أوس يعقوب
(التجربة الروائيّة عند قاسم توفيق.. قراءات في المقولة السردية وفضاءات التشكيل)، تأليف عدد من النقّاد والأكاديميّين العرب، كتابٌ نقديّ صدر حديثاً في العاصمة الأردنيّة عمّان، عن دار غيداء للنشر، قام بإعداده وتقديمه الناقد الأكاديمي الأردنيّ الدكتور خليل شكري هياس، فضلاً عن مشاركته النقديّة ببحث عن (العنونة وتجلياتها في سلوك الشخصيات الروائيّة).
يُعدّ هذا الكتاب عن أعمال الروائيّ الفلسطينيّ قاسم توفيق، جزءاً من مشروع نقدي أسّس له الناقد العراقيّ محمد صابر عبيد، مع مجموعة من النقّاد العرب، ومنهم الدكتور خليل شكري هياس الذي واكب هذا المشروع منذ انطلاقته عام 2006، وكان من مخرجات هذا المشروع أكثر من عشرين كتاباً تناول النتاج الإبداعي العربيّ بمختلف أجناسه، ولعل أهم ميزة لهذا المشروع هو تقديم المنجز الإبداعي من جوانب نقديّة ورؤيويّة مختلفة، تعكس جماليّات النصّ الإبداعي وفق وجهات نظر قرائية متنوعة.
وفي سؤال "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" صاحب "رائحة اللَّوز المُر" كيف استقبل هذا الكتاب؟ وماذا عنى له؟ أجاب قائلاً: ماذا يريد الكاتب؟ لا شيء سوى أن يُقرأ". وأضاف: "صدور كتاب بهذه القيمة عن تجربتي في الكتابة الروائيّة، مسألة تجعل الأمل حاضراً، وأن يساهم فيه نخبة من النقّاد والباحثين العرب المهمين، فهذه مسألة أكثر جمالاً، وتدعو للفرح. أريد أن أوضح فكرة لطالما أعلنتها، وهي أنّني روائيّ لا يكتب للفوز بجائزة أو تكريم، بل أكتب لكي يقرأني الآخر. لست مبالغاً إن قلت إنّني كنت أقدّم كتبي لبعض الجوائز الأردنيّة والعربيّة، ليس لرغبة في الحصول على هذه الجائزة، والتي أعرف أنّ لها شروطها التي لا تنطبق عليّ، بل لكي أضع رواياتي بين أيدي عدد من القراء النقّاد، هم اللجنة المحكمة."
يتابع صاحب "حانة فوق التراب" القول: "عندما يصدر عمل يضم مجموعة دراسات نقديّة عن تجربتي الروائية، لا بد أن أستقبله بسعادة تشبه سعادتي بإصدار رواية جديدة لي، عندما يطّلع القارئ على محتوى الكتاب، والموضوعات التي ناقشها عدد هام من النقّاد الذين أعتز بهم وبآرائهم، لا بد وأنّه سوف يُستفز للبحث عن أعمال هذا الكاتب."
وعن المختلف في هذا الكتاب، يقول قاسم توفيق: "المختلف والجديد هنا أنّ مجموعة من النقّاد العرب اجتمعوا على إنجاز دراسات وقراءات تُعد شكلاً تجديدياً في ميدان النقد في المشهد الأدبي العربي، جاء على غير الأسلوب التقليدي السائد وهو أن يصدر الناقد كتاباً في عنوان واحد، يكرسه في استعمال عدد من الكُتاب والكتب. هنا مع هذا الكتاب تغيّر هذا الشكل، إذ قام عدد من النقّاد العرب في تناول مجموعة من أعمالي، وجمعها في مؤلف واحد." ويردف قائلاً: "قيمة النقد تكمن في استكمال تحقيق غاية الأدب، فيُدفع الكاتب للنظر والتعرف على أعماله من خلال رؤى ونظريات متنوعة. وهذا هو أهم ما يضاف للمؤلف. بهذا الكتاب وجدت نفسي في ثلاثة مواضع، واحد وهو الأحب إليّ، هو ذاك الذي عرّفني على المعنى الذي كنت أقصده من جديد، واتفق معي في الفكرة التي أردتها فكرياًّ وفنياًّ، وما أريد أن أكشفه، مثل الرؤيا الوجودية في أعمالي. الثاني وهو الأكثر إدهاشاً، وأعتقد أنّ القيمة الحقيقية للنقد تكمن فيه، حيث يُبنى على كشف عوالم لم يكن وعي الكاتب، هو الذي يرصدها عندما فكرت في كتابة الرواية، لأنّ انهماكي في الفكرة المحور، وفي تكوين الشخصيات يكون هو شغلي الشاغل. يأتي الناقد هنا ليشرح التفاصيل التي بُني عليها النص ويكشف عنها. هذه التفاصيل لا يكون وعي هو الذي يقحمها في النص، بل تكون حاضرة في اللاوعي، لحين يبعثها الناقد، ويضعها في بوتقة الوعي. في هذا الكتاب عدد كبير من هذه الحالات، التي تتحدث عن تفكيك وعي الذات النسائيّة، والفهم الفرويديّ، والحضور العلاميّ والسرديّ للشخصيّة. أمّا الموضوع الثالث وهو الذي يختص في بُنية النص الروائي، الذي يكون تلقائياً في النص، فإنّ الناقد يلقي عليه الضوء ليكشفه، ويوضح سببيّته، وضرورته، ويُعاين جماليّاته، وضعفه. فيصبح الناقد مبدعاً عندما يُفسر المعنى غير المسرود.
