تواجه عائلات مخيم البرج الشمالي للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان تحدياً إنسانياً جديداً مع امتلاء المقبرة الوحيدة الموجودة داخل المخيم، مما يضع السكان أمام مأزق حقيقي بشأن دفن الموتى. يأتي هذا التحدي ليضاف إلى قائمة طويلة من الصعوبات التي يعاني منها اللاجئون الفلسطينيون في المخيم، والتي تتراوح بين الفقر المدقع وانعدام الحقوق المدنية والإنسانية.
يقطن في مخيم البرج الشمالي حوالي 22 ألف نسمة، معظمهم من أبناء قرى شمال فلسطين الذين هُجّروا خلال النكبة عام 1948. وعلى الرغم من الظروف القاسية التي يعيشونها، ما زالوا متمسكين بحقهم في العودة إلى ديارهم الأصلية.
عند دخول مقبرة المخيم، تلفت الأنظار شواهد القبور التي تحمل أسماء الراحلين، مصحوبة بآيات قرآنية وكلمة "الفاتحة"، بالإضافة إلى أسماء قراهم الأصلية في فلسطين، رغم أنهم ولدوا في مخيم البرج الشمالي. إلا أن هذه الشواهد تخفي وراءها أزمة متفاقمة، إذ لم يعد هناك متسع لدفن الموتى، وسط بحث عن حلول منذ سنوات.
برزت أزمة المقبرة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، إذ كان الأهالي يلجأون إلى مقبرة تجمع المعشوق، التي تبعد حوالي كيلومترين عن المخيم، ومع استحداث مقبرة داخل المخيم، سعى الأهالي إلى تفادي مشقة نقل جثامين موتاهم لمسافات طويلة، خاصة في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة.
لكن هذه المقبرة امتلأت بالكامل، مما دفع اللاجئين إلى إعادة إحياء محاولاتهم السابقة لشراء قطعة أرض مجاورة لاستخدامها كمقبرة جديدة، فيما كانت هناك محاولات فصائلية وأهلية قبل الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة على لبنان لتأمين أرض بديلة، إلا أنها باءت بالفشل، ليعود الملف إلى الواجهة مجددًا بعد أن بات إيجاد فسحة لقبر مهمة شاقة.
حراك ومبادرات أهلية ووعود لم تثمر
في ظل غياب الحلول الرسمية، أطلق عدد من الناشطين في المخيم مبادرات لجمع التبرعات بهدف شراء قطعة أرض بديلة، وأوضح محمود الجمعة (أبو وسيم)، مدير مؤسسة "بيت أطفال الصمود" وأحد المبادرين لحل هذه الأزمة، في حديث لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، أن المبادرة تعتمد على مساهمة الأهالي بمبلغ 50 دولاراً لمرة واحدة، بهدف تأمين المبلغ اللازم لشراء الأرض وتجهيزها لدفن الموتى.
وأشار الجمعة إلى أن المبلغ يمكن دفعه على دفعات، نظراً للوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه معظم سكان المخيم، مؤكداً أن هذه الخطوة تأتي ضمن إطار العمل المجتمعي المحلي لحماية المجتمع وحل مشكلاته.
وأضاف أن لجاناً مختصة بدأت بزيارة الأهالي والفعاليات المختلفة داخل المخيم، لحثهم على المشاركة في هذه المبادرة وضمان نجاحها.
من جهته، أشار محمد رشيد، مسؤول اللجنة الشعبية في المخيم، إلى أن دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية كانت قد وعدت بتوفير التمويل اللازم لشراء الأرض، إلا أن الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، بسبب الحصار المالي المفروض عليها، حالت دون تنفيذ العديد من المشاريع، ومن بينها مشروع مقبرة مخيم البرج الشمالي.
يُعد مخيم البرج الشمالي من أفقر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث تصنف الغالبية العظمى من عائلاته تحت خط الفقر، وفقاً لوكالة "الأونروا".
ويعتمد معظم سكانه على المهن الزراعية والحرفية اليومية، بأجور لا تتعدى 4 دولارات يوميًا، إضافة إلى معاناة مستمرة على الصعيدين الصحي والخدماتي.
في ظل هذا الواقع، تبقى أزمة المقبرة قضية ملحّة تحتاج إلى حل جذري، حيث يواصل الأهالي البحث عن بدائل في غياب أي دعم رسمي، بينما تتزايد المخاوف من اضطرارهم إلى حلول مؤقتة لا تفي بحاجة المخيم المستمرة.