كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في تقريره الإنساني رقم 340 الصادر بتاريخ 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، أن الذخائر غير المنفجرة ما تزال تشكل تهديدًا خطيرًا في جميع أنحاء قطاع غزة، مع تسجيل إصابات بين السكان العائدين إلى المناطق المدمّرة، أو أولئك الذين يبحثون عن احتياجاتهم الأساسية بين الركام.
وأشار التقرير إلى أن انتشار هذا النوع من المخلفات يفاقم المخاطر على المدنيين في ظل غياب منظومات متخصصة لإزالتها، وتدمير قدرات الطوارئ المحلية خلال حرب الإبادة، ما يجعل التحرك في الأحياء المتضررة محفوفًا بالخطر، ويهدد حياة الآلاف.
وفي السياق نفسه، حذّر تقرير نشرته مجلة إيكونوميست البريطانية من أن قطاع غزة، الذي تعرض لعمليات قصف غير مسبوقة خلال العامين الماضيين، قد يكون المنطقة الأكثر احتواءً للقنابل والذخائر غير المنفجرة في العالم مقارنة بمناطق صراع أخرى.
وأكد التقرير أن هذه المخلفات تشكل أحد أخطر آثار الحرب على المدى الطويل، إذ تستمر في قتل المدنيين وتشويههم حتى بعد توقف القصف بفترة طويلة.
وأشار التقرير إلى أن جزءاً من الذخائر التي أطلقتها قوات الاحتلال زوّدت بآليات تفجير مؤجل، ما يجعلها قابلة للانفجار داخل المباني أو تحت الركام، ويزيد صعوبة اكتشافها وإزالتها.
كما سلطت المجلة الضوء على حوادث مأساوية تعرض لها أطفال نتيجة العبث بهذه المخلفات، من بينها إصابة التوأمين يحيى ونبيلة الشرباصي، البالغين من العمر ست سنوات، بجروح خطيرة بعدما ظنّا أن قنبلة غير منفجرة مجرد لعبة.
7 آلاف طن من الذخائر غير المنفجرة منتشرة في 40% من قطاع غزة
وبحسب تقديرات أممية وبيانات ميدانية لمنظمات الإغاثة، فإن كمية الذخائر غير المنفجرة المنتشرة في قطاع غزة تتجاوز 7 آلاف طن، موزعة على نحو 40% من الأحياء السكنية، مع تركّز أكثر من ثلاثة آلاف طن في مناطق بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا التي تعرضت لقصف مكثّف.
وتتوقع منظمة "هيومانيتي آند إنكلوجن" المتخصصة في إزالة الألغام أن تستغرق عملية التطهير الكامل لهذه المخلفات بين 20 و30 عاماً، ما لم تتوفر جهود هندسية دولية واسعة وعاجلة.
وقال نيك أور، خبير إزالة الذخائر المتفجرة في المنظمة، إن "العثور على جميع هذه المخلفات لن يحدث أبداً بشكل كامل"، مؤكداً أن الذخائر المدفونة تحت الأرض ستظل تظهر لأجيال قادمة، على غرار ما حدث في بعض المدن الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية.
وأوضح التقرير أن الأمم المتحدة لا تزال تكافح حتى اليوم لإزالة الذخائر غير المنفجرة في مدينة الموصل العراقية، رغم مرور سنوات على تحريرها، بينما تعرضت غزة لقصف أعنف بكثير، ما يجعل مهمة التطهير أكثر صعوبة وخطورة.
وفي جانب آخر، أشار التقرير إلى أن القيود التي يفرضها كيان الاحتلال تعد عائقاً رئيسياً أمام عمليات إزالة الألغام، إذ تمنع دخول الخبراء والمعدات اللازمة إلى القطاع، إضافة إلى منع تدريب الفلسطينيين على تقنيات إزالة الذخائر.
وذكرت مجلة إيكونوميست أن العديد من المعدات المصنّفة ضمن الاحتياجات الأساسية لفرق إزالة الألغام تدرجها سلطات الاحتلال ضمن قائمة "الاستخدام المزدوج"، ما يضطر العاملين إلى ابتكار وسائل بديلة بدائية مثل استخدام أكياس الطعام المملوءة بالرمل كحواجز واقية.
وأضاف التقرير أن إزالة المتفجرات في غزة أكثر خطورة مقارنة بمدن أخرى مثل الموصل، إذ يمكن في العراق إخلاء السكان خلال عمليات التطهير، بينما في غزة لا يوجد أي ملاذ آمن للسكان بعد تدمير معظم المناطق السكنية.
مركز غزة لحقوق الإنسان: المخلفات الحربية انتهاك صارخ للقانون الدولي
وقال مركز غزة لحقوق الإنسان إن ترك الاحتلال لهذه المخلفات يشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف، التي تلزم قوة الاحتلال بحماية المدنيين وإزالة مخلفات الحرب والإفصاح عن مواقع القنابل غير المنفجرة.
وطالب المركز بتشكيل لجان دولية متخصصة تحت إشراف الأمم المتحدة لمسح شامل لجميع مناطق القطاع، وتحديد مواقع المتفجرات، وإرسال فرق هندسية مزوّدة بالمعدات اللازمة لضمان إزالة هذه المخاطر وتأمين المناطق المأهولة.
ووفقاً لقاعدة بيانات تابعة للأمم المتحدة، فقد استشهد أكثر من 53 فلسطينياً، وأصيب المئات نتيجة مخلفات الحرب، بينما يرجّح عمال الإغاثة أن العدد الحقيقي أعلى بكثير؛ بسبب صعوبة الوصول إلى المناطق المدمرة وتقييد وصول فرق الطوارئ.
