لبنان - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

تقرير: زينب زيّون

الرسم طريقة من طرائق التعبير الكثيرة عما يدور في دواخل كل منا، ومتنفس لأفكار أو أحلام تعجز اللغة عن البوح بها.

سليم عاصي، فنان فلسطيني من مخيّم الجليل- بعلبك، عاش أولى سنوات الطفولة في المخيم ومن ثم غادر إلى الدانمارك، يُقيم في مدينة كوبنهاجن منذ حوالي ٢٥ عاماً، حيث يعمل في مجال الدعاية والإعلانات التجارية.

اكتشف موهبته في الرسم منذ الصغر، لم يدرس الفنون بمعهد أو أكاديمية، لكنّه عمل على تطوير تلك الموهبة بدعم معنوي من عائلته ولاسيما والدته. تأثر ببيئة المخيّمات عندما كان يزورها، ما زاده حباً للوطن وحنيناً للعودة إلى أرض فلسطين، فحياة المخيّمات تركت في نفسه أثراً، تجسّد بأعمالٍ فنية فاقت الروعة.

ومن واقع المخيّمات وأوضاع الأهالي فيها، استوحى سليم رسوماته، فمضى يرسم ويخطّ العبارات التي تُحاكي واقعها وأحوال أهلها، مجسّداً مأساتهم وصمودهم وتضحياتهم باللون والكلمة، حاملاً طموحاته في نيل الحرية والعودة إلى ربوع الوطن.

"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" التقت سليم وكان الحديث التالي: "تناولت باقةً من القضايا، عبّرتُ عنها من خلال لوحاتي التي رسمتها وعرضتها في معارض خاصة سبق أن نظمتها، كما شاركت بمعارض جمعتني بعدد من الرسامين، وشاركت بجولات فنية اندرجت تحت عنوان "الفن المقاوم" في مهرجانات وفعاليات ومؤتمرات وطنية في الدنمارك وعدد من الدول الأوروبية والعربية".

أما الجداريات التي رسمها سليم، فقد تركت صدى وتأثيراً كبيرين، على الساحتين الفلسطينية والدنماركية، وخصوصاً خلال العشر سنوات الأواخر.

حيث جسّدت جدارياته المناسبات الوطنية والأحداث الساخنة التي تطرأ على الساحة الفلسطينية والعربية وحتى الأوروبية، فرسمها على الجدران مستنكراً الانتهاكات الاسرائيلية في قطاع غزّة والضفة والقدس، وكذلك المؤامرات والتنازلات التي تمسّ حق الشعب الفلسطيني والقضية التي ينادي بها الأهالي في الداخل وفي الشتات.

وقال سليم: "يتطلب الأمر منّي جهداً كبيراً في خلق الوقت أولاً، وبذل الجهد وتحمل التكاليف المادية التي تقع على عاتقي الخاص ثانياً. لم ألجأ إلى أيّة مؤسسة أو حزب أو تنظيم ليتبنى موهبتي، عملي مستقل منذ البداية وسأبقى كذلك حتى النهاية، لأنّي أؤمن بقضيتي ولأنّ بوصلتي الوحيدة هي فلسطين، ولفلسطين تهون الأشياء وترخص، وهذا واجب وطني وأخلاقي يتحتم عليّ فعله".

أما مشروع الجداريات القائم في مخيّمات لبنان، ما هو إلا فكرة ومبادرة أقدم عليها سليم، بعد طرحها على أصدقاء له، ناشطين في كوبنهاجن، حيث رحّبوا بالفكرة فتمّ التنسيق مع اللجان والمعنيين في المخيّمات، وبعض أصدقائه دعموا الفكرة مادياً، ولو بمبلغ محدود.

تنقّل سليم بين مخيّمات لبنان، فمن مخيّم البص في صور إلى مخيّم الميّة وميّة في صيدا، ومن مخيّمي شاتيلا وبرج البراجنة في بيروت إلى مخيّمات الشمال. مشيراً إلى أنّ "إنجاز الجداريات في تلك المخيّمات ليس بالأمر اليسير على الإطلاق، فهناك عوائق وتحديات واجهتني، ما بين سرعة الإنجاز إلى العمل دون فريق، بالإضافة إلى صعوبة التنقلات مع حمل المواد ونقلها من مخيّم لآخر، وتجهيز الجدران مسبقاً وطلائها قبل الرسم عليها، ناهيك عن ازدحام شوارع وأزقة المخيّمات بالسيارات والمارة".

رغم تلك الضغوطات والحرب الطاحنة، بحسب ما وصفها سليم، إلا أنّه يرى في ذلك شرف كبير ومسؤولية في حمل أثقال هذه الرسالة النبيلة وتجسيدها على جدران المخيّمات. تلك الجداريات التي رسمها سليم، والتي جسّدت المحطات الفلسطينية بمجملها منذ ما قبل النكبة إلى يومنا هذا، بدءاً بمخيّمات الجنوب مروراً ببيروت، فالشمال.

ففي مخيّم الرشيدية، مثلاً، رسم سليم جدارية عن فلسطين ما قبل النكبة، وفي مخيّم البص جسّد النكبة، وفي مخيّم الميّة وميّة جسّد رجال فلسطين، لينتقل إلى مخيّم برج البراجنة راسماً معاني الصمود على جدرانه، وفي هذا تسلسل زمني يربط المخيّمات بعضها ببعض عبر جداريات متتابعة للمحطات الفلسطينية وحكايتها، فبذلك يكون سليم قد أعطى طابعاً وحدوياً للمخيّمات الفلسطينية في لبنان، أهلها مرتبطون بنفس المأساة، ونفس الأهداف والأحلام.

يستخدم سليم أدوات عدّة لتنفيذ فكرته وتجسيدها على جدران المخيّمات، فمن البخاخ والفُرش والألوان والأقلام الصبغية العريضة، وسواها.

لاقت الجداريات التي صممها سليم ترحيباً من قبل عموم أهالي مخيّمات لبنان، فقد رؤوا فيها ما يريدون قوله، تكلّمت بألسنتهم، وحملت معاناتهم، مذكّرة الأطفال بما مرّ به الشعب الفلسطيني من ويلات وآهات، حاملة في طيّاتها أمل لمستقبل جديد، حافرة في ذاكرة الأهالي حبّ الوطن والنضال من أجل حق العودة.

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد