تتواصل تداعيات الجريمتين الأخيرتين، إحداهما مرتبطة مباشرة بتجارة المخدرات داخل مخيم شاتيلا في بيروت، عبر موجة احتجاجات شعبية رافقتها حملة تحريض وتشويه واسعة ضد المخيم وصورته، شنّتها وسائل إعلام لبنانية، بينها منابر يمينية معروفة بخطابها التحريضي ضد الفلسطينيين.
ويؤكد أهالي المخيم أنّ التعميم مرفوض، مشددين على أنّ شاتيلا ضحية استغلال عصابات خارجية، فيما نفّذ الأمن الوطني الفلسطيني عمليات مداهمة داخلية، وأحال عددًا من المتهمين إلى السلطات اللبنانية.
ويبدي الأهالي استياءهم من الحملات الإعلامية التي تصوّر المخيم كبؤرة للجريمة والفساد، بدل تسليط الضوء على معاناة السكان والتحديات الأمنية التي يواجهونها في ظلّ التهميش القانوني والحقوقي الذي يعيشه الفلسطينيون، واستغلال واقع المخيم كمكان مهمّش خارج سلطة الدولة.
ونفّذ أهالي شاتيلا احتجاجات للمطالبة بإنصاف المخيم ودعم الجهود الأمنية لدرء آفة المخدرات وإغلاق أوكار الترويج، وللمطالبة بالتحقيق في جريمة مقتل الشاب اللبناني إيليو أرنستو أبو حنّا، وكذلك الشابة التي قتلت في إحدى غرف المخدرات، وهي الحادثتان اللتان استغلّ الإعلام اليميني اللبناني وقوعهما للتحريض على المخيم وأهله.
موضوع ذو صلة: تسليم موقوفين من مخيم شاتيلا للجيش وسلام يدعو لحصر السلاح بيد الدولة
وفي جولة ميدانية لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، استطلع الموقع آراء عدد من اللاجئين ومسؤول الأمن الوطني الفلسطيني في المخيم حول ما جرى.
وقال علي فياض، مسؤول الأمن الوطني الفلسطيني في مخيم شاتيلا، إنّ قوى الأمن الفلسطينية "تحرّكت فور مقتل الفتاة، فداهمت المنزل وصادرت كميات من المخدرات، وأوقفت أحد أفراد شبكة الاتجار الذي كان نائمًا داخل الغرفة، وتمّ تسليمه إلى الدولة اللبنانية".
وأضاف: "هناك جهات إعلامية تحرّض وتضع الكاميرات على المخيم. المشكلة ليست في شاتيلا وحده، بل في كل لبنان، وهناك مداهمات في مناطق البقاع وبعلبك".
وحول مقتل الشاب إيليو، أوضح فياض: "الشاب إيليو، الذي ضلّ طريقه كما قال أهله، صحيح، لكن طريقة هروبه من الحاجز الأمني الفلسطيني هي التي تسببت بإطلاق النار. حتى عناصر الجيش اللبناني في حالات مشابهة قد يضطرون لإطلاق النار على الحواجز".
موضوع ذو صلة: الأمن الوطني يغلق غرف المخدرات بمخيم شاتيلا ويحولها إلى مقرات عسكرية
وانتقد الناشط الفلسطيني، عهد بهار الصورة النمطية التي يحاول الإعلام اللبناني تكريسها عن شاتيلا، قائلاً: "هذا مخيم الشهداء، مخيم خرج منه أبطال، وليس مخيمًا لتجار المخدرات. نحن نستنكر الجريمة، لكن لا نقبل أن تعمم الاتهامات قبل انتهاء التحقيق".
وأضاف لاجئ فلسطيني آخر: "مخيم شاتيلا هو مخيم الشرفاء والمجاهدين والمناضلين، وليس بؤرة لتجارة المخدرات. فيه نخبة من الأطباء والمهندسين، وما يجري من تشويه لمخيماتنا غير مقبول أبدًا".
ورأى لاجئ ثالث أنّ هناك جهات خارجية تستهدف سمعة المخيمات الفلسطينية، قائلاً: "بعض السياسيين والإعلام، وحتى الإعلام الصهيوني، يحاولون تصوير مخيمات الشتات كمناطق فساد. نحمّل الأجهزة الأمنية والفصائل مسؤولية التحرك لحماية المخيمات والحفاظ على كرامتها".
وفي شهادات نسائية، عبّرت لاجئات عن الخوف والإرهاق النفسي من التوتر الأمني المستمر. إحداهن قالت: "نعيش على أعصابنا. لا نوم ولا راحة. نريد فقط راحة البال والهدوء".
فيما قالت أخرى: "نحن ضد المخدرات في المخيم. نريد الأمن والسلام والعيش بكرامة، لا نريد أن يقتل أحد، سواء كان فلسطينيًا أو لبنانيًا أو سوريًا، لأن أول من يدفع الثمن هم أولادنا".
كما حذّر أحد اللاجئين من أنّ استمرار هذه الجرائم يعرّض المخيم لتدخل أمني مباشر، قائلاً: "إذا دخلت الدولة فلن تفرّق بين صالح وطالح. هؤلاء المروّجون منبوذون، ويجب محاسبتهم قبل فوات الأوان".
وختم لاجئ آخر بقوله: "نحمّل الفصائل الفلسطينية والأجهزة الأمنية مسؤولية التحرك فورًا. شاتيلا ليس بؤرة فساد، بل رمز صمود، ويجب أن يبقى كذلك".
ويأتي هذا الجدل الإعلامي في ظلّ تصاعد حملات التحريض السياسي في لبنان ضد الوجود الفلسطيني، ومحاولات ربط المخيمات بملفات أمنية واجتماعية شائكة، في وقتٍ يعاني فيه الفلسطينيون من غياب الحقوق المدنية وتدهور الأوضاع المعيشية.
