من المرتقب أن يجري رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس زيارة رسمية إلى لبنان في 19 أيار/مايو الجاري، تستمر يومين، يلتقي خلالها بالرئيس اللبناني "جوزاف عون" وعدد من المسؤولين، في زيارة تحمل طابعاً بروتوكولياً معلناً، لكنها تأتي وسط معطيات متقاطعة كشفت عنها تقارير إعلامية "إسرائيلية" وأخرى غربية، تشير إلى أن هدف الزيارة الأساسي هو تقديم خطة لسحب سلاح الفصائل الفلسطينية في المخيمات، "حتى بالقوة إذا لزم الأمر"، وفق تعبير موقع "إسرائيلي".
ووفق ما كشفه موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، فإن عباس سيعرض خلال الزيارة خطة تتضمن نزع سلاح حركة "فتح" والفصائل الفلسطينية الأخرى المتمركزة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بلبنان، بالتنسيق مع السلطات اللبنانية، مشيراً إلى أن المبادرة جاءت بطلب سعودي، فيما أكدت مصادر فلسطينية ولبنانية للموقع أن هذا الملف سيكون حاضراً على طاولة اللقاءات الرسمية.
وفيما لم تعلن السلطة الفلسطينية رسمياً عن مضمون هذه الخطة، نقل موقع(i24news) "الإسرائيلي" عن مصدر في السلطة الفلسطينية أن عباس سيقترح "نقل جميع الأسلحة التي تحتفظ بها المنظمات الفلسطينية في المخيمات إلى مسؤولية الجيش اللبناني، والسماح له بمراقبة مخازن هذه الأسلحة".
فتح: لا نملك السلاح الثقيل ولن نكون عقبة
وفي تصريح خاص لموقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين، أكد المسؤول الإعلامي لحركة فتح في منطقة صيدا، يوسف الزريعي، أن زيارة عباس إلى لبنان ستستمر يومين، وتندرج في إطار بروتوكولي رسمي لـ"مباركة العهد الجديد"، وستشمل لقاءات مع قيادات لبنانية تُبحث خلالها آلية التنسيق والتعاون بشأن ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات.
وأوضح الزريعي أن عباس "لا يملك القدرة ولا القوة على سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات، لأن هذا الملف معقد وشائك وهو بيد الدولة اللبنانية".
وقال: "نحن متعاونون إلى أبعد الحدود، وليس من اليوم، بل منذ 20 عاماً، عندما قام الرئيس بزيارة لبنان وصرح حينها بأننا تحت سلطة الدولة اللبنانية"، مضيفاً أن "الدولة اللبنانية لديها مشروع لسحب السلاح الفلسطيني، ونحن مع هذا الطرح ولن نقف عقبة أمامه".
وأضاف الزريعي أن "لبنان الرسمي يرفض رفضاً قاطعاً استخدام أراضيه كمنصة لأي خلل يمسّ أمنه القومي، وهو من يختار كيفية وتوقيت محاربة إسرائيل، ونحن لن نكون مبادرين لاستخدام لبنان لأي عملية ضد إسرائيل". وأردف قائلاً: "علينا اليوم أن نركّز على الداخل الفلسطيني المحتل، حيث تشهد غزة والضفة مقاومة شرسة، ونحن نقاتل من المسافة صفر ولسنا بحاجة إلى استخدام أي ساحة عربية".
السلاح خارج المنظمة!.. والمخيمات لا تحتوي على أسلحة ثقيلة
إلا أن الزريعي لفت إلى أن موضوع السلاح "يتداول إعلامياً ولم يُطرح رسمياً بعد"، مؤكداً أن "أي قائد فلسطيني لم يتبلغ حتى الآن بقرار تسليم السلاح داخل المخيمات".
وأضاف: "السلاح الثقيل غير موجود داخل المخيمات، وهذا معروف، لكن بعض المعارك التي اندلعت في مخيم عين الحلوة، خصوصاً بعد اغتيال القائد أبو أشرف العرموشي، استخدمت فيها أسلحة فردية ومتوسطة، إضافة إلى قذائف هاون أطلقتها الجماعات الإسلامية".
