بعد إغلاق مداخل مخيم البداوي الفرعية شمالي لبنان، يعيش اللاجئون الفلسطينيون في المخيم واقعاً يومياً بالغ الصعوبة، يحاولون التأقلم معه رغم القيود التي فرضها القرار على حركتهم، وما نتج عنه من آثار اجتماعية ومعيشية واقتصادية متفاقمة.
وكان المخيم قد شهد احتجاجات شعبية غاضبة، أشعل خلالها الأهالي الإطارات المطاطية ورفعوا شعارات تندّد بإغلاق الجيش اللبناني مداخل فرعية تؤدي إلى المخيم، في خطوة أدّت إلى تقييد حركة السكان وتعقيد حياتهم اليومية.
ووفق الأهالي، فقد تمّ إغلاق أكثر من 12 مدخلًا كانت تربط المخيم بمحيطه وتُسهِّل تنقّلهم، ما اضطرهم إلى سلوك طرق طويلة وشاقّة لقضاء حاجاتهم الأساسية.
ما يؤلمنا هو أنهم يعاملوننا كغرباء
موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين رصد آراء الأهالي والتقى بعدد من سكان المخيم الذين عبّروا عن غضبهم ومعاناتهم اليومية نتيجة هذا الإغلاق.
يقول أحد اللاجئين، وهو صاحب محل لبيع القهوة: "المشكلة ليست فقط اقتصادية أو معيشية، فهذه أمور اعتدنا صعوبتها. ما يؤلمنا أكثر هو أنهم يعاملوننا وكأننا لسنا أبناء هذا البلد، رغم أننا وُلدنا هنا، وآباؤنا كذلك. نحن جزء من هذا المجتمع واقتصادنا مرتبط به، بل نحن نُسهم في دعم اقتصاده، فالكثير من المغتربين الفلسطينيين يرسلون الأموال إلى هذا البلد ويساهمون في تقوية اقتصاده."
الإغلاق أطال الطرقات وصعًبها على طلاب المدارس
ويصف سائق حافلة مدرسية حجم الصعوبات التي واجهها مع الطلاب قائلاً: "الإغلاق أثّر كثيراً على حركة الطلاب وعلى عمل السائقين أيضاً. كنا نختصر الطرق لتخفيف الازدحام، أما الآن فنضطر إلى سلوك طرق طويلة داخل المخيم بسبب إغلاق بعض المداخل. بعض الأهالي يرسلون أبناءهم بالباصات، لكن هناك من لا يستطيع ذلك، فيضطر الأطفال إلى السير لمسافات طويلة. هذا جعل بعض الطلاب يفقدون رغبتهم في الذهاب إلى المدرسة بسبب طول الطريق والوقت المرهق."
أما بائع الخضار فيوضح تراجع الحركة التجارية ويقول لبوابة اللاجئين الفلسطينيين :"كنت أشتري عشرة صناديق من البندورة يومياً، أما الآن فأكتفي باثنتين فقط بسبب طول المسافات وصعوبة التنقل. كنت أجلب خمسين كيساً من البطاطا، واليوم لا أستطيع سوى إحضار عشرين، ومع ذلك تبقى الكمية دون بيع حتى نهاية اليوم. الحركة التجارية ضعفت كثيراً."
ويقول لاجئ فلسطيني آخر: إن المعاناة المعيشية تتضاعف بفعل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتقليص خدمات وكالة "أونروا".
"ويضيف: الأوضاع المعيشية صعبة جداً، و الاونروا تقلّص مساعداتها. نحن نعيش تحت سقف القانون ولسنا خارجين عنه، لكن هذه الإجراءات تسبّب ضغطًا نفسيًا كبيرًا على الناس، فإلى جانب البطالة وتقليص الخدمات، يُنظر إلينا على أننا بؤر أمنية، بينما نحن في الحقيقة مجتمع مسالم."
كان هناك تبادل تجاري واسع بين المخيم والجوار لكن بعد الإغلاق تغيّر كل شيء
من جهته، يصف صيدلاني من داخل المخيم الوضع اليومي ويقول: "حياتنا كلها أصبحت محصورة داخل المخيم، الطرق مقطوعة، والتواصل مع الجوار صعب جدًا. الطلاب يحتاجون إلى وقت طويل للوصول إلى مدارسهم، فبعضهم كان يصل في خمس دقائق، أما الآن فيقضي ساعة كاملة في الطريق. الناس تشعر وكأنها معزولة عن محيطها، والضيق يزداد يومًا بعد يوم."
ويشرح عضو في اللجنة الشعبية بالمخيم الصورة العامة للأثر الاجتماعي والاقتصادي ويقول:"كان مخيم البداوي منفتحاً على محيطه من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. كان الناس يدخلون ويخرجون بحرية، وهناك تبادل تجاري واسع بين المخيم والجوار. لكن بعد الإغلاق تغيّر كل شيء."
ويضيف :" العمال يضطرون للالتفاف حول المخيم للوصول إلى أعمالهم، والطلاب يقطعون مسافات طويلة للوصول إلى مدارسهم، مما أدى إلى تراجع النشاط التجاري وانخفاض المبيعات. كثير من المتسوقين من خارج المخيم توقفوا عن المجيء، ما تسبب بخسائر كبيرة لأصحاب المحال. أصبح الوضع الاقتصادي متدهورًا، والناس تعاني من صعوبة في التنقل حتى لأبسط الحاجات اليومية."
ويشير عضو اللجنة الشعبية إلى أنهم تواصلوا كلجنة شعبية، مع القيادة الفلسطينية في بيروت، ومع السفارة والهيئة العامة المشتركة، وطالبوا بالتدخّل لدى الجهات اللبنانية المعنية لفتح ممرات إنسانية تخفف عن الأهالي.
وأضاف :" لا مانع لدينا من وجود نقاط تفتيش أو بوابات أمنية إن لزم الأمر، لكن إغلاق المداخل بهذا الشكل يجعلنا نشعر وكأننا في سجن. نحن لا نعاني من أي مشاكل أمنية، ولسنا في حالة خلاف مع الدولة أو مع الجوار، بل نعيش تحت سقف القانون، فقط نطالب بأن يكون تطبيق القانون منصفاً وعادلا، لا ظالماً ولا مجحفاً بحقنا."
ويؤكد سكان المخيم أن استمرار إغلاق المداخل سيزيد من عزلة المخيم، ويهدد الحياة الاقتصادية والتعليمية فيه، داعين الجهات الرسمية اللبنانية إلى إيجاد حلول عاجلة تراعي الوضع الإنساني للاجئين الفلسطينيين وتخفف من معاناتهم اليومية.
