطيع أفراد أو مؤسسات أهلية القيام بها، ويعول على وكالة "أونروا" فقط تأدية هذا الدور.
من جهته، يؤكد رئيس اتحاد العاملين في وكالة "أونروا" السابق كاظم عايش وجود اكتظاظ داخل الصفوف في مدارس مخيم البقعة، ما يشكل حملاً كبيراً على المعلم ويؤثر على نوعية التعليم المقدم للطلاب.
ويوضح عايش أن الغرف الصفية غير مزودة بوسائل الراحة، فعلى سبيل المثال لا يوجد تدفئة في الشتاء ولا تكييف في الصيف، ما يؤثر على الظروف التي يتعلم فيها الطلاب ويؤثر على نوعية تعليمهم، ويضيف بأن المنشآت التي توجد فيها المدارس لا تتوفر فيها الأدوات اللازمة لاستكمال العملية التعليمية، فليست كل المدارس تحتوي مختبرات علمية أو مكتبة أو غرف أنشطة او أجهزة حواسيب، وغالباً ما تتذرع وكالة "أونروا" بنقص التمويل لتبرير ذلك.
وبيّن أن "أونروا" كانت تزود الطلاب بقرطاسية وعدد من الاحتياجات التعليمية ونتيجة لتقليص الخدمات، لم تعد تقدم كل ذلك وهو ما زاد العبء المادي على أولياء الأمور.
يرى عايش أن التقصير في دور وكالة "أونروا" لا يتعلق بمخيم البقعة وحده، فهناك مليونان ونصف مليون لاجئ فلسطيني في الأردن يتلقون نفس الخدمات، وإن اختلفت نفس ظروف سكنهم وأوضاعهم المعيشية، تجمع بينهم عوامل مشتركة.
كما يؤكد أن وكالة "أونروا" تجاوزت 70 عاماً، ومع ازدياد عدد اللاجئين الفلسطينيين مقابل عدم الزيادة في التبرعات التي تقدمها الدول المانحة لوكالة "أونروا" فإن هذا يؤثر على حجم ونوعية الخدمات التي تقدمها الوكالة للاجئين.
مبادرات مجتمعية خجولة
في ظل هذه الأوضاع، تحاول بعض المبادرات الأهلية داخل مخيم البقعة بمواجهة أزمات عدة، أبرزها الفقر والبطالة رغم ما تواجهه من تحديات.
في هذا السياق يقول الناشط الفلسطيني مصطفى جابر: إن المبادرات الأهلية في المخيم تقتصر على جمعيات تُعنى برعاية المعاقين الأيتام الفقراء، وتقدم خدمات من خلال مبادرات فردية إلا أنه تواجه نقصاً بالمعلومات والموارد كسائر الجمعيات الأخرى.
ويشير جابر إلى "عدم وجود بيانات داخل المخيم لتوزيع الخدمات على السكان بشكل عادل، بما يحرم الكثير من تلقي الخدمات".
ويتجاوز عدد الجمعيات الثقافية والاجتماعية في المخيم 48 جمعية، يرى الناشط الفلسطيني أنها تحتاج بالفعل إلى وجود بيانات ومعلومات حقيقية عن أبناء المخيم لتقديم الخدمة لكل الأفراد.
ورغم ذلك يرى معظم الناشطين في مخيم البقعة أن مشكلاته وأزماته أكبر من أن يتصدى لها ناشطون ومؤسسات، وتظل بحاجة إلى منظمة أممية وجهات رسمية من أجل حلها وتجاوزها.