مقال: انتصار الدنان
منذ سنتين تقريباّ ازدادت الصرخات داخل أوساط اللاجئين الفلسطينيين في المناطق الخمس، التي تعمل فيها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وذلك بسبب تقليص موازنة الوكالة التي تؤمن خدمات الطبابة والتعليم و غيرها.
قضية متجددة ومتكررة، لا يبدو أنّ ظهورها بين الحين والآخر يأتي بشكل عفوي، هذا ما يؤكده اللاجئون الذين يشيرون بأصابع الاتهام إلى الكيان الصهيوني، على اعتبار أنّ أحد أبرز أهدافه، هي شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإلغاء حق العودة.
شكوك اللاجئين تعززها تصريحات من هنا وهناك، حول سعي حكومة الاحتلال إلى إجهاض مشاريع تمويل "الأونروا" كون هذه المؤسسة الدولية شاهداً على قضية اللجوء الفلسطيني، واستمرارها في عملها من شأنه أن يرسّخ فكرة وجود لاجئين هُجّروا من أرضهم بسبب قيام كيان صهيوني في وطنهم فلسطين.
المراسل السياسي لموقع "واللا" الإخباري العبري، عومري نحيماس، تحدّث مرّةً عن مشاركة كيانه بالتعاون مع الولايات المتحدة، في إجهاض مشروع داخل الأمم المتحدة لزيادة موازنة الوكالة، وذكر نحيماس أنّ الجمعية العامة في الأمم المتحدة، قد شطبت من جدول أعمالها مشروع قرار قدمه الفلسطينيون وتحالف الدول النامية لزيادة موازنة "الأونروا"، بحيث يتم استقطاع هذه الزيادة من الموازنة العامة للمنظّمة، لتمكين الوكالة من القيام بأنشطتها في مناطق عملياتها الخمس لصالح اللاجئين.
ويذهب بعض سكان مخيّم عين الحلوة، إلى أنّ قرار التقليصات قرار سياسي، حيث تدنت الموازنة الخاصة بالطبابة من 12 مليون إلى 10 ملايين دولار، وهذا العجز هو مشكلة عامة وفي جميع المناطق، وهو أمر ليس بالجديد.
إلّا أنّهُ من المفترض أن تتساوى ميزانية الطبابة، مع ما تقدمه الدولة المضيفة لمواطنيها، فلبنان بالنسبة للصحة يقدم خدماته لمواطنيه بنسبة 80 % أمّا "الأونروا" فتقدم لفلسطيني لبنان 50% فقط من خدمات الصحّة، ومن هنا يطالب الفلسطينيون في لبنان برفع النسبة، ما يعني زيادة ميزانية "الأونروا" في هذا البلد إلى 18 مليون دولار.
وكذلك الحال بالنسبة للتربية، فإن قلنا أنّ ميزانية "الأونروا" هي مائة مليون دولار، فخمسة وستون مليوناً منها تذهب للموظفين، وخمسة وثلاثون مليوناً تكون للخدمات العامة، وحتى تشمل كل القطاعات يجب أن تكون خمسة وخمسين مليوناً للخدمات،وليس خمسة وثلاثين، وهذه العشرون مليون المفترض زيادتها، تستطيع الدول المانحة تقديمها بما أنّها تُقدم لمؤسسات المجتمع المدني مبالغ أكبر مما ذكر، لكن لتلك الدول أهداف سياسية تريد أن تستعيض عن "الأونروا" بمؤسسات المجتمع المدني المعروفة بـ (NGOs).
وهذا يعطي بعداً منطقيّاً للتبرير القائل، أنّ التقليصات هي لشطب "الأونروا"، لكن في المقلب آخر، لماذا سكت صوت الاحتجاجات في لبنان على تلك التقليصات؟
لماذا وبسحر ساحر حُلّت خلية الأزمة؟ وما هي الاتفاقات التي جرت بين الفصائل الفلسطينية و"الأونروا"؟
هذه الصرخات تتكرر حين نسمع صوت مريض يحتاج لعلاج، وصوت بيت يئن أهله تحت مخاوف الانهيار، وصوت تلميذ قد يخسر مقعده الدراسي في أي وقت من الأوقات، ويصير طريد الشارع.
لا زيارات للمخيّم من قبل أي مسؤول في "الأونروا" إلا بعد موافقة من الأمم المتحدة، حيث أنّ شرخاً كبيراً حصل بين "الأونروا" واللاجئين، لكن وبسرعة لا متناهية ومنذ ما يقارب الثمانية أشهر بدأت السيدة "سيغرد كاغ" ممثلة الأمم المتحدة، بزيارات متكررة لقادة في الفصائل الفلسطينية، كما زيارات متكررة لمخيّم عين الحلوة، زيارات السيدة كاغ المتكررة تطرح تساؤلات عديدة وهي:
لماذا يُسمح للسيدة كاغ بهذه الزيارات، أم أنّ الأخيرة تقوم بها بمعزل عن موافقة الأمم المتحدة، في خطوة لإعادة بناء الثقة بين اللاجئين و"الأونروا"، أم لطمأنة اللاجئين على وجودهم؟
وهل هناك صراع بين اللاجئين و"الأونروا" وكاغ تريد إنهاؤه؟، أم أنّها تريد تثبيت نفسها في وظيفتها التي قد تخسرها إذا أغلقت "الأونروا" أبواب خدماتها للاجئين؟
على اعتبار أنّ تقليص خدمات "الأونروا" يقابله تقليص لعدد موظفي الوكالة، وبالتالي كاغ وأمثالها قد يخسرون وظائفهم.
في الوقت نفسه يُطرح سؤال آخر: هل تقليصات "الأونروا" هي مؤامرة دولية ضد قضية اللاجئين؟ وأين المستحقات التي يجب أن تدفعها الدول العربية للوكالة؟
كل هذه الأسئلة مطروحة على المعنيين، فكاغ بزيارتها للمخيّم ولقادة الفصائل لم تعط أي جواب.