حرب أخرى ستدق رحاها على رؤوس ملايين اللاجئين الفلسطينيين وستضع مصيرهم على المحك عقب أيام قليلة من إغلاق أول مقر لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في مدينة القدس، وهو المقر الرئيسي لعملياتها في فلسطين، ما يهدد بوقف الخدمات الإنسانية ويعرقل عمل عشرات العيادات والمدارس.
"قرار" الكنيست "الإسرائيلي" بحظر عمل "أونروا" يدخل حيز التنفيذ مع نهاية الشهر الجاري أي بعد يومين، وما إن تم تنفيذه سيجعل من المستحيل على وكالة "أونروا" الاستمرار في العمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة مع ما يعانيه الفلسطينيون في قطاع غزة من أزمة إنسانية حادة، وكذلك التدهور السريع للأوضاع في الضفة الغربية على الصعيد الإنساني والاقتصادي.
وفي غضون أيام قليلة، قد تُجبر "أونروا" التي تعمل على إغاثة ودعم ملايين اللاجئين الفلسطينيين منذ حدوث النكبة عام 1948 على إنهاء عملياتها الحيوية في غزة والضفة الغربية لا سيما بعد القرار "الإسرائيلي" الأخير بإغلاق مقرها في حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة.
ما أبزر الخدمات التي تقدمها وكالة "أونروا" في القدس والضفة الغربية؟
يعتبر مقر "اونروا" في حي الشيخ جراح بمدينة القدس الشرقية المحتلة هو المقر الرئيسي حيث توجد الوكالة منذ أكثر من 70 عاماً، هو مركز عمليات الوكالة في الضفة الغربية المحتلة التي تشمل شرقي القدس.
وتعمل "أونروا" في جميع أنحاء شرقي القدس المحتلة منذ خمسينيات القرن الماضي وتوفر الوكالة الرعاية الصحية الأولية لـما مجموعه 70 ألف مريض إلى جانب 1,150 طالب وطالبة في مدارس وعيادات "أونروا".
ويقدم مركز "أونروا" الصحي في الزاوية الهندية في شرقي القدس خدماته لأكثر من 30 ألف مريض من اللاجئين الفلسطينيين الأكثر ضعفًا، ويستقبل 200 زيارة يوميًا.
في الضفة الغربية نحو 50 ألف طفل يدرسون في مدارس وكالة "أونروا" ويوجد أكثر من ألفي موظف في "أونروا" يقدمون التعليم في الضفة الغربية، بما في ذلك مدينة القدس المحتلة.
وفي قطاع غزة والضفة الغربية معًا نحو 17 ألف موظف فلسطيني يعملون على خدمة اللاجئين الغالبية العظمى منهم معلمون، عاملون صحيون، ولوجستيون، وعمال صحة بيئية، وموظفو دعم.
وعلى مر السنين، كانت هناك محاولات متكررة لإجبار "أونروا" على إخلاء المبنى في الشيخ جراح، من خلال هجمات المستوطنين ومظاهراتهم أمامها، والحرق المتعمد ورسائل الإخلاء وقد تعرض موظفو وكالة "أونروا" للعنف والاعتقالات، بحسب وكالة "أونروا".
100 ألف لاجئ سينزع منهم صفة اللجوء عقب إغلاق مقر "أونروا" في القدس
لم تفلح النداءات الأممية والتحركات الدولية التي وصفت بأنها "خجولة" أمام "قرار" للكنيست يدمر مستقبل عودة مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين ويحرمهم من الخدمات الأساسية من ثني سلطات الاحتلال عن إصدار التنبيه الأخير للوكالة الأممية لإنهاء أنشطتها في مدينة القدس المحتلة وإخلاء كل المباني التي تشغلها مع حلول الخميس 30 يناير/كانون الثاني، وفق رسالة وجّهت إلى الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش".
يصف سامي مشعشع الخبير بشؤون وكالة "أونروا" أن تأثير إنهاء عمل الوكالة وإغلاق منشآتها في مدينة القدس وضواحيها بـ "المدمر" على كافة المستويات ما يؤثر على أكثر من 100 ألف لاجئ فلسطيني مقدسي يحملون بطاقات "أونروا"، كما ستتأثر خدمات الوكالة التعليمية والصحية والاجتماعية والإغاثية والقروض كلها بشكل كامل.
