د. يوسف عبدالحق منسق فريق الباحثين في قسم العائدين/ المنتدى التنويري الثقافي
من المعروف أن العمل على تأسيس "الأونروا" جاء استجابةً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (212) الدورة الثالثة بتاريخ 19 تشرين الثاني 1948، استناداً إلى تقرير وسيط الأمم المتحدة بالوكالة لفلسطين والذي أكد على وضع اللاجئين الحرج وهو ما يستلزم ليس فقط استمرار المساعدة بل وزيادتها إذا ما أريد تجنب الكارثة، فتخفيف وطأة المجاعة والبؤس بين اللاجئين الفلسطينيين، هو أقل الشروط لإنجاح جهود الأمم المتحدة لإحلال السلام في ذلك البلد.
وعلى هذا الأساس تم تأسيس "الأونروا" بقرار الأمم المتحدة رقم (302) كانون الأول 1949 وباشرت عملها في أيار 1950، حيث نصّ هذا القرار على أنّ الجمعيّة العامة للأمم المتحدة تطلب من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى التشاور مع لجنة التوفيق بشأن فلسطين التابعة للأمم المتحدة، لما فيه خير أداء مهمات كل منها، وخصوصاً فيما يتعلق بما ورد في الفقرة (11) من قرار الجمعية العامة رقم (194) الدورة الثالثة الصادر في 11 كانون الأول 1948. فأين اللاجئين الفلسطينيين اليوم من هذه القرارات؟!
نستذكر هذه القرارات اليوم بعد مرور حوالي (70) عاماً على النكبة وغول البرد القارس بدت مخالبه تطل كما في كل عام على جموع اللاجئين في مخيّماتهم الذين لا يزالون يعيشون في مساكن المخيّمات التي تفتقر إلى الحد الأدنى اللازم لمقاومة جهنم البرد في الشتاء، ناهيك عن الاكتظاظ والنقص الحاد في مستلزمات الحياة البيئية والصحية والمعيشية والاجتماعية والتصريف الصحي.
في مخيم بلاطة الواقع في الشرق الجنوبي لنابلس بلغ عدد المُتقدمين بطلبات ترميم مساكنهم من خلال لجنة الخدمات في المخيّم حوالي (200) طلب نسبتها من بيوت المخيّم لا تتجاوز (6) بالمائة فقط من إجمالي مساكن المخيّم الذي يتجاوز سكانه (25) ألف نسمة وهي نسبة لا تتفق وحاجة المخيّم الواقعيّة المحصور في مساحة ضيّقة جداً لا تتجاوز ربع كيلومتر مربع أي (250) ألف متر مربع، نصفها على الأقل مُخصص للطرق والخدمات العامة والباقي للسكن بواقع (35) متر مربع لكل أسرة.
ويُضاف إلى أزمة السكن في المخيّم قِدم معظم هذه المساكن وهشاشة بنائها بشكل يُعرّضها باستمرار إلى التآكل والتلف، ورغم محدودية طلبات الترميم المُشار إليها أعلاه فإن "الأونروا" رمّمت منها فقط (30) مسكن، في حين يجري الاستعداد لترميم (33) مسكن من خلال منحة من البنك الإسلامي الفلسطيني بتكلفة (120) ألف دولار أمريكي.
ولا يختلف سوء الحال في مخيّم عسكر الجديد في شمال شرقي نابلس عن حال مخيّم بلاطة، بل هو في حالة أكثر تردّي وبؤس، فهو مخيّم نتج عن الاكتظاظ الشديد في مخيّم عسكر القديم ويقع في منطقة (ج) الخاضعة لأمن الاحتلال، يبلغ عدد سكانه حوالي (7) آلاف نسمة أي نحو ألف أسرة يُقيمون على حوالي (100) ألف متر مربع نصفها على الأكثر للمساكن بواقع (50) متر مربع فقط للمسكن، يعيش فيه في المتوسط (7) أفراد.
وتقدّمت حتى الآن (10) أسر أي نحو واحد بالمائة فقط، إلى لجنة الخدمات في المخيم لترميم مساكنهم، وهي نسبة ضئيلة جداً، ويعود ذلك إلى أنّ لجنة الخدمات قرّرت أن تُقدّم المساكن التي بحاجة إلى ترميم على دفعات لمكتب رئيس السلطة الفلسطينية، ليقوم بتمويل ترميمها من خلال الأمن الوطني. وقد تم ترميم (4) مساكن في حين يجري العمل على ترميم مسكنين آخرين، والباقي (4) مساكن تنتظر البدء بالترميم، علماً بأنّ التمويل المُخصص للترميم في المخيم يُقدّر بـ (60) ألف دولار. وفي زيارة فريق البحث الميدانية للمخيّمين تبيّن بوضوح أنّ البيوت التي تحتاج إلى ترميم أكثر ممّا ذُكر بكثير، وهي في الحقيقة في حالة يُرثى لها.
يطرح اللاجئون الفلسطينيون اليوم عدة تساؤلات، لماذا لا تتحمّل "الأونروا" المسؤولية المالية الكاملة عن عملية الترميم؟ لماذا تعمل "الأونروا" على تقليص خدماتها في كل المجالات بطريقة تدريجية؟ لماذا تتساوق الدول المُضيفة بما فيها السلطة الفلسطينية مع "الأونروا" في هذا التقليص في معظم الأحيان، والذي يُقدّره البعض بما لا يقل عن (40) بالمائة من خدماتها قبل "اتفاقية أوسلو" وقدوم السلطة الفلسطينية.
إنّ المُتابع لسياسة "الأونروا" يجد أنه في الوقت الذي يُقدّر لها دورها في دعم اللاجئين منذ النكبة، فإنها تعمل اليوم على التنصّل التدريجي من مسؤولياتها، بل وتحاول في سياساتها الأخيرة تطبيق سياسة مُضادة للحقوق والهوية الفلسطينية، بل ومضادة للأسس التي تأسست عليها كما حدث في غزة مؤخراً بخصوص محاولتها إضافة مواد جديدة للمنهاج الدراسي الفلسطيني دون مناقشة ذلك مع أي جهة، كما تُحاول اليوم شطب خارطة فلسطين من مكاتبها ومدارسها وهو ما ذكره بعض المدرسين في "الأونروا" وأشارت إليه مُذكّرة النواب الأردنيين إلى الحكومة الأردنية قبل بضعة أيام.
** الباحثون الذين شاركوا في التقرير من قسم العائدين/المنتدى التنويري الثقافي الفلسطيني في نابلس: الأستاذ ماهر حرب، الأستاذة رائدة أبو سعدة والأستاذ سلطان أبو تحسين.
صور لمنازل من مخيّم عسكر الجديد بعد عملية الترميم