البرازيل - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
أحمد أبو حسنة
قبيل نهاية الشهر الماضي، أقرّ مجلس الشيوخ البرازيلي "قانون الهجرة واللجوء" الجديد، والذي يجري العمل لإقراره في البلاد منذ فترة طويلة. والقانون اليوم، بانتظار توقيع رئيس الجمهورية "ميشيل تامر" لإقراره النهائي.
ويتميز هذا القانون، بأنه يهدف إلى تحسين وضع الهجرة واللجوء في البرازيل، والتركيز على مقاربة هذه القضية من "جانب إنساني"، بدل المقاربة الأمنية والاقتصادية، التي حكمت روح القانون القديم، الذي أقرته حقبة "الديكتاتورية العسكرية" في البرازيل.
النقاش الذي رافق إقرار القانون في مجلس الشيوخ، أوجد تفاعلاً في الشارع، خاصة على خلفية التحريض الواضح، الذي مارسه عدد من نواب اليمين المتطرف في المجلس، والذين ركزوا في خطابهم لجمهورهم، على مقدار "المخاطر الأمنية والاقتصادية التي سيخلفها إقرار القانون الجديد".
وهذا ما حدا بمجموعة يمينية متطرفة، تطلق على اسمها "حركة اليمين في ساو باولو" (والتي تصنف في البرازيل على أنها "مجموعة فاشية")، وبالتعاون مع "حركة البرازيل حرة"، المعروفة بتوجهاتها اليمينية أيضاً، إلى النزول للشارع والتظاهر ضد إقرار القانون.
فقد قامت مجموعة من المتظاهرين، ينتمون للحركتين المذكورتين، بالتظاهر في شارع "أفينيدا باوليستا" الشهير، في الوسط التجاري لمدينة ساو، باولو ليلة الثلاثاء-الأربعاء (3 أيار/مايو) مرددين عبارات معادية للاجئين والمهاجرين العرب؛ داعين إلى "إبادتهم وطردهم خارج البلاد"، ومطلقين هتافات عنصرية.
وقد ترافق ذلك مع مرور اللاجئ الفلسطيني من سوريا "نور الدين السيد" والبرازيلي من أصل فلسطيني "حسن ظريف"، مع مجموعة أصدقاء برازيليين في المكان، ليتم توجيه إهانات لهم، وليتطور الموقف إلى اعتداء بالأيدي عليهم.
وعلى الإثر، وصلت إلى المكان دورية للشرطة البرازيلية، لفضّ العراك الذي انتهى باعتقال اللاجئ الفلسطيني "نور الدين السيد"، الذي أصيب بجروح في الوجه، ورفاقه وآخرين من المجموعة المعتدية، بعدما تم التعامل مع الموقوفين بطريقة عنيفة من قبل الشرطة، حسب شهود عيان كانوا موجودين في المكان.
اللافت أنه بعد عملية التوقيف، تم تطبيق معاملة عنيفة، وتتسم بالتمييز من قبل الشرطة التي منعت عن الموقوف الفلسطيني ورفاقه أي زيارة من قبل الأصدقاء، وحتى المحامين، وهو إجراء غريب، ولم يتم تطبيقه على المجموعة المعتدية، وهو أمر أكده أحد المحامين الذين تطوعوا للدفاع عن المعتدى عليهم (هوغو البوكويركي) ، ويرجعه إلى أن المجموعة المعتدية ادّعت بأن "اللاجئ الفلسطيني ورفاقه كانوا يحملون قنبلة وينوون تنفيذ عمل إرهابي" (كما جاء على لسان "أندريه بيتروس أنجليدس"، منسق حركة اليمين في ساو باولو) الأمر الذي نفته التحقيقات في ما بعد.
ومع ساعات الصباح، تداعت فعاليات فلسطينية وعربية وجهات برازيلية متضامنة، إلى تنفيذ اعتصام ووقفة تضامنية أمام "منتدى باها فوندا" في وسط المدينة، للمطالبة بإطلاق سراح الموقوفين الذين تعرضوا للاعتداء.
وقد احتشد العشرات في هذه الوقفة، مطالبين بالإفراج الفوري عن المعتدى عليهم، وتقديم الحماية لهم، واعتقال منفذي الاعتداء، وتجريم خطاب الكراهية الذي أطلقوه. ومع انتهاء الاعتصام، تم إخلاء سبيل الموقوف، اللاجئ الفلسطيني ورفاقه، بعد عدم ثبوت أي من التهم التي وجهت إليهم.
هذا في الوقت الذي عجت فيه صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بمواقف تضامنية برازيلية عديدة، عبرت في أغلبها عن استغرابها الشديد من وقوع هذا الاعتداء في بلد تعتبر غالبية سكانه من المهاجرين، ويعد التنوع سمته الأبرز، وخاصة في مدينة مثل ساو باولو.
وقالت المتضامنة البرازيلية "سيلفانا لوسي دي أوليفيرا" لموقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين: "ساو باولو كانت على الدوام مدينة التنوع، جدي من إسبانيا وجدتي من روسيا. وغالبية البرازيلين اليوم، هم أحفاد أو أبناء لمهاجرين.. من أين ظهر هؤلاء الفاشيون؟" مستغربة وجود خطاب الكراهية في البرازيل. ومشيرة إلى أن منسق حركة اليمين نفسه، هو حفيد لجد يوناني وجدة من بوليفيا!!
أما على المقلب الآخر، تواصلت حملة التحريض من قبل الجهات اليمينية، ومناصريها، عبر إطلاق شعارات عنصرية، تدعو "لإبادة العرب والمسلمين"، و"التخلص من مصدر الشر في العالم". وقد صرح "إديسون سليمان" أحد زعماء التيار اليميني: "انظروا لهذا الفلسطيني الذي جاء هنا للتخريب.. نحن نعلم أنه ضد إسرائيل.. ولكننا نقول بكل صراحة.. نحن ندعم إسرائيل". وقد طالت التصريحات المعادية أيضاً أحزاب اليسار البرازيلي، بصفتها متعاطفة مع قضايا اللاجئين وتدعم القضية الفلسطينية.
وفيما تم التأكد من سلامة اللاجئ "السيد"، إلا أنه لم يتمكن من الحديث إلى وسائل الإعلام حتى الآن، نتيجة الإرهاق الجسدي والنفسي الذي تعرض له. وطالبت وجوه بارزة في الجالية العربية والفلسطينية أبناء الجالية اتخاذ أقصى درجات الحذر، مؤكدة تضامنها الكامل مع "نور السيد" ورفاقه.
انتهت هذه الحادثة بانتفاء كل التهم التي وجهت لـ "نور السيد" ورفاقه، ولكن يبقى السؤال فيما إذا كانت ليلة أمس مجرد "ساعة شيطان"، أم أنها نذير بوصول موجة العنصرية والكراهية ضد العرب والمسلمين إلى البرازيل؟! لكن المؤكد، أن ما حدث البارحة لن ينمحي بسهولة من تاريخ بلادٍ ظلت حتى الساعة.. مفتوحةً للجميع.
شاهد لحظة الاعتداء على لاجئ فلسطيني وعتقاله ►