يعيش الفلسطينيون في مخيم الحسينية بريف العاصمة السورية دمشق واقعًا مأساويًا يفوق حدود الاحتمال، وسط غياب شبه تام للخدمات الأساسية وتراكم الأزمات المعيشية، ما جعل المخيم واحدًا من أفقر المخيمات الفلسطينية في سوريا، حيث تنتشر أكوام القمامة في أزقته الضيقة، وتطفح مياه الصرف الصحي في شوارعه، فيما يرزح السكان تحت وطأة انقطاع الكهرباء وشحّ المياه.

ورصدت بوابة اللاجئين الفلسطينيين أوضاع المخيم واستطلعت آراء مسؤولين محليين وعدد من السكان الذين عبّروا عن استيائهم من الإهمال الرسمي وغياب دور وكالة "أونروا" في تخفيف معاناتهم.

أكبر تجمع بعد تهجير اليرموك.. مطالب متكررة وإهمال متواصل

وأوضح خضر المحمد، مختار منطقة الحسينية، في حديثه لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أن عدد العائلات المقيمة في المخيم يبلغ نحو عشرين ألف عائلة، أي ما يقارب ستين ألف نسمة، مضيفًا أن الحسينية أصبحت بعد تهجير سكان مخيم اليرموك من أكبر التجمعات الفلسطينية في سوريا بعد أن تحولت إلى مأوى للنازحين.

وأشار إلى أن واقع المخيم المتدهور يتطلب تدخلات عاجلة، لكن التدهور الخدمي ازداد سوءًا. وفي هذا السياق، أوضح محمد حسن سعيد، عضو بلدية الحسينية، أن أبرز المتطلبات الملحة تتمثل في تحسين شبكة مياه الصرف الصحي وتعبيد الشوارع التي تزداد معاناتها خلال فصل الشتاء مع فيضان مياه الأمطار واختلاطها بمياه المجاري.

كما أشار إلى أن الفلسطينيين يعانون منذ أكثر من عشر سنوات من نقص كبير في المساعدات التي تقدمها "أونروا"، إضافة إلى تراجع الخدمات الصحية، حيث يضطر المرضى إلى مراجعة المستوصفات دون توفر الأدوية اللازمة.

شوارع مهدّمة ومياه آسنة تدخل المنازل

يقول اللاجئ أسامة لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "إن المشكلة الأكبر التي تواجه الأهالي هي انهيار شبكة الصرف الصحي، فضلًا عن ضعف خدمات الاتصالات والإنترنت". 

وأوضح أن خطوط المياه تعرضت للتلف مرات عديدة، دون أن تُحل المشكلة جذريًا، لأن الشوارع بأكملها تحتاج إلى إعادة تأهيل وحفر واستبدال الشبكة مرة أخرى.

وتصف اللاجئة غفران معاناتها قائلة: "مياه الصرف الصحي تدخل إلى البيوت، إلى المطابخ والحمامات، ولا نستطيع المرور في الشوارع من شدّة تلوثها. نحن لا نطلب سوى إصلاح هذه الأوضاع، وتوفير الكهرباء والماء".

وأضافت أن بعض الأهالي يضطرون لفتح حفر في الشوارع لتصريف المياه، مما يؤدي إلى انتشار الحشرات والروائح الكريهة، مشيرة إلى غياب المساعدات من "أونروا" سواء الطبية أو الغذائية، ومؤكدة أن العديد من المرضى، ومن بينهم مصابون بالسرطان أو أمراض عصبية، لا يتلقون أي علاج بسبب انقطاع الدعم ونقص الإمكانيات.

أما اللاجئ نايف الشاعر، فيصف الوضع بأنه "كارثي"، موضحًا أن الكهرباء مقطوعة باستمرار، وخاصة عن شبكة المسجد، فيما تطفو مياه المجاري في منتصف الشارع العام في منطقة السوق المكتظة بالأطفال والمارة، دون أي تدخل من الجهات المسؤولة.

غياب كامل للمؤسسات الرسمية

يقول أحد اللاجئين إن الأهالي يطرقون أبواب البلدية والمحافظة بلا جدوى، إذ تبرر الجهات المعنية عجزها بـ"نقص المعدات والآليات"، وتكتفي بالقول إن "الرصيد صفر"، في إشارة إلى انعدام الموارد المخصصة للخدمات.

ويضيف لاجئ آخر: "أقيم هنا منذ سبع سنوات، ولم أرَ الماء منذ ذلك الحين، فالمضخة المخصصة لتفريغ المياه لا تعمل إطلاقًا"، مؤكدًا أن معاناة السكان اليومية تزداد مع كل صيف حار وشتاء ممطر.

أما اللاجئ علي سليمان، فيرسم صورة قاتمة لما آلت إليه الأوضاع في المخيم، قائلًا: "المجاري طافحة وتدخل إلى البيوت، والقمامة مكدّسة في الطرقات، خصوصًا قرب جامع القدس. ليلاً يحرق البعض النفايات، فتنتشر الروائح الكريهة داخل البيوت".

ويضيف: "أنا تزوجت وأنجبت أولادًا وأحفادًا، والحسينية كما هي، لم يتغير فيها شيء منذ عقود. مشكلاتها كثيرة، من روائح المجاري إلى تسربها داخل المنازل، والناس هنا تعيش في معاناة دائمة".

وتختصر معاناة سكان مخيم الحسينية صورة الواقع الذي يعيشه عشرات آلاف الفلسطينيين في سوريا، ممن تقطعت بهم السبل بين إهمال المؤسسات المحلية، وتراجع خدمات "أونروا"، وتدهور البنى التحتية. وبين أكوام القمامة ومياه الصرف الصحي الطافحة، يواصل سكان الحسينية حياتهم اليومية بأمل خافت في أن تُسمع أصواتهم، وتُحل أزماتهم المتراكمة قبل أن تتحول الكارثة البيئية إلى مأساة إنسانية أوسع.

شاهد/ي في التقرير: أوضاع مخيم الحسينية وصرخات الأهالي من غياب الخدمات وتدهور المعيشة

 

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد