علي بدوان _ سوريا
تتنوع منابت اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك بالنسبة لموطنهم الأصلي في فلسطين. تبعاً لخريطة المدن والقرى والبلدات الفلسطينية التي ينتمون اليها. ومعظمها يقع شمال فلسطين المحتلة عام 1948 في الجليل والساحل الشمالي وغور طبريا وسهل الحولة، وشمال وسط فلسطين 1948، كما هو حال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. مع جزء قليل من فلسطينيي القطاع ومناطق الوسط والجنوب في فلسطين.
وكانت فلسطين قبل النكبة، تَضُمُ في تقسيماتها الإدارية ستة ألوية (محافظات بالمفهوم الدارج الآن)، وهي : لواء الجليل وعاصمته الناصرة ويضم بعض المدن الكبرى مثل عكا وصفد وبيسان وطبريا ... . ولواء حيفا ويضم حيفا وقراها وبعض البلدات الكبرى كبلدة شفاعمرو. ولواء غزة ويضم بعض المدن والبلدات الكبرى مثل المجدل والفالوجا وعسقلان ومنطقة النقب. ولواء القدس ويضم بعض المدن والبلدات الكبرى مثل الخليل وبيت لحم ورام الله والبيره. ولواء نابلس ويضم بعض المدن والبلدات الكبرى شمال الضفة الغربية مثل طولكرم وجنين. ولواء اللد ويضم مدينتي الرملة ويافا. ويضم كل لواء مئات القرى المنتشرة على امتداد أرض فلسطين التاريخية.
فلسطينيو سوريا يعودون للمناطق التالية في فلسطين، وفق الترتيب : الغالبية الساحقة من لواء الجليل ومدنه وقراه. ثم لواء حيفا ومدنه وقراه. ثم لواء اللد ومدنه وقراه. ثم لواء لواء نابلس. ثم لواء غزة. ثم لواء القدس.
أما حضور سكان المدن الفلسطينية في مخيم اليرموك، فيقع وفق الترتيب التالي : صفد، طبريا، الناصرة، عكا، حيفا، يافا، اللد، الرملة، غزة ...
وهناك انتشار كثيف لسكان بعض القرى في مناطق الجليل، ومنها قرى منطقة طبريا (لوبية + الشجرة ...) على سبيل المثال. وقضاء الناصرة (صفورية + كفر كنّا + كفر مندا + المجيدل + أندور + اكسال + دبورية ...) على سبيل المثال. وقضاء صفد الذي يتميز بوجود كثافة في أعداد العائلات التي تعود لقرى القضاء (نحو 54 قرية). وقضاء عكا (خاصة ترشيحا). وقرى منطقة حيفا (الطيرة + الطنطورة + عين غزال + جبع + إجزم ....) على سبيل المثال. كما في قرى سهل الحولة من مواطني الغور الفلسطيني (الغوارنة) وخاصة بلدات وقرى مثل القيطية. كما في انتشار المواطنين من العشائر في شمال فلسطين(عرب المواسي + الهيب + الوهيب + السمكية + الزنغرية + السواعد + السياد + الصبيح ...).
لقد تَشَكّل مخيم اليرموك عام 1954 من لاجئين فلسطينيين من مختلف مناطق فلسطين، ومن كافة التشكيلات الاجتماعية. لكن المهم في هذا بالنسبة لأبناء القرى والعشائر، أن دور العشيرة، الحمولة، أو القبيلة كمؤسسة إجتماعية، تراجع بشكلٍ مؤثر خلال العقود الثلاثة الماضية، ليحل مكانه المعنى الوطني الجامع، فتراجعت سطوة الوجاهات، حيث انحصر دور التقاليد القبلية وغيرها في المناسبات العامة والأفراح والأحزان، كما تزايدت مظاهر الزواج من خارج الأطر الضيقة، وانتشار رقعة الزواج المُختلط ضمن أبناء المخيم متجاوزين الإنتماء المناطقي القروي أو المديني، بل وزحف نحو المحيط ونحو النسيج الواحد مع المجتمع السوري الشقيق، الذي لم يكن غريباً عن النسيج الفلسطيني بالأصل، بالرغم من أن مظاهر هذا التغيير كانت متباينة، فقد كانت سريعة وواسعة في أوساط اللاجئين من أوساط مدينية أو شبه مدينية، وبطيئة ومتبعثرة في أوساط الفقراء من أبناء الغور وريف طبريا، وبعض العشائر البدوية في منطقة الجليل والناصرة وغيرها من مناطق فلسطين.