أرى أنّ النقّاد الذي تعرضوا لهذا الجانب يملكون معرفة عميقة وخلاقة فيه. في آخر الأمر أقول إنّ مثل هذا التكريم، هو خير ما أريده أو أسعى إليه. موجباً أن أشكر السادة والسيدات الذين أغدقوا عليّ بهذا الكرم."
دراسات في مختبر "قاسم" المخياليّ الفنيّ ..
جاء في مقدمة الكتاب، الذي يتكون من 220 صفحة من القطع المتوسط، والتي وضعها الناقد الأردنيّ الأكاديميّ الدكتور خليل شكري هياس: ".. لعل أهم ما يميز فكر وتوجه قاسم توفيق هو مزجه بين الفكر الوجودي والواقعية التقدمية القائمة على رصد الواقع الحياتيّ بكل تشكيلاته الاجتماعيّة والفكريّة والنفسيّة بعد صهرهما في مختبره المخياليّ الفنيّ، ليغدو العمل في النهاية نصّاً مفعماً بفلسفة خاصة تجمع بين بساطة وجرأة الطرح وعمق الدلالة، وقد لا يصل القارئ إلى هذه القناعة إلا بعد قراءة واعية وكاملة لمنجز قاسم توفيق، وأحسب أنّ قاسم توفيق لم يُقرأ جيداً لحدّ الآن، وأنّ منجزه السردي بحاجة إلى قراءات ليست نصّية فحسب، بل ثقافيّة فلسفية أيضاً، وهذا الخط الثقافيّ الفلسفيّ كما أشرت قبل قليل لا يتضح إلا بالقراءة الشاملة لكل منجزه الروائيّ."
ضم الكتاب مجموعة من الدراسات لعدد من أعمال قاسم توفيق الروائيّة، وقد جاء بمقدمة احتفائيّة بمنجز الروائيّ سلط فيها المقَدِم الضوء على علاقته بالروائيّ، وفكرة انبثاق هذا العمل.
وبفصول ثلاثة، كان الأول منها بعنوان: (تجليات العتبة وفاعلية التوجيه القرائيّ)، تصدره دراسة الدكتور خليل شكري هيّاس بعنوان: (هوية النصّ الروائيّ: تجليات العنونة في تشكيل الشخصية)، ثم دراسة الدكتور فالح مضحي السامرائي بعنوان: (التشكيل الاستهلالي السردي، دراسة في رواية "صخب").
واحتوى الفصل الثاني والذي جاء تحت عنوان: (تجليات السرد ومعمار النصّ)، دراسة للدكتور محمد صابر عبيد بعنوان: (النحت السردي ومعماريّة الأمكنة)، ودراسة للدكتورة فاتن عبد الجبار الحياني بعنوان: (شخصية المصري في رواية "حانة فوق التراب: الحضور العلامي، والحضور السردي)، ودراسة ثالثة للدكتورة سهام حسن السامرائي بعنوان: (تقنيات وصف الشخصية: قراءة في رواية "صخب")، والدراسة الأخيرة في هذا الفصل كانت للناقدة الأردنيّة الدكتورة ديانا رحيّل بعنوان: (بنية النصّ وفاعلية التشكيل السردي في رواية "فرودمال).
أما الفصل الثالث فقد حمل عنوان: (تجليات السرد وتمظهرات الذات)، واشتمل على دراسة للدكتور سليمان الأزرعي بعنوان: (في الأعمال الروائيّة الوجودية عند قاسم توفيق). ودراسة الدكتور غسان عبد الخالق بعنوان: (رواية "رائحة اللوز المرّ" بوصفها مختبراً فرويديّاً)، ودراسة للدكتورة نادية هناوي بعنوان: (تفكيك وعي الذات النسائية بهويتها وبالآخر في رواية "صخب")، ودراسة للدكتور إبراهيم مصطفى الحمد بعنوان: (وعي الرواية ورواية الوعي: مقاربة سوسيو نصّية في رواية "صخب")، وأخيراً دراسة الدكتور موسى عبد درب وعنوانها: (الجسد لغة: قراءة في روايات قاسم توفيق).