على وقع المجازر المتواصلة والإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال "الإسرائيلي" في قطاع غزة، والتي أودت بحياة عشرات الآلاف وسط دمار شامل ونزوح جماعي، انطلقت أعمال القمة العربية الرابعة والثلاثين، اليوم السبت 17 أيار/مايو، في العاصمة العراقية بغداد، بحضور عدد من القادة والزعماء العرب والأمناء العامين لمنظمات دولية وإقليمية. وتصدّرت الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة جدول أعمال القمة، وسط دعوات لتحرك عربي فاعل لوقف العدوان وضمان تدفّق المساعدات وإنهاء الحصار.
وفي كلمته الافتتاحية، دعا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى تحرك عربي جاد لإنقاذ غزة، مؤكدًا أن الإبادة الجماعية في القطاع بلغت مرحلة بشعة لم يشهدها التاريخ فيما تعهد بتقديم 40 مليون دولار في إطار الجهود لإعادة إعمار قطاع غزة ولبنان.
كما أعلن السوداني عن تأسيس صندوق عربي لإعادة إعمار غزة، متعهدًا بتقديم 20 مليون دولار لدعم القطاع، في خطوة تهدف إلى تثبيت سكان غزة في أراضيهم ورفضًا لسياسات التهجير القسري، على حد قوله، ودعا إلى تفعيل دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين "أونروا" في القطاع وفي الضفة الغربية.
ومن جهته، عبّر الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد في كلمة له خلال افتتاح أعمال القمة العربية في بغداد عن رفضه محاولات تهجير الشعب الفلسطيني "تحت أي ظروف أو مسمى مؤكداً على إدانته للعدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة.
السيسي طالب ترامب للضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة
من جانبه، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أن السلام العادل لن يتحقق إلا بقيام دولة فلسطينية، مؤكدا أن شعب فلسطين يتعرض لجرائم ممنهجة وممارسات وحشية تهدف لإنهاء وجوده في قطاع غزة.
ودعا السيسي، الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى "بذل كل ما يلزم من جهود وضغوط" لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وقال في هذا الصدد: "أطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بصفته قائدا يهدف إلى ترسيخ السلام، في بذل كل ما يلزم من جهود وضغوط لوقف إطلاق النار في قطاع غزة تمهيدا لإطلاق عملية سياسية جادة يكون فيها وسيطا وراعيا".
غوتيريش يجدد رفضه للحديث عن أي تهجير للفلسطينيين من غزة
وفي سياق متصل، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رفضه أي كلام عن تهجير الفلسطينيين من غزة والضم غير القانوني في الضفة الغربية، فيما أكد أنه من الضروري إنعاش الانخراط متعدد الأطراف من أجل وقف المجاعة في السودان والتهجير الجماعي.
وقال في كلمته: "أن لا شيء يبرر العقاب الجماعي للفلسطينيين"، مشيرًا إلى أن الوضع الإنساني في غزة يتطلب تحركًا دوليًا عاجلًا.
وكان غوتيريش قد عّبر في وقت سابق عن قلقه إزاء ما تردد عن خطط "إسرائيلية" لتوسيع العمليات البرية في غزة مؤكداً أن الأمم المتحدة لن تشارك في أي عملية لا تلتزم بالقانون الدولي والمبادئ الإنسانية - الإنسانية والنزاهة والاستقلال والحياد.
وكرر غوتيريش مناشدته للدعم الكامل لعمل وكالة "أونروا" مشدداً على رفضه التهجير المتكرر للسكان إلى جانب أي مسألة تهجير قسري خارج غزة.
مشروع قرار إسباني لمحاكمة "إسرائيل"
رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، بدوره شدد على ضرورة "مضاعفة الضغط" على إسرائيل "لوقف المجزرة في غزة"، لافتا إلى أن بلده سيقدّم مشروع قرار في الأمم المتحدة يطلب من محكمة العدل الدولية "الحكم على مدى امتثال إسرائيل لالتزاماتها الدولية".
وقال سانشيز في كلمته خلال القمة: "علينا أن نضاعف ضغطنا على إسرائيل لوقف المجزرة في غزة، لا سيّما عبر القنوات التي يوفرها لنا القانون الدولي ". واعتبر أن "عدد (الضحايا) غير المقبول" في القطاع الفلسطيني ينتهك "مبدأ الإنسانية".
وفي كلمة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود وصف فيها القضية الفلسطينية بأنها اختبار حقيقي لدولنا العربية في وحدة الصف داعياً العمل على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967.
