حذّر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، من انهيار وشيك للوكالة الأممية في ظل أزمة مالية خانقة، مشيراً إلى أنه قد يضطر قريباً لاتخاذ "قرارات غير مسبوقة" ستؤثر بشكل مباشر على عمليات الوكالة وخدماتها المقدّمة للاجئين الفلسطينيين في مختلف مناطق عملها.
وفي كلمته خلال الدورة الـ51 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة في إسطنبول، أكد لازاريني أن الوضع المالي للوكالة بلغ مستوى حرجاً للغاية، قائلاً: "من دون تمويل إضافي، لن يكون لدينا خيار سوى تقليص خدماتنا، مما سيؤثر بشدة على لاجئي فلسطين، وقد تكون العواقب وخيمة في منطقة تعاني أصلاً من اضطرابات غير مسبوقة".
وأضاف أن الأمين العام للأمم المتحدة طلب إجراء تقييم استراتيجي لتحديد كيفية الحفاظ على ولاية الوكالة وضمان استمرارها في أداء مهامها، وذلك استجابةً لاحتمال انهيار الوكالة تحت وطأة ضغوط مالية وسياسية وتشغيلية "هائلة".
وفي حديثه عن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وصف لازاريني ما يجري هناك بأنه "فخ للموت"، لافتاً إلى أن مليوني فلسطيني يواجهون التجويع في ظل استخدام الغذاء كسلاح، وتعرض السكان لأعمال إذلال ممنهجة من خلال آليات مساعدات "بغيضة" لا تحفظ كرامة المحتاجين، وقال: "الغذاء يستخدم كسلاح، والفلسطينيون يُجردون من إنسانيتهم دون أي عواقب"، معتبراً أن ذلك يمثل ذروة عشرين شهراً من الرعب، والتقاعس، والإفلات من العقاب.
وأشار إلى أن أكثر من 55,000 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، قتلوا منذ بداية الحرب، في حين يعيش الناجون صدمات لا توصف وخسارات فادحة غيّرت حياتهم إلى الأبد.
أما في الضفة الغربية، فتحدث لازاريني عن تهجير لم يسبق له مثيل منذ عام 1967، حيث يدفع الفلسطينيون خارج مخيمات الشمال، وتدمّر البنية التحتية بشكل ممنهج لمنع عودتهم، مع استمرار تغيير التركيبة السكانية بشكل دائم، وتصاعد عمليات الضم.
وقال المفوض العام إن ما تشهده الأرض الفلسطينية المحتلة هو تنفيذ لمشروع طويل الأمد يهدف إلى تقويض قيام دولة فلسطينية وفصل الفلسطينيين عن أرضهم، محذراً من أن "أونروا" نفسها باتت هدفاً مباشراً لهذه الحرب.
وكشف لازاريني أن ما لا يقل عن 318 من موظفي "أونروا" استشهدوا في غزة منذ بدء الحرب، العديد منهم مع عائلاتهم، لافتاً إلى أن "إسرائيل" منعت أنشطة الوكالة في المناطق التي تعتبرها "أراضيها السيادية"، بما في ذلك القدس الشرقية، وأجبرت الموظفين الدوليين على مغادرة الأرض الفلسطينية المحتلة.
ورغم ذلك، قال إن عمليات الوكالة مستمرة بفضل "شجاعة وعزيمة" الطواقم الفلسطينية، التي تواصل تقديم الرعاية الصحية الأساسية والتعليم، رغم الاعتقالات والترهيب.
وأشار إلى أن الوكالة تقدم يومياً أكثر من 15,000 استشارة صحية، وتدير مراكز الإيواء، وتؤمّن المياه النظيفة والتخلص من النفايات.
وأوضح أن هذه الجهود تحارب من خلال حملة "تضليل شرسة" تقودها إسرائيل، تهدف إلى تقويض الدعم الدولي لـ"أونروا" وخنق تمويلها.
وفي ختام كلمته، دعا لازاريني منظمة التعاون الإسلامي ودولها الأعضاء إلى استخدام كامل ثقلهم السياسي والمالي لدعم "أونروا" وضمان استمرار تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، محذراً من أن فقدان الوكالة أو تقليص خدماتها "لن يؤدي سوى إلى تعميق المعاناة واليأس"، وقد يشعل فتيل اضطرابات واسعة في المنطقة.
وختم بالقول: "أحثكم على التحرّك الآن، قبل فوات الأوان، بالنسبة لملايين الأشخاص الذين تقع حياتهم ومستقبلهم بين أيديكم".