إن التحولات الإجتماعية التي طرأت على مجتمع مخيم اليرموك الفلسطيني خلال العقود الأخيرة من عمر اللجوء الفلسطيني إلى سوريا، تضافر معها مسألة التداخل الكبير بين مخيم اليرموك وجيرانه في المحيط السوري الكثيف السكان في أحياء التضامن والقدم والحجر الأسود والميدان والزاهرة وغيرها، ولم يِكُن في حقيقته تداخلاً جغرافياً فقط، بل هو تداخل إنساني بالدرجة الأولى، بين شعبين ملتصقين، وقد أدى وظائفه في ولادة (سوسيولوجيا) إجتماعية واحدة بتأثير فلسطيني طاغٍ، دفع عموم سكان مخيم اليرموك من سوريين وفلسطينيين للصراخ بالصوت العالي : بين فلسطين وسوريا .. إحترنا على أي وطن نتوجع !!!!
وفي تلك السوسيولوجيا، بات "سوريو مخيم اليرموك" فلسطينيين أكثر من كونهم سوريين، وهو مادفع بقطاعات واسعة منهم للإنخراط في العمل الوطني الفلسطيني وفي صفوف مختلف الفصائل الفلسطينية، فعدد الشهداء السوريين في العمل الفدائي الفلسطيني يقارب نحو ثلث شهداء الثورة الفلسطينية المعاصرة.
إن منبت تلك السوسيولوجيا، أنها قاربت أيضاً من الزاوية الطبقية الوضع "الطبقي والإجتماعي" بين حال الفلسطيني اللاجىء قسراً من أرض وطنه فلسطين وقد خرج من فلسطين (يد من الأمام ويد من الخلف : على حد تعبير المثل الشعبي الفلسطيني) وبين حال سكان تلك العشوائيات الذين كانوا إجمالاً من منابت طبقية فقيرة ومتواضعة (وبعضها من منابت طبقية مسحوقة) ومن فقراء الأرياف والمحافظات البعيدة ومن ومهمشي المدن (الذين كان يُطلق عليهم الماركسيين العرب في أدبياتهم مسمى "البروليتاريا الرثة")، ومن طالبي العمل والمياومة (العمل بالأجر اليومي) في سوق الرزق في المعامل والمنشآت والبنى التحتية في العاصمة دمشق ومحيطها.
ومن المهم، الإشارة إلى أن المناطق المحيطة باليرموك تضم بين ثناياها خليطاً من عموم أبناء الشعب السوري من كل المحافظات وحتى من كل الطوائف، وهو أمر أوجد حالة غنية من الألفة والتفاعل بين الجميع وساعد على حالة الإنصهار الوطني، وقد ساعد على هذا الأمر أيضاً الحالة الوطنية الفلسطينية التي كانت ومازالت على الدوام حالة جامعة لاتقبل بمنطق التفريق بين الشعبين، ولاتقبل أيضاً بمنطق الطوائف، بل تذم وتَلعَنَ أَصحابَها. فالزيجات المختلطة تميّز الحالة الفلسطينية في سورية، فهناك المئات من الشبان أو الشابات الفلسطينيات ممن اقترنوا بسوريات أوسوريين من كافة الطوائف والملل.
لكن، كان ومازال فلسطينيو سورية ومخيم اليرموك، الأكثر جرأة من جيرانهم على شق طريقهم الصعب والقاسي بالرغم من وجودهم كلاجئين خارج أرض وطنهم التاريخي، وقد يكون السبب في ذلك نتيجة إنشدادهم الرئيسي نحو همهم الوطني ونحو بوصلتهم المتجهة نحو وطنهم فلسطين، فضلاً عن التجربة التي دعكتهم في مراراتها وعلقمها، ودفعت بهم نحو حفر الصخر بأظافرهم لتحسين أوضاعهم، والتركيز على تعليم أبنائهم، وهو أمر جعل من مخيم اليرموك (ورغم السيولوجيا المشتركة) متمايزاً في هذا الجانب عن حالة سكان العشوائيات المحيطة به، من حيث نسب التعليم العالية، ومن حيث الإرتقاء المهني، فبات مخيم اليرموك مدينة كبيرة وعامرة وخارج إطار مايسمى بالعشوائيات وفق التقسيمات المرسومة والمصنفة في وزارة الإدارة المحلية السورية.