تواجه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أخطر مرحلة في تاريخها الممتد منذ أكثر من سبعين عاماً، وسط تهديدات غير مسبوقة تمس جوهر تفويضها وسبب قيامها، وتضع أكثر من خمسة ملايين فلسطيني أمام احتمالات وجودية تتراوح بين "إصلاح إداري محدود" و"تفكيك تدريجي" للوكالة أو نقل صلاحياتها إلى مؤسسات ودول مضيفة.

وأكد مدير مركز "بديل" للدراسات الفلسطينية نضال العزة، أن ما يجري ليس مجرد إصلاح إداري كما تدّعي بعض الأطراف، بل هو "مشروع سياسي متكامل" يهدف إلى استبدال "أونروا" بمؤسسات دولية أو محلية بديلة، وتحويل قضية اللاجئين من شأن دولي إلى ملف إداري خاضع لسياسات الدول المضيفة.

وأوضح العزة في مقابلة صحفية مع موقع الجزيرة نت، أن السيناريو الثالث في التقييم الأممي الإستراتيجي الأخير يتحدث صراحة عن إمكانية نقل صلاحيات "أونروا" إلى الأردن ولبنان وسوريا، وهو ما يعني إنهاء الطابع الدولي للقضية وتحويلها إلى شأن محلي.

وأضاف أن الولايات المتحدة وكيان الاحتلال يسعيان عبر هذا الطرح إلى تفكيك الوكالة من الداخل وتجريد الفلسطينيين من صفتهم القانونية الدولية، في محاولة لتطبيق اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، رغم أن المادة (1/د) منها تستثني اللاجئين الفلسطينيين ما داموا يتلقون المساعدة من وكالة أممية أخرى، هي "أونروا".

وحذّر العزة من أن تطبيق هذه الاتفاقية على الفلسطينيين سيؤدي إلى تغيير تعريفهم القانوني، من لاجئين سياسيين نزحوا بفعل استعمار قائم إلى أفراد يبحثون عن مأوى أو توطين، وهو ما يخدم المشروع "الأميركي–الإسرائيلي" الرامي إلى شطب حق العودة وتحويله إلى قضية إنسانية بحتة.

من جانبه، يرى أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأميركية، الدكتور رائد أبو بدوية، أن الهدف من استبدال "أونروا" بنظام الحماية المنصوص عليه في اتفاقية 1951 هو "تفكيك الصفة الجماعية للاجئ الفلسطيني وتحويله من حالة سياسية إلى حالة لجوء فردية".

ويؤكد أبو بدوية للجزيرة نت، أن نقل صلاحيات الوكالة إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين يعني فقدان الاعتراف الدولي الجماعي بحق العودة، وتقليص الضغوط السياسية على كيان الاحتلال لحل القضية من جذورها، إضافة إلى منح تل أبيب غطاءً قانونياً لسياسات التوطين في دول ثالثة من دون تحمّل أي مسؤولية عن تهجير الفلسطينيين.

وفي السياق ذاته، يحذّر المدير العام لهيئة "302" للدفاع عن حقوق اللاجئين، علي هويدي، من أن الحملة الأميركية–الإسرائيلية ضد "أونروا" تمثل جزءاً من "مشروع سياسي منظّم" يهدف إلى تجفيف موارد الوكالة ونزع شرعيتها.

وقال هويدي في حديثه لموقع الجزيرة نت، إن الاتهامات الأميركية بأن "أونروا تابعة لحركة حماس" تفتقر إلى الأدلة، وتأتي في إطار الضغط على الدول المانحة لوقف تمويلها أو التصويت ضد تجديد ولايتها في كانون الأول/ديسمبر المقبل.

وأشار إلى أن تقرير لجنة التحقيق المستقلة برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا، الصادر في نيسان/أبريل الماضي، أثبت التزام الوكالة بمعايير الحياد والشفافية، مؤكداً عدم وجود أدلة على تورط موظفيها في أنشطة سياسية أو عسكرية. كما شدّد تقرير محكمة العدل الدولية على أن الوكالة تؤدي دوراً إنسانياً لا غنى عنه، وأن تعطيل عملها سيؤدي إلى "كارثة إنسانية غير مسبوقة".

ومنذ اندلاع حرب الإبادة على غزة عام 2023، صعّد كيان الاحتلال حملاته السياسية والإعلامية ضد الوكالة، فيما أقرّ الكنيست عام 2024 قانوناً يحظر نشاطها داخل الأراضي المحتلة. كما جمّدت واشنطن ودول مانحة كبرى تمويلها بحجة التحقيق في "مزاعم أمنية"، في حين يرى الخبراء أن الهدف الحقيقي هو نزع آخر ما تبقّى من الرمزية السياسية لقضية اللاجئين.

ويؤكد الخبير في الشأن "الإسرائيلي" محمد هلسة أن كيان الاحتلال يستغل هذه المزاعم لـ"شيطنة أونروا" والتشكيك في حيادها، بهدف إقناع المانحين بخطورة استمرارها. ويشير إلى تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التي أعلن فيها أن "أونروا لن تكون جزءاً من مشهد اليوم التالي في غزة"، ما يكشف النية الواضحة لتفكيك الوكالة واستبدالها بمؤسسات تتبنى الرؤية الإسرائيلية.

من جهته، يؤكد المستشار الإعلامي لـ"أونروا" عدنان أبو حسنة أن استبدال الوكالة أمر "مستحيل"، مشدداً على أن نحو 12 ألف موظف دائم وآلاف المتعاقدين يقدمون خدمات أساسية لأكثر من مليوني لاجئ في قطاع غزة وحده، وأن أي محاولة لتحويل مسؤولياتها إلى مؤسسات محلية فشلت على الأرض، لأن "أونروا" تمتلك خبرة مؤسسية متراكمة لا يمكن تعويضها.

ومنذ تأسيسها في كانون الأول/ديسمبر عام 1949 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (302)، تعدّ "أونروا" المظلة الدولية الوحيدة المخصصة لخدمة اللاجئين الفلسطينيين وذريّتهم، مقدّمة خدمات التعليم والصحة والإغاثة في مناطق عملياتها الخمس: الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة.

ويجمع الخبراء على أن الوكالة تمر اليوم بأخطر مفترق طرق منذ أكثر من سبعة عقود، في ظل مساعٍ دولية متصاعدة لتفكيكها ونقل صلاحياتها إلى أطراف جديدة، من بينها الدول المضيفة أو مؤسسات دولية بديلة، ما يشكل تهديداً وجودياً يمس جوهر حق العودة والقضية الفلسطينية بأكملها.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين -الجزيرة نت

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد