أثار قرار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في لبنان بتقليص قيمة المساعدات المالية ضمن برنامج شبكة الأمان الاجتماعي المعروف بـ"حالات الشؤون" من 50 إلى 30 دولاراً للفرد، موجة غضب واستياء في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين اعتبروا الخطوة بمثابة ضربة قاسية لأبسط مقومات صمودهم في ظل الظروف المعيشية المتدهورة منذ سنوات.
ويعتمد آلاف اللاجئين على هذا البرنامج لتلبية احتياجاتهم الأساسية، من الغذاء والدواء والتعليم، إلى دفع فواتير الخدمات، إلا أن التقليص الأخير والذي بلغ 20 دولاراً فقط، قد هوى بالوضع المعيشي المتدهور أصلاً، رغم توزيع "كرتونة غذائية" لا تتجاوز قيمتها 10 دولارات حسب تقديرات الأهالي، ما دفع بالكثيرين إلى الحديث عن عجزهم عن تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة، حسبما رصد بوابة اللاجئين الفلسطينيين.
20 دولاراً أحدثت فارقاً مريراً
في مخيم نهر البارد شمالي لبنان، يصف اللاجئ الفلسطيني محمد ميعاري الوضع بالكارثي، قائلاً: "نعيش أصلاً ظروفاً صعبة، بطالة، قلة أعمال، وارتفاع جنوني في الأسعار، والآن، الأونروا قلصت المساعدة إلى 30 دولاراً، ما يعني أن 20 دولاراً قد اختُصِرت، وهي كانت ضرورية لتغطية احتياجاتنا، من مصاريف طلاب إلى أدوية وأساسيات الحياة".
وتشاركه المعاناة أم خليل لوباني، من المخيم ذاته، وهي أم لسبعة أفراد، تقول: "كنت أتلقى 350 دولاراً، أشتري بها تمويناً وأدفع اشتراكات الكهرباء، وفواتير البنات التعليمية. اليوم، بعد أن خُصم 140 دولاراً من المبلغ، لم أعد قادرة على تلبية كل الاحتياجات أو سداد الديون. الكرتونة لا تكفي، فهي تفتقر للطحين والسكر والحليب".
"الكرتونة لا تعادل المبلغ المخصوم"
في مخيم البداوي، ترى اللاجئة زينة منصور أن استبدال الـ20 دولاراً بكرتونة غذائية أمر مجحف، وتقول: "الكرتونة لا تتجاوز قيمتها الفعلية 10 دولارات، الوضع يزداد سوءاً، والأسعار ترتفع باستمرار، كثير من العائلات تنتظر مساعدة الشؤون لدفع الإيجار أو شراء الأدوية أو حتى الطعام، تقليص المساعدة قرار سلبي بكل المقاييس".
وتضيف: "ما يحصل لا يراعي الكرامة، فكل العائلات تعتمد على هذه المساعدةـ كان يُفترض زيادتها، لا العكس".
ومن مخيم عين الحلوة جنوبي لبنان، تقول مريم المقدح: إن الخمسين دولاراً أصلاً لم تكن كافية، إذ تُدفع كل ثلاثة أشهر مرة واحدة فقط، وتضيف: "كنا نأمل في زيادتها نظراً للظروف القاسية، ففوجئنا بتقليصها، ما زاد الضغط علينا. كنت أنتظرها لسداد جزء من ديوني، اليوم لا أعلم كيف سأدبر الأمور".
وتوضح: "ندفع اشتراكات كهرباء وديون دكاكين وأدوية، وإن مرض أحدنا، لا نعلم من أين نأتي بثمن العلاج. هذه المساعدة كانت تشكّل متنفساً، والآن لم تعد تكفي شيئاً".
أمّا أم حسين الصغير، من مخيم برج الشمالي جنوبي لبنان، فتكشف أن عائلتها المؤلفة من 7 أفراد كانت تحصل على 350 دولاراً، واليوم باتت تحصل على 210 فقط. وتقول: "لا يكفينا شيء، وتتراكم الديون علينا، عندي ولد مريض بالكهربا، كنت أعتمد على الأعاشة لمعالجته وشراء دوائه. زوجي يعمل في حصاد الليمون، وراتبه لا يغطي احتياجات البيت".
وتضيف بنبرة غاضبة: "الكرتونة التي توزعها الأونروا تحتوي على حبوب فقط، هل من المعقول أن نأكل الحبوب كل يوم؟ نحتاج إلى الزيت، السكر، الطحين."
"الشتاء بارد في بعلبك... و30 دولاراً لا تكفي"
في مخيم الجليل بمدينة بعلبك، حيث الطقس قارس في الشتاء، تبدو الأزمة مضاعفةـ تقول اللاجئة هيام حسين إن الـ50 دولاراً سابقاً لم تكن تكفي أساساً، فكيف بالأحرى بعد أن أصبحت 30؟ "نحتاج لمازوت التدفئة، ولدفع الإيجارات والكهرباء، و30 دولاراً لا تغطي حتى ربع التكاليف".
وتشير إلى أن سكان بعلبك يواجهون مصاعب من نوع مختلف، بسبب طبيعة المناخ، مضيفة: "اللاجئ هنا بين نار البرد ونار الجوع، فبأي من النارين يُحرق؟"
صرخة اللاجئين: أعيدوا المساعدة إلى ما كانت عليه
يطالب اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وكالة "أونروا" بإعادة النظر في قرار تقليص المساعدات، لا سيما في ظل انهيار الوضع الاقتصادي في البلاد، وتدهور الخدمات، والحرمان من الحقوق المدنية والعمل. ويرون أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام مزيد من الفقر والعوز والتهميش.
في ظل غياب أي حلول جذرية، يبقى اللاجئ الفلسطيني أمام واقع تتكالب فيه الأزمات، من تقليص خدمات "أونروا" وارتفاع الأسعار، وانعدام فرص العمل، ما ينذر بمزيد من الكوارث الاجتماعية والانسانية و داخل المخيمات.