وبحسب الزريعي فإن السلاح الثقيل والمتوسط موجود بيد مجموعات وصفها بأنها "خارجة عن القانون"، وليس بيد منظمة التحرير الفلسطينية، وقال: إن "المنظمة حاولت مواجهتهم لكنها لم تنجح في القضاء عليهم، ولا تملك آلية لتسليمهم أو محاسبتهم، ولا تستطيع خوض حرب ضدهم".
ويؤكد القيادي في فتح أنه "إذا طُرح تسليم سلاح منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل داخل المخيمات، فلن نكون عقبة أمام الدولة اللبنانية، وهذا هو موقفنا الثابت".
وتطرق الزريعي إلى حادثة إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، ووصف "ما قام به بعض عناصر من حركة حماس من إطلاق صواريخ بأنه عمل مدان من جميع القوى اللبنانية، وعلى رأسهم حزب الله"، مشيراً إلى أن "أعلى سلطة في لبنان أكدت بعدها على ضرورة تسليم السلاح الفلسطيني ومنع حماس من استخدام لبنان كمنصة"، بحسب رأيه.
وبحسب الزريعي فإن حركة فتح تلتزم بالوقوف إلى جانب الدولة اللبنانية بقرارها "بعدم استخدام أراضيها لمعركة ليست من قرارها، وهي أدرى بمصلحتها" وفق تعبيره، مضيفاً أن "المقاومة اللبنانية أدانت إطلاق الصواريخ من الجنوب في هذا التوقيت".
وأشار الزريعي إلى أن "السلاح داخل المخيمات لا يُشكّل تهديداً للأمن القومي اللبناني، لأنه فردي ومنظم وشرعي بيد منظمة التحرير، التي تحارب السلاح الخارج عن الشرعية الفلسطينية، والذي لا يملك بوصلة سياسية واضحة"، متهماً بعض وسائل الإعلام اللبنانية بـ"التهويل الإعلامي" حيال الملف.
وختم بالقول: "عند قدوم الرئيس عباس، ستكون الأمور أكثر وضوحاً وشفافية، وما يُثار إعلامياً حول سحب السلاح يجب ألا يُستبق بتأويلات غير دقيقة".
تجدر الإشارة إلى أن هذه التطورات تأتي بعد يوم واحد من انتهاء المهلة التي منحها مدير الأمن العام اللبناني اللواء حسن شقير لحركة حماس من أجل تسليم أربعة مطلوبين على خلفية إطلاق صواريخ من شمال الليطاني في آذار/مارس الماضي، وقد سلّمت حماس أحد المطلوبين (م.غ) إلى مديرية المخابرات، فيما يتوقع أن تُستكمل عملية التسليم تدريجياً.
وكان شقير قد "حذر" الحركة من استخدام الأراضي اللبنانية لأعمال وصفها بأنها "تمس الأمن القومي"، في ضوء توصية من المجلس الأعلى للدفاع.
احتفاء "إسرائيلي" وتكهنات بشأن النتائج
في المقابل، يُنظر في الأوساط "الإسرائيلية" إلى الزيارة المرتقبة لعباس و التحرك اللبناني إزاء السلاح بكثير من "الترحيب"، وفق ما نقل موقع (i24news )، ما يعكس رهانات لدى الاحتلال على نجاح الخطة في كبح سلاح المخيمات، والتي طالما نظر إليها كملاذات مقاومة مُحتملة.
وبينما تسود حالة من الترقب والحذر في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان خلال زيارة عباس، تبقى الأنظار شاخصة إلى ما إذا كانت السلطة الفلسطينية ستمضي فعلياً في محاولة سحب سلاح الفصائل، وما إذا كانت الدولة اللبنانية ستنجح في فرض قرارها في هذا الملف المعقّد دون أن تدفع المخيمات مجدداً ثمن التسويات الإقليمية فيما يخص سلاحها ووضعها الراهن في لبنان.