يعيش أهالي مخيم طولكرم واقعًا مأساويًا تحت وطأة النزوح القسري، الذي شرّد آلاف الفلسطينيين، وتركهم في العراء بلا مأوى، في ظل انهيار مصادر الدخل وغياب البدائل، واحتياج شديد للإيواء، وسط محاولات الاحتلال اقتلاعهم من منازلهم ومخيماتهم، تمهيدا لتصفية حق العودة وإنهاء قضية اللاجئين.
وفي ظل هذا الواقع المؤلم، تبرز محاولات لفرض حلول مؤقتة مثل إقامة "كرفانات" وخيام للنازحين، تحت غطاء "الإيواء الطارئ"، وهو ما يراه السكان محاولة لفرض واقع جديد يكرس التهجير، ويخدم أهداف الاحتلال في تفريغ الأرض من سكانها وإحلال المستوطنات مكانها.
ويرى العديد من أهالي مخيمي طولكرم ونور شمس أن من حقهم على الجهات الحكومية ومؤسسات الإغاثة إيجاد حلول تحفظ كرامتهم، وتكفل عودتهم إلى منازلهم، رافضين الزجّ بهم في مساكن مؤقتة قد تتحوّل إلى دائمة، وتستخدم كأداة لتثبيت التهجير.
ونقلت بوابة اللاجئين الفلسطينيين أصوات بعض النازحين الرافضين لما وصفوه بـ"الحلول التي تثبّت التهجير، وتساعد الاحتلال على مواصلة هدم المنازل وتفريغ المخيمات"، في خطوة تهدد مستقبل القضية الفلسطينية.
"الخيمة والكرفان" تهدر كرامة النازحين وحقهم بالعودة
عثمان منصور، نازح من مخيم طولكرم، يعيش مع أسرته في خيمة مؤقتة بعد أن فقد منزله، ويعتبر حلول "الكرفانات والخيام" غير مقبولة، حتى لو اضطروا للعيش فوق أنقاض المخيم.
وقال منصور لـبوابة اللاجئين: "نرفض الكرفانات والخيام رفضًا تامًا. لا نريد تكرار خطأ أجدادنا الذين خرجوا من بيوتهم وأراضيهم، ولم يعودوا حتى الآن. عشنا في المخيم وسنبقى فيه رغم الألم والدمار. سنعيد بناءه بأيدينا".
وتابع: "الخيمة أو الكرفان يُنسينا قضيتنا وقضية أجدادنا. لن نخرج من المخيم، حتى لو عشنا فوق أنقاضه".
ودعا منصور جميع المسؤولين إلى رفض هذه المشاريع، والحفاظ على كرامة النازحين، والعمل على عودتهم إلى مخيماتهم، مؤكدًا أن المرحلة صعبة، وتشهد ضغوطًا غير مسبوقة من الاحتلال لتهجيرهم.
"الكرفان والخيمة" تخدم أهداف الاحتلال
بدوره، أكد إبراهيم أبو زهرة، الأسير المحرر من مخيم طولكرم، أن مقترح إقامة الكرفانات والخيام يخدم مخطط الاحتلال لتغيير الطبيعة الديمغرافية للمنطقة بعد تدمير البنية التحتية للمخيم.
وقال لـبوابة اللاجئين:"الاحتلال يريد تفريغ المخيمات، لأنها تمثّل خزان الثورة وعنوان حق العودة وفق القرار الدولي 194. ما يجري هو محاولة جديدة لإعادة سيناريو النكبة".
وشدد أبو زهرة على ضرورة قيام المؤسسات الدولية، وعلى رأسها وكالة "أونروا"، بدورها الكامل في إعادة النازحين إلى مخيماتهم، مؤكدًا أن المخيم ليس مجرد حجارة، بل يحمل ذاكرة جماعية وطفولة وأملًا.
وأشار إلى أنه مع أي إجراء يخفف معاناة النازحين، مثل استئجار مساكن مؤقتة، لكنه رفض الكرفانات باعتبارها أداة لترسيخ التهجير، وذريعة للاحتلال لهدم المزيد من المنازل وطرد الفلسطينيين من القرى المجاورة للمستوطنات.
الكرافانات حل مؤقت في ظل كارثة إنسانية
أما نهاية الجندي، نازحة من مخيم نور شمس وعضو لجنة الطوارئ، فكان لها رأي آخر، إذ رأت في "الكرفانات" حلاً مؤقتًا في ظل غياب خطط الطوارئ، وتزايد الأزمات الصحية والاقتصادية والبيئية بعد النزوح القسري.
وأوضحت لـبوابة اللاجئين أن الفكرة انطلقت من حجم الاحتياج وغياب البدائل، خاصة أن إعادة بناء المنازل المدمّرة قد يستغرق وقتًا طويلًا. وأكدت أن "الكرفانات" المقترحة ليست بديلاً دائمًا، بل خطوة انتقالية حتى استقرار الأوضاع.
وبيّنت الجندي أن الأهالي رفضوا الخيام؛ لأنها تستعيد مشاهد نكبة 1948، وتُعد غير مقبولة اجتماعيًا وإنسانيًا، بينما الكرفانات وُجّهت فقط للنازحين الذين دُمّرت منازلهم وجُرّفت أراضيهم.
أزمة سكن خانقة وغياب الدخل
وأشارت الجندي إلى أن الاقتحامات المتكررة لمدينة طولكرم ومخيماتها منذ سنوات راكمت على الأهالي ديونًا وأوقفت مصادر دخلهم، ما فاقم الأزمة الإنسانية.
وعلى الرغم من جهود المؤسسات المحلية، أكدت الجندي أن حجم الحاجة يفوق القدرات الحالية، خاصة في ما يتعلق بالغذاء والإيواء والعلاج.
ونبّهت إلى أزمة الإيجارات التي باتت عبئًا كبيرًا على العائلات النازحة، حيث يتراوح إيجار الشقق الفارغة بين 1300 و1800 شيكل، وتصل المفروشة إلى 2500 شيكل، في ظل انعدام الدخل، ما اضطر العديد من الأسر للجوء إلى منازل أقاربها، خصوصًا الحالات التي تتطلب رعاية خاصة مثل ذوي الإعاقة وكبار السن.
وشدّدت على ضرورة تحرّك الجهات الحكومية ومحافظة طولكرم واللجان الفرعية لتوفير حلول طارئة وعاجلة لإيواء هذه الأسر، في ظل غياب أي أفق زمني لانتهاء النزوح.