ويؤكد مشعشع في حديثه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن اللاجئ الفلسطيني في القدس يصنف ضمن الفقراء ومعظم اللاجئين الفلسطينيين في منطقة القدس ومخيم شعفاط يعيشون ضمن مستوى خط الفقر المنصوص عليه "إسرائيلياً" وإنهاء عمليات الوكالة وخدماتها سيزيدهم فقراً.
ولفت إلى أن أعداداً كبيرة من اللاجئين يصنفون في سجل الوكالة كحالات عسر شديد وهم أفقر الفقراء، والقدرة على الاستجابة لاحتياجاتهم ستكون محدودة، ما سيدفع بالمزيد منهم تحت خط الفقر المدقع، وهذا سيكون له تداعيات كبيرة.
إغلاق منشآت الوكالة في القدس مقابل إقامة مستوطنات "إسرائيلية"
ويرى مشعشع أن إغلاق مدارس "اونروا" في مخيم شعفاط بالقدس للاجئين داخل حدود القدس وبقية المدارس وإغلاق العيادات والمنشآت الأخرى سيؤثر كثيراً على قدرة الوكالة على تقديم الخدمات لهم، عدى عن التداعيات السياسية الخطيرة جداً لإغلاق مقر الوكالة في الشيح جراح ونقل مكاتب المفوض العام والرئاسة إلى عمان وتفريغ مقر الرئاسة ونقل المكاتب الإقليمية بالضفة الغربية وتموضعها في نابلس ورام الله والخليل في الضفة الغربية.
ويشرح مشعشع بأن ذلك يفضي إلى الحد من قدرة الوكالة على الاستجابة لاحتياجات أكثر من 850 ألف لاجئ فلسطيني بالضفة بالعودة إلى الوضع المالي للوكالة السيء كما أن قدرتها على الإيفاء بالحد الأدنى للخدمات للاجئين هشة جداً فيما أن العجز المالي الكبير للوكالة جرى ترحيله هذا العام ولم تحصل الوكالة سوى على نصف الميزانية المطلوبة.
وسبب غياب الدعم الأميركي الكامل وغياب الدعم المالي للسويد وتراجع الدعم السويسري والهولندي على حصار "أونروا" ضغطها لا سيما مع محاولة إنهاء عملها ودحرجة إنهاء عملها في المناطق المصنفة (ج) والمناطق (ب) من الضفة الغربية وهي المناطق المحددة للضم الاستيطاني وكلما زاد حدة الضم كلما تراجعت خدمات الوكالة وزيادة الضغط السياسية وفقاً لمشعشع.
ويؤكد مشعشع أن خلال خمسة أيام سينفذ قرار طرد "اونروا" من مقر الشيخ جراح من معهد تدريب قلنديا ومن ثم إقامة بؤرتين استيطانيتين عليها ومن ثم ستتدحرج الى إنهاء صفة المخيم عن شعفاط وصفة اللاجئ عن القاطنين فيه ومن ثم إنها عمل الوكالة ومنشاتها ووجودها في القدس ثم دحرجة ذلك الى الضفة والإبقاء على تهميش الوكالة في غزة وصولا الى ترجمة نية ترمب بتوطين اللاجئين الفلسطينيين.
إغلاق "أونروا" في القدس يمهد لتهميش دورها في غزة
ويصف الخبير بشؤون وكالة "أونروا" خلال حديثه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين بأن وضع الوكالة الأممية على الجهة الأخرى في غزة بأنه "مأساوي جدا" خاصة بعد تدمير 200 منشاة لها مما سيؤثر على العملية التعليمية
وأوضح مشعشع أن هناك قلقاً كبيراً على نجاح العملية التعليمية في قطاع غزة للسنة الثانية على التوالي، لأن المنشآت مدمرة والقدرة المالية ضعيفة، لا سيما مع محاولات الاحتلال تحجيم الوكالة ودورها في إعادة البناء حيث لن تتمكن من قيامها بدورها فيه بسبب الهجمة الكبيرة عليها وقتل موظفيها وبالتالي بالكاد ستقدم الحد الأدنى من الخدمات الإغاثية والإنسانية وخدمات الصحة النفسية.
وذكر مشعشع أن سلطات الاحتلال حاولت خلال الحرب على غزة خلق بدائل عبر مجموعات العشائر أو مؤسسات غير ربحية أو مؤسسات محلية وإقليمية وحتى عبر مؤسسات أخرى دولية مثل الغذاء العالمي ولم تفلح جميعها كما ولا يزالون يحاولون إيجاد البدائل عن وكالة "اونروا".
