حذّرت دراسة ميدانية حديثة من مغبة حصول انفجار اجتماعي في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، جراء تفاقم الأوضاع المعيشية والتمييز القانوني، معتبرة أن اللاجئين الفلسطينيين لا يزالون بعد أكثر من 75 عاماً على نكبة عام 1948 يرزحون تحت وطأة أوضاع كارثية، تصفها الدراسة بـ"النكبة المستمرة" و"القنبلة الاجتماعية الموقوتة" التي لا يمكن تجاهلها أكثر.

الدراسة التي أعدتها المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد"، أكدت أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية داخل المخيمات باتت تتدهور بوتيرة سريعة وخطيرة، مطالبة باعتبار هذا التقرير بمثابة "إنذار أخلاقي" للمجتمعين اللبناني والدولي.

وقال مدير المؤسسة، الدكتور محمود الحنفي، إن "هذا الجهد الحقوقي ليس ترفاً، بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية"، مشيراً إلى أن "الإنسان الفلسطيني في لبنان بات محاصراً بين جدران المخيم وضغوط السياسة، بين نار الحاجة وغياب الأمل"، وأردف: "أي نقاش سياسي لا يأخذ الإنسان في جوهره، هو نقاش مفرغ من المعنى".

وأكّد الحنفي أن هدف التقرير هو تسليط الضوء على الواقع المأساوي داخل 12 مخيماً فلسطينياً في لبنان، محذراً من أن استمرار هذا الوضع دون معالجات جذرية سيحوّل المخيمات إلى بؤر انفجار اجتماعي يصعب احتواؤه لاحقاً.

ويكتسب توقيت إصدار هذه الدراسة أهمية خاصة، في ظل الحديث المتصاعد عن نزع السلاح الفلسطيني من المخيمات في ضوء التطورات السياسية والأمنية في المنطقة، بدءاً من الحرب على غزة ولبنان، وصولاً إلى ما آلت إليه الأوضاع في سوريا.

أرقام ومؤشرات صادمة

وبيّنت الدراسة أن أكثر من 85% من العائلات الفلسطينية في المخيمات تعيش تحت خط الفقر، وتعتمد على المساعدات الإنسانية أو التحويلات المالية من الخارج لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتها، في ظل تفشٍّ غير مسبوق للبطالة، خصوصاً بين صفوف الشباب.

وأشارت إلى تراجع قطاع التعليم نتيجة الاكتظاظ داخل الصفوف، ونقص التجهيزات، وارتفاع نسبة التسرب المدرسي التي بلغت في بعض المدارس 16%، إضافة إلى غياب بيئة تربوية صالحة للأطفال.

وفي الشأن الصحي، سلط التقرير الضوء على هشاشة المنظومة الطبية داخل المخيمات، بسبب تقليص دعم وكالة "أونروا" ونقص الأدوية الأساسية، ما أدى إلى انخفاض التغطية الصحية إلى ما دون 60%، واضطرار المرضى للاستدانة أو الامتناع عن العلاج.

وفي ما يخص البنى التحتية، أظهرت الدراسة تدهوراً حاداً في شبكات الكهرباء والمياه، ومساكن مكتظة، وطرقات متضررة، ومياه غير صالحة للشرب.

وسجّلت الدراسة تعثّراً مستمراً في إعمار مخيم نهر البارد منذ عام 2007، فيما يعاني مخيم شاتيلا من أعلى كثافة سكانية في لبنان، ضمن بيئة صحية متهالكة.

كما انتقدت الدراسة استمرار التمييز القانوني بحق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، عبر منعهم من التملك ومزاولة عشرات المهن، إضافة إلى تفاقم معاناة اللاجئين غير المسجلين، أو أولئك القادمين من سوريا.

ولم تعف الدراسة وكالة "أونروا" من المسؤولية، حيث اتهمتها بتراجع أدائها وتقصيرها في توفير الخدمات الأساسية، وشطب بعض العائلات من برامج الدعم، إلى جانب البطء في تنفيذ مشاريع الإغاثة، داعية إلى تحسين الأداء وتأمين تمويل دولي مستدام ومحايد سياسي.

ودعت الدراسة الدولة اللبنانية إلى وقف السياسات التمييزية بحق اللاجئين، ورفع القيود عن حقوقهم في العمل والتملك، كما طالبت الأونروا بتحسين خدماتها الأساسية، والمجتمع الدولي بتقديم دعم مالي طويل الأمد يحفظ كرامة اللاجئين ويحترم حقوقهم.

وفي الختام، شددت الدراسة على أن اللاجئ الفلسطيني في لبنان لا يطالب بامتيازات، بل بـ"حق إنساني أساسي في العيش الكريم، إلى حين العودة"، مؤكدة أن المخيمات لم تعد مجرّد أماكن انتظار، بل باتت مرآة تعكس عجز المجتمع الدولي عن إنصاف شعبٍ اقتلع من أرضه، ويراد له اليوم أن يقتلع من ذاكرته وهويته وكرامته.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد