الوليد يحيى
أحدثت مسيرة العودة أمس الجمعة 30 آذار، هزّة في الذهنية الصهيونية بتعاطيها المعتاد مع الملف الفلسطيني عموماً، والغزّاوي خصوصاً، وبدا ذلك واضحاً من خلال التعليقات التي نشرتها بعض الصحف العبرية، قبيل وبعيد اندلاع أحداث المسيرة التي شارك فيها عشرات الآلاف من الغزيّيين.
آفي بنياهو، وهو جنرال ومتحدث أسبق باسم الجيش الصهيوني، تحدث منتقداً في مقال كتبه لصحيفة "معاريف" العبرية، عن حصر التعاطي مع ملف غزّة بالجيش فقط، ورغم أنّه أثنى مطمئنّاً على إتمام جيشه الاستعداد للتعامل مع "مسيرة المليون" التي يعدّ لها الغزّيون في ذكرى النكبة!.
إذن، الجيش دائماً هو الحل في العقلية الصهيونية، وإن بدا أنّه حلّ مرتبك حتى بالنسبه لأصحاب العقول العسكرية مثل آفي بنياهو، الذي لم يجد مخرجاً من الاعتراف بأن "اليأس العظيم" للغزيين وسوء أوضاعهم، هما سبب تدهور الأمور، معتبراً ذلك أخطر على كيانه من مصر والسلطة الفلسطينية على حدّ قوله.
بروباغندا "الإرهاب" حل الاحتلال في تبرير إرهابه
بنياهو الذي حاول التنصّل من المسؤولية الإسرائيلية، عن مآلات وضع سكّان غزة المشبع بالبطالة وانعدام الأمل، والاكتظاظ الهائل، والنقص بكافة وسائل المعيشة، معتبراً ذلك أنّه ليس بسبب "اسرائيل" فقط، حاول الهروب إلى الأمام في تبرير التصدي لانفجار الغزيين، عبر البروباغندا التي تشكّل نهج الاحتلال، بإلصاق تهم "رمي الحجارة وحمل السكاكين واختباء تلطي عناصر حماس خلف المتظاهرين المنوعين بين شباب ونساء وأطفال، تعمدت الأخيرة الزجّ بهم، وبالتالي من حق الجيش أن يتصدى ويعتقل"، على حدّ تبريره !.
وبعد أحداث المسيرة، بدت تتكشّف آثار الهزّة، وبدا واضحاً من بعض التعليات الاسرائيلية على الحدث، أنّه لم يعد بمقدور الاحتلال الاستمرار في ذات الذهنيّة التي تعتمد المقاربات العسكريّة و الأمنية في التعاطي مع غزّة والفلسطينيين، وأنّه لا بد من حلّ آخر، لا يبدو أنّه متوافر الآن، وإنّ شخصّت التعليقاتُ المشكلة بخجل، إلا أنّ هذا التشخيص يضعها في مشاكل أكبر، يعودون على إثرها لذات الحلول.
معاريف: الحل هو مزيد من التشديد على الحدود وحفظ الإنجازات الاستيطانية
عودي سيغل، المحلل السياسي في صحيفة "معاريف" الصهيونية، وضع أحداث مسيرة العودة، في مرتبة التطورات الأكثر خطورة أمنياً، مما شهده العام 2014 إبان العدوان الذي شنّه جيش الاحتلال على قطاع غزّة.
ورأى سيغل، أنّ الاسابيع القادمة ستكون شديدة التقلب، ويمكن أن يتدهور الوضع بسهولة إلى تصعيد أوسع، وقد يؤدي أي حادث مؤسف إلى حريق كبير وواسع، منوهّاً الى ضرورة أنّ تدرك "إسرائيل أهمية المأزق السياسي، لكنها غير راغبة في دفع ثمن البديل".
لكن ما هو البديل الذي يرتئيه عودي سيغل، الكاتب المعروف بنزعاته اليمينيّة؟
أقرّ الكاتب، بضرورة أن تشعر دولته، بأنّ الفلسطينيين ليسوا مشكلة هامشيّة، بل هم شأن داخلي "إسرائيلي"، حيث أنّ "الاسرائيليين لا يعيشون حياة طبيعية في ظل تدهور الوضع في القطاع، وهاهم الغزيّون قد أفسدوا على الصهاينة عطلتهم وتحدوهم في احتفالاتهم بالذكرى السبعين لقيام دولتهم".
واعتبر سيغل، أنّ ما جرى في مسيرة العودة، كشف ما وصفه بوهم الفقاعة "الإسرائيلية" وأسطورة السور، الذي يدعي الجيش أنّه موجود ويحفظ الحياة الطبيعية "للإسرائيليين" الذين يعيشون في المستوطنات المحاذية للقطاع، ويحميهم من الجحيم في الطرف الآخر في إشارة الى قطاع غزّة.
ولم تتفتّق ذهنية الكاتب الصهيوني المتوترة بفعل مسيرة العودة، إلا على حلول لا يبدو هو نفسه واثقاً أنّها ستمنع الحريق الذي حذّر منه في بداية مقاله، حيث اعتبر أنّه يتوجب على كيانه أن يبدأ بتشكيل الحدود وخطوطه الحمراء، ويحافظ على إنجازات الاستيطان.
مما سبق لا يبدو أنّ الذهنية الصهيونية، قادرة على انتاج حلّ يضمن للكيان استقراره، فهذه الذهنية بالنهاية هي نتاج وقائع موضوعية، بالأصل غير طبيعية، فالشجرة البلاستيكية لا تنمو إن سقيناها الماء، وبالتالي العقلية الصهيونية لا يمكن أن تتطور في إنتاج حلول لمشكلة كيانٍ وجودُه مشكلةٌ في حدِّ ذاتها.
فالكاتب مثلاً،يرى أنّ الطلاق مع الفلسطينيين من جانب واحد، ومحاوطتهم بالخطوط الحدودية الحمراء، والحفاظ على الاستيطان، هو الحل، و الذي ينتقد رئيس وزرائه بنيامين نتياهو على عدم المضي به، لكن هل هذا سيمنع انفجار الغزيين أم سيزيد من حدّته؟ هذا ما لم يستطع سيغل الإجابة عليه.
ليمور: لا يوجد في الأفق حل لمشكلة قطاع غزة
أمّا معلقون آخرون، كيوآف ليمور، وهو الذي يعرّف نفسه بالمحلل المعتدل وتُظهره بعض وسائل الإعلام الصهيونية على أنّه صاحب النصائح العسكريّة، اكتفى بتحذير الجيش الاحتلال من التصعيد، لأنّه يرى أنّ هذا الأمر من شأنه أن يصاعد الأمور ويفتح جبهات عديدة، ليس من مصلحة "اسرائيل" فتحها، مضيفاً أنّه لابد من حل مشكلة قطاع غزّة بشكل جذري، إلا انّه لا يوجد في الأفق تصوراً لهذا الحل.
من خلال القراءة في تحليلات ليمور وأبينياهو وعودي سيغل، يمكن التلمّس بشكل واضح أنّ أصحاب الرأي في المجتمع الاستيطاني، بدأوا يتحسسون خطورة المواجهة المقبلة مع الفلسطينيين التي بدأت تنطلق من محركات اجتماعيّة بالإضافة إلى الوطنية والحقوقية وسواها- لا يمتلكون مقاربات لحلّها، وإن أشاروا إلى الاسباب بخجل.