وشدد مشعشع على أن فكرة بدائل "أونروا" لا يجوز التحدث عنها على الإطلاق كونها تصب في مصلحة الاحتلال وتقدم له "هدية مجانية"، لأن "أونروا" مرتبطة بشكل وثيق بقضية اللاجئين وحق العودة والتعويض والبدائل، وستقدم فقط الدواء والغذاء وغيرها للاجئين وهذا خطير.
اللاجئون الفلسطينيون في الشتات ماذا سيكون مصيرهم عقب وقف "أونروا"؟
لطالما أعلنت الوكالة الأممية أن أكثر من 600 ألف من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والأردن بحاجة إلى مساعدات إنسانية وللاستجابة للاحتياجات المتزايدة لهم في ظل الأزمة المالية ونقص التمويل الذي تعاني منه على مدار أشهر طويلة.
ويعلق الخبير في شؤون "أونروا" على موقف الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والأردن عقب إيقاف عمليات الوكالة بأن القلق يكمن في مخططات تشجيع الترحيل والتهجير لأكبر عدد ممكن من اللاجئين من القدس والضفة وغزة وتوطين اللاجئين في الأردن بالتحديد وفي سوريا ولبنان فيما تنوي تلك المخططات لتشجيع الكفاءات على الهجرة لدول ثالثة.
ويقول مشعشع بأن غياب الوكالة سيزيد الأعباء المالية على هذه الدول كونها تقدم خدمات رديفة لخدمات الوكالة سواء الحكومة السورية أو اللبنانية ولكن دائماً كانوا يتأكدون أن هذه الخدمات مكملة لـ "أونروا" وهي بقيمة مالية مهمة بالنسبة للاجئين.
إلا أن الأخطر من ذلك هو توطين الفلسطينيين بما يتساوق مع تصريح "دونالد ترمب" أنه يتواصل مع القادة العرب لتحريك أكبر عدد من اللاجئين وغيرهم من قطاع غزة لخارجها وهي دعوة صريحة لتوطين والتهجير القسري، والقلق أن يكون هناك تجاوب معه، بحسب مشعشع.
ويعتقد مشعشع أن الدمار الذي حل بمخيمات الفلسطينيين في لبنان وسوريا يجعل فاتورة البناء كبيرة ومع وجود مئات الألوف من اللاجئين في الأردن الذين يعيشون دون خط الفقر المدقع فلن تستطيع الوكالة تقديم الخدمات المطلوبة مشيراً إلى الضغوط على الوكالة بجانبيها السياسي لإضعافها وتفكيكها والثاني سكين الضغط المالي والتفقير والتجويع والوضع الاقتصادي للاجئين سيتأثر تأثرا ملحوظا.
لا حلول ولا مبادرات دولية في ظل الانقسام الفلسطيني
وينفي مشعشع وجود أي مبادرات دولية أو حلول طرحت على طاولة الأمين العام للأمم المتحدة فيما يخص بالحد الأدنى تطبيق القرارات "الإسرائيلية" بإغلاق مقر "أونروا" في القدس واصفاً الأمين العام بـ "الضعيف والهزيل" الذي فقط يصدر بيانات، مشيراً إلى أنه لا يوجد أمل بالأفق.
ولفت إلى أنه كان بإمكان الأمين العام أن يفعّل المادة (99) من ميثاق الأمم المتحدة التي تعطيه الحق الدعوة الى انعقاد طارئ لمجلس الامن بكامل هيئته لمناقشة اتخاذ إجراءات ميدانية مباشرة للجم الكيان من تنفيذ مخططه وكان بإمكانه ان يتواصل مع الجمعية العمومية للأمم المتحدة المؤسسة لتي ترعى وانشات الوكالة عبرها.
كما بيّن أن الأمين العام للأمم المتحدة كان بإمكانه أن يدعو ريئس الجمعية العامة لانعقاد الدول الأعضاء لإعلان دولة "إسرائيل" دولة مارقة وتجميد عضويتها مقابل أن توقف إجراءاتها ضد "أونروا" ولكن لم يحصل.
ويرى مشعشع أن هناك غياباً كاملاً ومعيباً للدور الفلسطيني حيث لا خطة فلسطينية في ظل الانقسام الفلسطيني بوصفه يقتل حق العودة قتلاً مباشراً، كما تغيب الوحدة الوطنية بينما لا وجود لاتفاق فلسطيني لمواجهة هذه التحديات، مما يعني أن الكيان "الإسرائيلي" ربح هذه الجولة ويخشى أنه سيربح جولات كبيرة للقضاء على حق العودة إن لم يتم التحرك، على حد وصفه.