بعد مرور ثمانية عشر عاماً على تدمير مخيم نهر البارد شمال لبنان عام 2007، لا تزال مئات العائلات الفلسطينية في المخيم الجديد تعيش بين الركام والوعود المؤجلة، دون أن تنال أي تعويضات عن منازلها أو بدلات إيجار أو أثاث، في وقتٍ ما زالت فيه الوعود بـ"الإعمار الكامل" حبراً على ورق.
فالمخيم الذي شهد واحدة من أكبر المآسي في تاريخ الفلسطينيين في لبنان، ما يزال جرحاً مفتوحاً في حياة سكانه الذين أنهكتهم سنوات الانتظار الطويلة وواقع الخدمات المتدهور. بيوت مهدّمة وأحلام مؤجلة، كما يجمع الأهالي، ويرصد موقع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين".

يقول إبراهيم موعد من أهالي المخيم الجديد لموقعنا: "كان بيتنا مؤلفاً من ثلاث طوابق، لكن النرويجية ما عمّرت لنا إلا طابقاً واحداً، ونحن عائلة كبيرة فيها ثلاثة شباب متزوجين. اليوم لا يسكن في البيت سوى والدي، أما أنا وإخوتي فمستأجرون. إيجار البيت والكهرباء والاشتراك تكلفني أكثر من 200 دولار شهرياً، وهذا ظلم بحقنا. كان عندي بيت، والآن أعيش كمستأجر. يجب على المسؤولين أن يعدلوا بين الناس، لأن هناك عائلات كثيرة مظلومة مثلنا".
كلمات إبراهيم تختصر مأساة عشرات العائلات التي تحوّلت من مالكي منازل إلى مستأجرين داخل المخيم نفسه الذي وعدوا بإعماره كلياً. وبين الازدحام وارتفاع تكاليف المعيشة، تزداد معاناة الأهالي الذين يعيشون في ظروف اقتصادية واجتماعية خانقة.

ويروي اللاجئ سعيد موعد رحلة الانتظار الطويلة التي عاشتها عائلته منذ نزوحها القسري عن المخيم القديم قبل 18 عاماً، قائلاً: "تعبنا كثيراً وتغرّبنا سنين طويلة. بعد عشرين سنة غربة قدرت أعمر بيت وأشتري الأرض، لكن في 2007 راح كل شيء".
وتابع: "قالوا بدهم يعوضونا ويرجعونا على بيوتنا، بس لهلأ ما شفنا شي. أولادي صاروا بدهم يتجوزوا، وإحنا من 17 أو 18 سنة ناطرين الإعمار. حتى الإعمار بالمخيم القديم ما كمل، وقالوا بدنا نبلش بالجديد، بس لا شفنا شي بالجديد لا بدل عفش ولا بدل إعمار. قالوا بدنا نرجعكم على بيوتكم معززين مكرمين، بس وين الكرامة؟".
كلمات سعيد تعبّر عن الإحباط الجماعي الذي يعيشه أبناء نهر البارد، بين وعودٍ مكرّرة بالإعمار وواقعٍ قاسٍ تثقله الأزمة الاقتصادية في لبنان وتراجع خدمات وكالة "أونروا" عاماً بعد عام.
إعمار على حساب الأهالي وغياب العدالة في التعويض
من جهته، يشير رياض لوباني، من حي الثلاثين في المخيم الجديد، إلى أن معظم العائلات اضطرت لترميم منازلها على نفقتها الخاصة دون أي دعم من "أونروا"، قائلاً: "من وقت ما استلمنا البيت، كان مصنف هدم كلي، لكن حتى نستر حالنا رممناه بالكامل على حسابنا الخاص. عمرنا البيت وبدلنا البلاط والعفش، ومن وقتها ونحن نسمع وعوداً من الأونروا بالتعويض، لكن ما شفنا شي. نطالب الأونروا والجهات اللبنانية والفلسطينية يشوفوا معاناتنا، ويتعاملوا معنا مثل باقي الناس في المخيم الجديد، سواء ببدل عفش أو بدل ترميم. أنا واحد من آلاف العائلات في حي الكورنيش نعاني من نفس الأمر".
هناك 3600 عائلة في المخيم الجديد لم تحصل على تعويض ولا بدل إيجار
ويؤكد حاتم الأسدي، نائب أمين سر تجمع المخيم الجديد، لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، أن نحو 2000 وحدة سكنية لم تتلقَّ أي مساعدة حتى اليوم، من بينها 14 بناية مهدّمة و18 شقة سكنية لم تُرمم بعد، مشيراً إلى أن الوعود بإعادة إعمارها بقيت حبراً على ورق.
ويضيف الأسدي: "كثير من الأهالي مضطرون لدفع إيجارات مرتفعة غير قابلة للتحمل، بدأت من 50 دولاراً ووصلت اليوم إلى 150 دولاراً للشقة الواحدة. المعاناة لا تشملني فقط، بل تطال جميع السكان الذين يعانون من تجاهل الجهات المسؤولة. اللبناني اللي جنبي رجع على بيته وأخذ تعويض، رغم أن بيته ما تضرر، وأنا الفلسطيني بعدني على الأرض وبيتي مهدّم! 17 قرية لبنانية محيطة بالمخيم حصلت على تعويضات، بينما نحن لا شيء. الأمراض والضغط والسكر صاروا جزءاً من حياتنا".
ويتابع قائلاً: "الأهالي ما وقفوا مكتوفي الأيدي. ذهبنا إلى الأونروا، إلى الفصائل الفلسطينية، وإلى الدولة اللبنانية، ورفعنا مطالبنا بكل الطرق الممكنة، لكن دون نتيجة ملموسة. الجميع يعلم حجم معاناتنا، ومع ذلك لم نحصل على تعويض أو بدل إيجار أو حقنا بالسكن الكريم".
ويحذّر الأسدي ويقول: "هذا إنذار أخير للدولة اللبنانية وللأونروا ولكل المرجعيات. هناك 3600 عائلة في المخيم الجديد لم تحصل على تعويض ولا بدل إيجار. الناس وصلت إلى مرحلة الانفجار".
ثمانية عشر عاماً من الصبر، ويبقى الإعمار مؤجلاً، وما زال الفلسطينيون يعيشون على أمل الوفاء بالوعود القديمة. فبين الوعود بالإعمار الكامل وواقعٍ يملؤه الفقر والرطوبة والخراب، ما زالت العائلات الفلسطينية تنتظر اليوم الذي تعود فيه إلى بيوتها "معززة مكرمة" كما وعدت يوماً، غير أن الكرامة بالنسبة لهم ما زالت قيد الإعمار.