كما دعا رؤساء وزراء كل من الأردن والسعودية لوقف الحرب على قطاع غزة وثبات الشعب الفلسطيني على أرضه رافضين لخطط التهجير ومؤكدين على تكاتف كل الجهود وإدخال المساعدات الإنسانية الكافية والفورية إلى غزة.
الأمين العام للجامعة العربية أكد ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة
ومن ناحيته أكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، أن قضية الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولة مستقلة ما تزال القضية الرئيسية للجامعة العربية.
وقال أبو الغيط في كلمة له: "إن القضية الفلسطينية لا تزال تمثل قضية العرب الأولى وقضية الجامعة العربية"، مؤكداً أن "محاولات اليمين المتطرف الإسرائيلي للهيمنة على الأراضي الفلسطينية وتنفيذ إبادة جماعية لشعبها يمثل وصمة عار في جبين العالم".
من جهته، دعا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، القادة والرؤساء العرب المشاركين في القمة العربية الـ34 المنعقدة في العاصمة العراقية بغداد، إلى تبنّي خطة عربية شاملة لإنهاء الحرب وتحقيق السلام، تشمل وقفاً دائماً لإطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن والأسرى، وضمان تدفّق المساعدات الإنسانية، إلى جانب الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة.
وقال عباس في كلمته أمام القمة، إن الخطة تتضمن كذلك تمكين السلطة من تولّي مسؤولياتها المدنية والأمنية في قطاع غزة، إلى جانب تخلي حركة حماس عن سيطرتها على القطاع، وتسليمها، وجميع الفصائل، السلاح إلى "السلطة الشرعية"، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في غزة وفق أسس مهنية، وبمساعدة عربية ودولية.
كما دعا إلى عقد مؤتمر دولي في العاصمة المصرية القاهرة، لتمويل وتنفيذ خطة شاملة لإعادة إعمار قطاع غزة، إلى جانب التوصل إلى هدنة شاملة، ووقف جميع الإجراءات الإسرائيلية الأحادية التي تنتهك القانون الدولي.
وطالب عباس بإطلاق عملية سياسية تبدأ وتنتهي خلال فترة زمنية محددة، تهدف إلى تنفيذ حل الدولتين وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض دولة فلسطين، مع الاعتراف الدولي بها، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
وجدّد عباس التأكيد على الاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال العام المقبل، كما جرت في السابق، وذلك فور توافر الظروف الملائمة في كل من غزة والضفة الغربية والقدس.
وأكد في ختام كلمته على المضي في عملية إصلاح مؤسسات الدولة ومنظمة التحرير الفلسطينية، والعمل من أجل توحيد الصف الفلسطيني على أساس الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وعلى أساس برنامجها السياسي، ومرجعية الشرعية الدولية، ومبدأ النظام الواحد، والقانون الواحد، والسلاح الشرعي الواحد.
وعلى هامش انعقاد القمة دعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) القمة العربية إلى تحمّل مسؤولياتها التاريخية واتخاذ خطوات عملية فورية لوقف العدوان على قطاع غزة، ورفع الحصار، وفرض عقوبات عاجلة على الاحتلال "الإسرائيلي" ومحاسبة قادته كمجرمي حرب.
وقالت الحركة في بيان صحفي: "بينما تنعقد القمة العربية في بغداد، يتعرّض قطاع غزة لإحدى أبشع الهجمات الدموية، إذ يواصل الاحتلال ارتكاب المجازر بحق المدنيين، مستهدفًا الأحياء السكنية ومراكز الإيواء، ما أدى إلى ارتقاء مئات الشهداء والجرحى، وسط حصار خانق وانقطاع كامل للمساعدات الإنسانية".
وأشارت إلى أن شمال القطاع يشهد حملة إبادة ممنهجة، تتصاعد فيها وتيرة القصف الجوي والمدفعي، ما أجبر مئات العائلات على النزوح القسري من منازلها هرباً من الموت والقذائف.
وأضاف البيان أن "ما يجري في غزة هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان تُرتكب أمام أعين العالم الذي يقف عاجزًا، بينما يُذبح أكثر من مليونين ونصف المليون إنسان في القطاع المحاصر".
وطالبت الحركة القمة العربية بتنفيذ قرارات قمة الرياض، ولا سيما المتعلقة بكسر الحصار وضمان إدخال المساعدات إلى القطاع، داعية إلى مواقف سياسية حازمة تترجم الغضب العربي إلى خطوات ملموسة على المستوى الإقليمي والدولي.
كما دعت "حماس" الشعوب العربية والإسلامية وقوى الحرية في العالم إلى تصعيد حملات التضامن العالمية مع غزة، وفضح جرائم الاحتلال، وكشف سياساته القائمة على الإبادة الجماعية والتجويع.